وسط أزيز الصواريخ ولهيب المواجهة المشتعلة بين إيران الاسلام والكيان الصهيوني، تتكشّف حقائق حاول الغرب طمسها لعقود. الحرب الحالية لم تكن مفاجئة، بل هي انفجارٌ طبيعي لتراكم الظلم والاحتلال والعدوان الذي مارسه هذا الكيان الهجين منذ لحظة زراعته في قلب الأمة.
الكيان الإسرائيلي لم يكن يومًا نتاج قوة ذاتية أو مشروع حضاري بل هو صنيعة استعمارية زرعها الغرب في خاصرة هذه الأمة لضمان تفكيكها وإشغالها واستنزافها. ومن دون الحبل السري الأمريكي والغربي لكان هذا الكيان في طيّات النسيان مدفوناً تحت أنقاض الرفض الشعبي والتاريخي الذي لا يقبل اللقيط مهما تقنّع بالشرعية.
اليوم تتصدر إيران المشهد لا بخطاب شعاراتي بل بواقع ناري يعيد التوازن إلى معادلة طال اختلالها. فمن أراد تغيير خارطة المنطقة بالتخويف يتلقى الرد بالصواريخ. ومن ظن أن هذه الأمة قد استكانت يكتشف أن النار كانت تحت الرماد وأن الشرق الذي حسبوه أرضاً ساكنة إنما هو بركان من العزة ينتظر لحظة الانفجار.
تصريحات ترامب ومن خلفه نتنياهو ليست سوى صدى متأخر لحقبة انتهت. فالمعادلة تغيّرت والميدان بات يقول كلمته. أما الكيان الصهيوني فبانت عورته أكثر من أي وقت مضى: كيان قائم على الدعم الأجنبي مهزوز أمام أي مواجهة حقيقية وعاجز عن الصمود لولا قبضة واشنطن التي لا تزال تمسك به من عنقه.
هذه الحرب لا تعيد فقط تشكيل المشهد العسكري بل تفضح المشروع برمّته. فلا الغرب قادر على إنقاذ صنيعته إلى الأبد ولا شعوب هذه المنطقة مستعدة لمزيد من الانبطاح. الأرض تعرف أهلها، والتاريخ لا يرحم الطارئين. ومن أراد أن يفهم الشرق فليتخل أولا عن غروره… ثم ليصغي إلى هدير الجبهات.
في النتيجة، لا يستطيع الغرب أن يُنقذ مشروعًا وُلد بالخطيئة ويعيش على الإنعاش. ولا تستطيع أمريكا أن تحمي كياناً يلفظه التاريخ وترفضه الجغرافيا وتنبذه الفطرة. ومن يعتقد أن بإمكانه تشكيل الشرق وفق هواه عليه أولاً أن يفهم أن هذه الأرض لا تنكسر وأن شعوبها حين تنهض تُسقط ما هو أعتى من الجيوش.
إنها لحظة الحقيقة... والشرق كما عرفناه دومًا لا يُدار من الخارج ولا يُطوّع بالإملاء ولا يُسكت بالصمت. إنه يصنع المعجزات حين يثور ويحفر مصيره بيديه حتى ولو كره المتغطرسون.
ومن قلب هذه المعادلة الجديدة، يبرز الموقف اليمني كصوت لا يساوم وركن صلب من أركان معركة الوعي والتحرر. فاليمن الذي يخوض معاركه في وجه العدوان منذ سنوات، لم يتخلّف يومًا عن ساحة المواجهة الكبرى. بل كان سبّاقًا في الانخراط في معركة الفتح الموعود التي يرى فيها امتدادًا لجهاده المقدس في وجه الهيمنة الأمريكية والصهيونية، وواجبًا دينيًا وأخلاقيًا لا يقبل التأجيل.
اليمن اليوم لا يقف متفرجاً على العدوان على إيران من قبل الكيان المؤقت، بل يُسهم فيها بفعالية استراتيجية وإعلامية وروحية. من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط رسائل اليمن تُقرأ جيداً في تل أبيب حيث الطائرات المسيّرة وصواريخ الفرط صوتي والمواقف النارية من صنعاء ترعب العدو، وتبعث برسالة واضحة: أن المعركة ليست معركة حدود بل معركة مصير وقضية أمة.
اليمن بشعبه الحر وقيادته المؤمنة وبطولاته التي سطّرها بدماء الشهداء دخل المعركة من موقع الشراكة الصادقة في الجهاد ضد الطغيان العالمي. إنه يدرك أن الكيان الإسرائيلي لن يسقط إلا حين تنهض الأمة كلها وأن الانتصار الحقيقي يبدأ من وضوح البوصلة ومن رفع شعار الحق في وجه الاستكبار تمامًا كما فعل منذ انطلاق صرخته الأولى.
ولذلك فصوت اليمن اليوم في هذه المعركة ليس صوتًا عابراً بل نداءٌ قرآني يتردد صداه في كل الميادين: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل... وهو نداء لم يبق شعاراً بل تحوّل إلى موقف وموقف إلى فعل وفعل إلى جبهة لا تعرف التراجع.