تحل علينا الذكرى السنوية لـ "الصرخة في وجه المستكبرين"، تلك النقلة النوعية التي أسس قواعد انطلاقها الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي، رضوان الله عليه، ليعلن عن ميلاد أمة تتحرك وفق مشروع قرآني إحيائي، يستنهض الأمة من غفلتها ويقودها نحو التحرر من براثن الهيمنة والاستكبار العالمي.

الصرخة في وجه المستكبرين، لم تولد شعاراً طارئاً، وإنما موقف عن وعي ورؤية ثاقبة، ، ومفتاحاً لإعادة الأمة إلى عزتها وكرامتها، في مواجهة قوى الشر المتربصة التي تسعى جاهدة لإذلالها واستعبادها.

تأصيل مفهوم الصرخة

مفهوم "الصرخة في وجه المستكبرين" ليس وليد اللحظة، بل هو كالشجرة الطيبة؛ أصلها ثابت في القرآن الكريم، وفروعها ممتدة في سماء الحق، مستوحى من مواقف الأنبياء والرسل في مواجهة الطغاة على مر العصور. تتجلى في القصص القرآني الحي، الذي يعبر عن الصراع الأزلي بين الحق والباطل، بين المستضعفين المتمسكين بالكرامة والذين يرفضون الذل، وبين المستكبرين الذين يسعون للهيمنة والاستعلاء. ومن حيث يُؤكد القرآن على فريضة الجهر بالحق، و رفض الخنوع و دفن الرؤوس في رمال الاستسلام، الأمر الذي أودى بالأمة إلى ما وصلت إليه من هوان وذل.

وفي سياقات الوضع الراهن للأمة، اكتسبت (الصرخة) زخماً ودلالات استثنائية مع انطلاقها المدوّي من اليمن الشامخ، في وجه الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية المتغطرسة والمتمادية في عدوانها المتغول في سفك الدماء البريئة في فلسطين ولبنان وسوريا و اليمن. لقد جاءت هذه الصرخة المباركة لتكسر جدار الصمت المطبق وحاجز الخوف المصطنع الذي فرضه المستكبرون على وعي الأمة، ولتعيد إحياء جذوة العزة والكرامة والإباء في نفوس أبنائها. إنها تعبير صارخ عن رفض مطلق للظلم والاستبداد والتدخلات الخارجية السافرة، وتمسك أصيل بالقيم النبيلة للأمة في إطار مفاهيم الهوية الإيمانية والثقافة القرآنية الأصيلة.

في سياق الوضع الراهن للأمة، اكتسبت (الصرخة) بعداً استثنائياً وزخماً عظيماً، انطلقت من اليمن الشامخ للتصدي للعدوان والهيمنة الأمريكية والإسرائيلية المتغطرسة،

 

لم تكن "الصرخة في وجه المستكبرين" مجرد رد فعل آني أو شعار موسمي بل كانت بذرة وعي استراتيجي عميق غرسها القائد الشهيد السيد حسين بدرالدين الحوثي، رضوان الله عليه ، في ضمير الأمة، لتتحول إلى منهج عمل متكامل وحركة مجاهدة تجسدها اليوم القيادة الحكيمة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، حفظه الله ورعاه، مستمدة قوتها من تضحيات الشهداء الأبرار، وعلى رأسهم نجم كوكبة الشهداء العظام، القائد الملهم السيد حسين بدرالدين الحوثي.

 

لقد استشرف القائد الشهيد، ببصيرته النورانية، خطورة الهجمة الشرسة التي تستهدف الأمة الإسلامية من قبل التحالف الأمريكي الإسرائيلي، وأدرك بحق أن الصمت المذل والسكوت المخزي لن يزيدا الأمة إلا ضعفاً وهواناً وتغولاً من قبل الأعداء. فكانت (الصرخة) إعلاناً مدوياً للبراءة من قوى الاستكبار، ورفضاً قاطعاً لمشاريعهم الخبيثة الهادفة إلى إذلال الأمة ونهب ثرواتها ومقدراتها. وكما قال رضوان الله عليه في إحدى محاضراته القيّمة التي لا تزال تضيء دروب الوعي: "إن هذا الشعار هو تعبير عن موقف، وعن ثقافة، وعن وعي بالعدو، وعن إدراك لطبيعة الصراع. إنه ليس مجرد كلمات تقال، بل هو فعل وممارسة في الحياة." لقد وضع الشهيد القائد الأسس المتينة لهذا الشعار، مؤكداً على أنه لن يتوقف عن حد كونه "رد فعل انفعالي"، بل سيصبح ثورة استباقية على طريق بناء مناعة ذاتية للأمة وتحصينها من الاختراق والتأثير بثقافات الخارج المدمرة.

 

الصرخة.. بوصلة للمواجهة ومحرك للعمل

واليوم، يواصل السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، بعزيمته الصلبة ورؤيته الثاقبة، حمل هذه الراية المباركة، مؤكداً في كل مناسبة على أن الصرخة لا تزال تمثل البوصلة التي تهدي الأمة في معركتها المصيرية ضد قوى الاستكبار والغطرسة العالمية. لقد ربط السيد القائد، بحكمة بالغة، بين الصرخة والمواقف العملية الشجاعة التي تتخذها اليمن الأبية تجاه قضايا الأمة المحورية، وعلى رأسها قضية فلسطين المركزية.

هذا الربط الوثيق يؤكد بجلاء أن الصرخة ليست شعاراً منفصلاً عن الواقع الذي تعيشه الأمة، بل هي إطار نظري متين يوجه التحركات العملية لليمن في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية المتصاعدة. كما يشدد السيد القائد، بوعي عميق، على أهمية استمرار هذا الشعار كونه يعبر بصدق عن هوية الأمة ورفضها القاطع للظلم والجور: "الشعار عبر عن ثقافة وموقف، وعن مسار قرآني عملي لم يتغير أبداً، لا في مراحل التمكين ولا في مراحل صعوبات. الشعار لم يتغير أبداً لا أمام التهديدات، ولا تجاه الإغراءات."

 

تجسيد للكرامة والعزة اليمنية

لقد جسد الرئيس الشهيد صالح الصماد، رحمه الله وأعلى مقامه، في حياته الزاهدة ومواقفه الشجاعة معنى "الصرخة" الحقيقية في وجه المستكبرين. لقد كان نموذجاً فريداً للقائد الذي لا يخشى قول الحق ولو على نفسه، والذي واجه قوى العدوان بصلابة وعزيمة قل نظيرها. وقد أكد الشهيد الرئيس، بصدق وإخلاص، على أن "الصرخة" هي التعبير الأصيل عن الكرامة والعزة اليمنية ورفض الخضوع والإذعان للآخرين.

وفي إحدى كلماته المؤثرة التي لا يزال صداها يتردد في أرجاء الوطن: "إن شعبنا اليمني العظيم، الذي يرفع صوت الحق عالياً، لن ينكسر ولن يلين أمام جبروت المستكبرين. لقد اخترنا طريق العزة والكرامة، وهذا الطريق هو الذي رسمه لنا الشهيد القائد." لقد ربط الرئيس الشهيد، بوعي عميق، بين "الصرخة" والصمود الأسطوري الذي أبداه الشعب اليمني في وجه العدوان الغاشم، مؤكداً أن هذا الشعار المبارك هو مصدر قوة وعزيمة لا تنضب للشعب في مواجهة التحديات الجسام.

 

جذوة الوعي المتقدة في وجه تحديات الأمة المتصاعدة

لقد مر أكثر من عقدين على انطلاق "الصرخة في وجه المستكبرين" من اليمن، ولم يخف وهجها، بل ازداد إشراقة وتألقًا، وتحولت إلى منارة تنير دروب الأمة في أوج محنها وأحلك ظروفها. في ظل التحديات والتهديدات الوجودية التي تواجهها، تتضح بقوة دلالات استمرار هذه الشعلة وأهميتها، مستوحاة من رؤية القائد المؤسس الشهيد السيد حسين بدرالدين الحوثي، رضوان الله عليه، التي كانت نذيرًا بالمقاومة والصمود.

وفي زمن تصاعد العدوان الأمريكي والإسرائيلي، ووسط مشاهد العدوان الوحشي المستمر على غزة والضفة والقدس، وعلى لبنان وسوريا، تبرز "الصرخة" كصرخة ضمير الأمة الحي، الرافضة للظلم والتآمر، وداعمة للمقاومة والحق. فهي التعبير الواضح عن أن زمن الصمت ولَّى، وأن أحرار الأمة لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام جرائم العدوان والتدمير الشامل لمقدرات الأمة ونهب ثرواتها، بل وستظل القدس درة الأمة ومهدها، وعنوان وهج المقاومة والجهاد المقدسة وكرامة الأمة حتى النصر واستئصال الغدة السرطانية "إسرائيل" من جسد الأمة وإقامة الدول الفلسطينية الحرة على كامل ترابها الوطني وعاصمتها القدس الشريف.

وفي مواجهة الحرب الناعمة، التي تتقن قوى الاستكبار العالمي توظيف أدواتها لطمس هويتها وتشويه قيمها، تزداد ضرورة التمسك بالهوية اليمنية المقاومة، إذ يعبر شعار "الصرخة" عن إصرار الشعب على تمسكه بالمبادئ والقيم المستمدة من الهدي القرآني، الرافض للخلل والخضوع، والمصمم على الدفاع عن سيادة واستقلال بلاده

كما تُعدّ الصرخة درعا يحمي الأجيال القادمة من الانزلاق في مستنقع التبعية الثقافية، ويقوّي الوعي لدى الشباب، ويحذرهم من المخططات الرامية إلى تفكيك بنيانهم الاجتماعي، ويؤكد أن في شعب اليمن وفي شعوب الأمة العربية والإسلامية قلوب لا تزال تنبض بروح المقاومة والثبات، وأن الصمود ومقارعة الظلم والاستبداد ومواجهة الاستكبار سيظل عنوانٌ جهاد مقدس لا تنطفئ جودته بغير النصر.

 

محطات مشرقة في مسيرة اليمن العملية نصرة لقضايا الأمة

لم يقتصر شعار "الصرخة" في اليمن الشامخ على مجرد ترديد كلمات أو رفع لافتات في المناسبات، بل سرعان ما تجسد إلى قوة دافعة حقيقية، ترجمت إلى مواقف عملية شجاعة ومبدئية تجاه قضايا الأمة المصيرية. لقد أدرك الشعب اليمني وقيادته الحكيمة أن الصدق في هذا الشعار يقتضي تحويله إلى واقع ملموس، يشهد عليه نصرة المظلومين ومقاومة الظالمين في كل مكان.

"الصرخة" نار تحرق أوهام العدو الصهيوني: لم يكن دعم اليمن للقضية الفلسطينية يوماً مجرد موقفاً كلامياً أو تعاطفاً عابراً، بل تجلى في التصدي الفعلي للعدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة. فمن خلال تبني خيار المقاومة بكل الوسائل المتاحة، وتقديم الدعم المادي والمعنوي واللوجستي للمقاومة الفلسطينية الباسلة، والوقوف بحزم في وجه أي محاولات لتصفية القضية أو الانتقاص من حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، أثبت اليمن للعالم أجمع أن "الصرخة" هنا تعني الفعل الصادق، وأن نصرة فلسطين هي جوهر هذا الشعار المبارك.

"الصرخة" صمود أسطوري في وجه الاستكبار: إن اعتبار اليمن للعدوان الأمريكي البريطاني السعودي الإماراتي عليه، في عقده الأول 2015-2024م، جزءاً لا يتجزأ من المعركة الكبرى ضد العدو الإسرائيلي لم يكن مجرد تحليل سياسي عميق، بل هو فهم استراتيجي دقيق لطبيعة التحالف الاستكباري وأهدافه الخبيثة المتجددة بالعدوان الأمريكي البريطاني الإسرائيلي في جولتيه 2023-2025. بل لقد تجسدت "الصرخة" هنا في صمود أسطوري قل نظيره في وجه هذا العدوان الغاشم، وتضحيات جسيمة قدمها الشعب اليمني الأبي دفاعاً عن مبادئه وقضايا الأمة، مؤكداً للعالم أجمع أن "الصرخة" تعني الثبات والعزة والكرامة في وجه قوى الهيمنة والغطرسة.

"الصرخة" هي وحدة مصير وتكاتف حقيقي: لم تقتصر "الصرخة" المباركة على فلسطين واليمن فحسب، بل امتدت لتشمل تضامناً عملياً وقوياً مع الشعوب المستضعفة في لبنان وسوريا والعراق وغيرها من البلدان التي تتعرض للعدوان والتدخلات الخارجية السافرة. فمن خلال التعبير الصادق عن وحدة المصير والأهداف المشتركة، وتقديم أشكال الدعم الممكنة، أثبت اليمن أن "الصرخة" تعني الأخوة الإيمانية الصادقة والتكاتف الحقيقي مع كل من يواجه الظلم والاستبداد في أي مكان.

"الصرخة" سلاح فعال في المعركة: تجسيداً عملياً وفاعلاً لشعار "الصرخة"، تبنى الشعب اليمني ثقافة المقاطعة الشاملة للبضائع التي تدعم الكيان الصهيوني وقوى الاستكبار العالمي. إدراكاً منهم بأن هذا الفعل يمثل سلاحاً فعالاً في المعركة الاقتصادية والمعنوية ضد الأعداء، وأن كل امتناع عن شراء بضائعهم هو صفعة مدوية لهم ودعم مباشر لقضايانا العادلة.

"الصرخة" إرادة شعبية عارمة تهز عروش الطغاة: تعكس المسيرات المليونية والوقفات الاحتجاجية المتواصلة في مختلف المحافظات اليمنية مدى تجذر شعار "الصرخة" في وعي الشعب وحركته العملية. هذا التحرك الشعبي العارم يؤكد على التفاف الشعب اليمني الأبي حول قيادته الثورية ومواقفها المبدئية، وأن "الصرخة" لم تعد مجرد شعاراً نخبوياً، بل هي إرادة شعبية عارمة تعبر عن رفض الظلم والتمسك بالحق والكرامة.

"الصرخة" في اليمن لم تبق حبيسة الحناجر، بل انطلقت كقوة فعل حقيقية، تجسدت في مواقف بطولية وتضحيات جسيمة ونصرة صادقة لقضايا الأمة. إنها شهادة حية على أن الإيمان الصادق بالشعار يحوله إلى قوة تغيير حقيقية في الواقع. إن استمرار "الصرخة" بعد عقدين من إطلاقها في ثوب قشيب يتعدى صدى الماضي، لتصبح نبض الحاضر ومسرح الاعداد للمستقبل، يؤكد على حيوية هذا الشعار وقدرته على مواكبة التحديات المتجددة، ويبقى دليلاً راسخاً على أن جذوة الوعي والمقاومة التي أشعلها الشهيد القائد، سلام الله عليه، لا تزال متقدة في قلوب الأحرار.

 

إرث مستمر ومنارة للأمة في معركة الوجود

في الذكرى السنوية للصرخة في وجه المستكبرين، يتجدد التأكيد اليمني؛ قيادة وجيشاً وشعباً على أن هذا الشعار العظيم، الذي انطلق قبل أكثر من عقدين مدوياً من اليمن الأبي، لا يزال يحمل في طياته ذات القوة والدلالة والأهمية التي أطلق بها. بل إن تصاعد وتيرة التحديات والمؤامرات التي تحيق بأمتنا الإسلامية اليوم تزيد من إلحاحية التمسك بهذا الشعار المبارك، وتحويله إلى وقود دافع لمواقف عملية أكثر فاعلية ورسوخاً.

لقد سطرت اليمن، بقيادتها الحكيمة وقوة جيشها الباسل وإرادة شعبها الأبي، صفحة مشرقة في تاريخ الأمة من خلال تبنيها الصادق لهذا الشعار وتحويله إلى واقع عملي ملموس. فكانت بحق في طليعة الأمة في مواجهة قوى الاستكبار العالمي، مقدمة الغالي والنفيس نصرة لقضاياها العادلة، وعلى رأسها قضية فلسطين الأبية.

وستبقى "الصرخة" منارة تضيء طريق العزة والكرامة للأمة، وإرثاً عظيماً للأجيال القادمة، شاهداً على أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه، وأن إرادة الشعوب الحرة أقوى من كل قوى الاستكبار والظلم. وستستمر "الصرخة" مدوية في وجه كل مستكبر وطاغية، حتى يتحقق النصر والتمكين لأمتنا بإذن الله.