مَا كَانَ لِلْجُمْهُورِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي إِيرَانَ، الَّتِي قَامَتْ ثَوْرَتُهَا بِقِيَادَةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْقَادَةِ الْأَعْلَامِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْهَجِ الْقُرْآنِ، أَنْ تَتَخَلَّى عَنْ نُصْرَةِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ، وَلَا سِيَّمَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي فِلَسْطِينَ وَالضِّفَّةِ وَغَزَّةَ وَلُبْنَانَ. 

ذَلِكَ أَنَّ الْقَضِيَّةَ الْفِلَسْطِينِيَّةَ فِي صَدْرِ أَوْلَوِيَّاتِهَا.  وَهَلْ هِيَ إِلَّا قَضِيَّةُ الْأُمَّةِ الْمَرْكَزِيَّةُ الَّتِي يُعَدُّ دَعْمُهَا وَإِسْنَادُهَا وَاجِبًا دِينِيًّا وَشَرْعِيًّا مُقَدَّسًا، وَأَخْلَاقِيًّا وَإِنْسَانِيًّا، وَجِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَسَارَ إِيمَانٍ، وَمَبْدَأً وَالْتِزَامًا. 

وَكَيْفَ لَهَا أَنْ تَتَرَاجَعَ عَنْ مَوْقِفِهَا الْمَبْدَئِيِّ الثَّابِتِ وَالرَّاسِخِ، مَهْمَا كَانَ حَجْمُ الْعُدْوَانِ وَعَصَفَتِ الْعَوَاصِفُ وَقَصَفَتِ الْقَوَاصِفُ، أَوْ كَلَّفَهَا أَبْهَظَ الْأَثْمَانِ؟ 

فَكُلُّ التَّضْحِيَاتِ مَهْمَا بَلَغَ حَجْمُهَا، ولَا سِيَّمَا خِيَرَةُ قَادَتِهَا الشُّهَدَاءِ،  فَإِنَّمَا هُمْ قَرَابِينُ عَلَى طَرِيقِ تَحْرِيرِ فِلَسْطِينَ وَمَقْدَسَاتِ الْأُمَّةِ مِنْ دَنَسِ مُحْتَلٍّ غَيْرِ شَرْعِيٍّ، وَعَدُوٍّ مُتَعَجْرِفٍ ظَالِمٍ، طَالَمَا حَذَّرَنَا اللَّهُ مِنْهُ فِي الْقُرْآنِ. 

إِنَّهَا إِيرَانُ الثَّوْرَةِ وَالْإِسْلَامِ، الَّتِي تَتَعَرَّضُ الْيَوْمَ لِأَبْشَعِ وَأَقْذَرِ عُدْوَانٍ تَشُنُّهُ عَلَيْهَا غُدَّةٌ سَرْطَانِيَّةٌ تُسَمَّى "إِسْرَائِيلُ"، وَمِنْ خَلْفِهَا يَقِفُ الْغَرْبُ الْكَافِرُ بِقِيَادَةِ الْفِرْعَوْنِ الْأَمْرِيكِيِّ، الْمُتَكَالِبُونَ عَلَى الْأُمَّةِ الْمُتَرَبِّصُونَ بِأَحْرَارِهَا، فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ. 

وَلَقَدْ زَعَمُوا بَاطِلًا وَزُورًا أَنَّهَا تَسْعَى لِامْتِلَاكِ أَسْلِحَةٍ نَوَوِيَّةٍ، فَحَرَّمُوا عَلَى غَيْرِهِمْ مَا هُوَ حِلٌّ لَهُمْ، غِلًّا وَحِقْدًا وَبُهْتَانًا. 

ثُمَّ اتَّخَذُوهَا ذَرِيعَةً لِشَنِّ عُدْوَانِهِمُ الْإِجْرَامِيِّ الظَّالِمِ بِالْبَغْيِ وَالطُّغْيَانِ.   بَيْدَ أَنَّ السَّبَبَ الْحَقِيقِيَّ لِعُدْوَانِهِمْ أَنَّهَا حَمَلَتْ عَلَى عَاتِقِهَا قَضِيَّةَ الْأُمَّةِ فِي زَمَنِ الْهُوَانِ وَالِاسْتِسْلَامِ. 

وَبَيْنَمَا كَانَتِ الْأُمَّةُ بَيْنَ خَاضِعٍ لِهَيْمَنَةِ الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَسُلْطَانِ جَوْرٍ رَاكِعٍ، وَأَمِيرِ نِفْطٍ مُعَاهِدٍ لِكَيَانِ الْعَدُوِّ مُطَبِّعٍ، وَمِنْهُ خَائِفٌ وَلَهُ خَانِعٌ،  فَأَمْسَوْا كُلُّهُمْ لِلْمُحْتَلِّ الظَّالِمِ أَعْوَانًا وَخُدَّامًا بِلَا وَازِعٍ.  وَصَارَ كَثِيرٌ مِنَ ابْنِاءِ الْأُمَّةِ أَدَوَاتٍ رَخِيصَةٍ أَرْخَصَتْ نَفْسَهَا لِعَدُوٍّ صِهْيَوْنِيٍّ يَهُودِيٍّ مَاسُونِيٍّ، تَحْتَ رَحْمَتِهِ قَابِعٍ. 

فَلَعَمْرِي أَنَّ الْإِذْعَانَ لِمُحْتَلٍّ غَاصِبٍ لِخَيْرَاتِ الْأُمَّةِ نَاهِبٍ مُسْتَكْبِرٍ قَاتِلٍ، لَهُوَ الْكَارِثَةُ الْكُبْرَى وَمُصِيبَةُ الْمَصَائِبِ.  فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، نَهَضَتْ إِيرَانُ الْإِسْلَامِ بِمَسْؤُولِيَّاتِهَا، لَا تَبْتَغِي مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ الْهَيْمَنَةَ وَجَلْبَ الْمَنَافِعِ،  حَيْثُ أَقْبَلَتْ تَسْتَنْهِضُ أَبْنَاءَ الْأُمَّةِ لِيَكُونُوا أَحْرَارًا أَعِزَّاءَ، لَا أَدَوَاتٍ وَأَذْرُعًا لَهَا وَتَوَابِعَ. 

ثُمَّ مَا لَبِثَتْ أَنْ صَنَعَتْ لِلْجِهَادِ وَالْمُقَاوَمَةِ مِحْوَرًا قَوِيًّا وَصُلْبًا عَصِيًّا عَلَى الْانْكِسَارِ، بِلَا مُنَازِعٍ.  فَانْضَوَى تَحْتَ لِوَائِهِ أَشْجَعُ الشُّجْعَانِ وَخِيَرَةُ الْفُرْسَانِ، وَكُلُّ حُرٍّ شَرِيفٍ وَمُجَاهِدٍ مُقَاوِمٍ وَمُمَانِعٍ وَمُقَاتِلٍ عَنْ دِينِهِ وَأَرْضِهِ وَعِرْضِهِ وَكَرَامَتِهِ وَشَرَفِهِ مُدَافِعٍ. 

وَعَلَى الرَّغْمِ مِنَ الْعُدْوَانِ الصَّدَامِيِّ السَّافِرِ، وَالْعُقُوبَاتِ الْاقْتِصَادِيَّةِ وَالْحِصَارِ الْجَائِرِ عَلَى مَدَى أَرْبَعِينَ عَامًا وَنَيْفٍ مُنْذُ انْتِصَارِ الثَّوْرَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، لَمْ تَقِفْ مَكْتُوفَةَ الْيَدَيْنِ كَالْحَائِرِ الْعَاثِرِ.  وَلَكِنَّهَا انْبَرَتْ تُقَاوِمُ وَتُوَاجِهُ وَتُنَاضِلُ، وَتُنْتِجُ وَتُطَوِّرُ مُخْتَلِفَ الْأَسْلِحَةِ وَالصِّنَاعَاتِ التِّقْنِيَّةِ، وَبَرْنَامِجَهَا النَّوَوِيَّ السَّلْمِيَّ، وَالْعَمَلَ النَّهْضَوِيَّ فِي مُخْتَلِفِ الْاتِّجَاهَاتِ وَالْمَحَاوِرِ.  وَلَمْ يَشْغَلْهَا ذَلِكَ عَنْ إِعْدَادِ الْعُدَّةِ لِمُوَاجَهَةٍ مُحْتَمَلَةٍ وَمَعْرَكَةٍ طَوِيلَةٍ كُبْرَى مَعَ الْغَرْبِ الْكَافِرِ، وَرَدِّ كَيْدِ الْعَدُوِّ الصِّهْيَوْنِيِّ الْفَاجِرِ وَالْفِرْعَوْنِ الْأَمْرِيكِيِّ الْمَاكِرِ.  نَاهِيكَ عَنْ تَقْدِيمِ الدَّعْمِ وَالْإِسْنَادِ لِلْمُقَاوَمَةِ الْفِلَسْطِينِيَّةِ بِالْمَالِ وَالسِّلَاحِ، وَتَقْدِيمِ الْخِبْرَاتِ وَإِعْدَادِ وَتَأْهِيلِ وَتَدْرِيبِ أَفْضَلِ الْكَوَادِرِ. 

وَبِفَضْلِ اللَّهِ تَمَكَّنَ الْمُقَاوِمُونَ مِنَ امْتِلَاكِ صَوَارِيخِ الْبَأْسِ الشَّدِيدِ الَّتِي يَدُكُّ بِهَا رِجَالُ اللَّهِ مَغْتَصَبَاتِ الْعَدُوِّ الْجَبَانِ، وَكَانَتْ ثَمَرَتُهَا طُوفَانُ الْأَقْصَى الَّذِي أَنْجَزَهُ الْأَبْطَالُ بِإِتْقَانٍ وَبَسَالَةٍ وَإِقْدَامٍ.  حِينَئِذٍ أَدْرَكَ الْعَدُوُّ الْغَاصِبُ وَالْفِرْعَوْنُ الْأَمْرِيكِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ بِإِمْكَانِهِ تَصْفِيَةُ الْقَضِيَّةِ الْفِلَسْطِينِيَّةِ بِالْحَرْبِ عَلَى الْمُقَاوِمِينَ الْأَبْطَالِ فِي غَزَّةَ الْأَبِّيَّةِ وَاسْتِئْصَالِهِمْ بِالْإِبَادَةِ الْجَمَاعِيَّةِ، إِلَّا بِالْحَرْبِ عَلَى إِيرَانَ،  فَظَنًَّ وَاهِمًا أَنَّهُ سَيَتَمَكَّنُ مِنَ الْقَضَاءِ عَلَى تَرْسَانَةِ الْأَسْلِحَةِ الْبَالِيسْتِيَّةِ، وَتَدْمِيرِ الْمَنْشَآتِ النَّوَوِيَّةِ السَّلْمِيَّةِ بِشَهَادَةِ وَكَالَةِ الطَّاقَةِ الذَّرِّيَّةِ وَالْمُخَابَرَاتِ الْأَمْرِيكِيَّةِ، وَإِسْقَاطِ النِّظَامِ. 

فَأَقْدَمَ بِحَمَاقَتِهِ إِقْدَامَ الْعَاجِزِ الْوَاهِمِ عَلَى ارْتِكَابِ أَبْشَعِ الْجَرَائِمِ بِشَنِّ عُدْوَانِهِ الْغَاشِمِ.  بَيْدَ أَنَّهُ لَمْ يُفْلِحْ فِي تَحْقِيقِ أَهْدَافِ عُدْوَانِهِ، وَمَا هِيَ إِلَّا سَاعَاتٌ حَتَّى جَاءَهُ الرَّدُّ الْإِيرَانِيُّ الْقَاصِمُ.  وَرَأَى مِنْ بَأْسِ اللَّهِ وَالضَّرَبَاتِ الْحَيْدَرِيَّةِ الْمُتَصَاعِدَةِ مَا لَمْ يَكُنْ بِحُسْبَانِهِ. 

وَذَلِكَ أَنَّ إِيرَانَ الدَّوْلَةَ الْمُعْتَدَى عَلَيْهَا، انْطَلَقَتْ فِي رَدِّ كَيْدِ الْكَائِدِينَ وَعُدْوَانِ الْمُعْتَدِينَ لَمَّا بُغِيَ عَلَيْهَا بِمَظْلُومِيَّتِهَا؛ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ . 

فَاسْتَمَدَّتِ الْعَوْنَ مِنَ اللَّهِ وَتَوَكَّلَتْ عَلَيْهِ، فَتَمَكَّنَتْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَحِكْمَةِ قِيَادَتِهَا الرَّبَّانِيَّةِ مِنْ قَلْبِ مَوَازِينِ الْمُوَاجَهَةِ لِصَالِحِهَا، وَتَوْجِيهِ أَقْسَى الضَّرَبَاتِ الْمُسَدَّدَةِ وَالْمُوجِعَةِ وَالْمُؤْلِمَةِ لِلْكِيَانِ الْغَاصِبِ. 

وَكَذَلِكَ وَعْدُ اللَّهِ لِأَوْلِيَائِهِ الْغَالِبِينَ بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ؛ لِقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ فِي مُحْكَمِ آيَاتِ كِتَابِهِ: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ .  فَقَدْ آنَ الْأَوَانُ لِتَحَقُّقِ وَعْدِ اللَّهِ بِالنَّصْرِ وَالْفَتْحِ الْمَوْعُودِ وَاسْتِئْصَالِ الْغُدَّةِ السَّرْطَانِيَّةِ الَّتِي ابْتُلِيَتْ بِهَا الْأُمَّةُ، وَتَطْهِيرِ الْأَرْضِ وَالْمَقْدِسَاتِ مِنْ دَنَسِ الْيَهُودِ الْمُحْتَلِّينَ الْغَاصِبِينَ، وَالِانْتِقَامِ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ فِي غَزَّةَ وَالضِّفَّةِ وَكُلِّ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ظُلْمِهِمْ وَجَوْرِهِمْ وَفَسَادِهِمْ.  إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ.