اكتمل أسبوع على جريمة العدوان ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي بدأ أول فعل من أفعالها فجر الجمعة الماضي، فما حدث ذلك اليوم ولا يزال مُستمرًّا حتى اليوم (جريمة) موصوفة في القانون الدولي بهذه الصفة، وليست حربًا يمكن إرجاع أسبابها إلى نزاع حدودي مزمن أَو غير ذلك من الأسباب، التي تثير النزاعات المسلحة بين الدول، ومن المهم جِـدًّا الاحتفاظ بوصف ما حدث بأنه (عدوان)؛ باعتبَار أن العدوان موصوف في القانون الدولي بأنه (جريمة)، ومن المهم ألا يطغى وصف (الحرب) على وصف (الجريمة) في التعاطي الإعلامي والسياسي والقانوني؛ فالملاحظ أن وسائل الإعلام قد تجاوزت مُجَـرّد وصف ما حدث فجر الجمعة، ولا يزال مُستمرًّا بأنه جريمة اقترفها النظام الصهيوني الصادر بحق رئيسه مذكرة اعتقال دولية لاقترافه جريمة إبادة جماعية، بل إن وسائل الإعلام تتناول في تغطياتها دخول أطراف جديدة في ما تصفه بالحرب على إيران، هذه الأطراف وعلى رأسها الإدارة الأمريكية متورطة أصلًا في التخطيط للجريمة ومشاركة في تنفيذها بصور متعددة، كما أن تنفيذ هذه الجريمة تم بأسلحة وتجهيزات أمريكية.

وقد سبق الجريمة تهديد متكرّر من جانب رئيس الإدارة الأمريكية ترامب باستخدام القوة العسكرية المسلحة، وتوعد بتساقط القنابل على المدن الإيرانية، وما هدّد به ترامب نفذه نتن ياهو، وفقًا لاتّفاق تقاسم الأدوار بينهما، ويجب أَلَّا ننسى تهديد ترامب بفتح أبواب الجحيم على غزة في حال لم تفرج حماس عن الرهائن دفعة واحدة خلال فترة محدّد، وذلك التهديد نفذه نتن ياهو بأسلحة وتجهيزات أمريكية أَيْـضًا، ومع أن التهديد باستخدام القوة في العلاقات الدولية يعد جريمة، لكن مجرم الإدارة الأمريكية لم يقم اعتبار للقوانين الدولية ومضى مكرّرًا تهديده ووعيده باستخدام المزيد من القوة العسكرية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، منتهكًا بشكل واضح ووقح وسافر الفقرة (4) من المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة التي نصت على أن (يمتنع أعضاء الهيئة جميعًا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أَو استخدامها ضد سلامة الأراضي أَو الاستقلال السياسي لأية دولة أَو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة).

ويشمل تجريم الميثاق للتهديد باستعمال القوة في العلاقات الدولية أَو استخدامها ضد سلامة دولة أُخرى واستقلالها السياسي، جميع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، سواء أكانت متمتعة بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي أَو العضوية العادية في المنظمة الدولية، وسواء أكانت دولة كبيرة أَو صغيرة غنية أَو فقيرة؛ فجميع الدول معنية بتجنب التهديد بحد ذاته باستعمال القوة ضد غيرها من الدول، أَو استخدامها فعليًّا بما يهدّد سلامة أراضي الدولة الأُخرى واستقلالها السياسي.

 ويرجع السبب في تجريم ميثاق الأمم المتحدة للتهديد باستعمال القوة أَو استخدامها فعليًّا إلى أن المقاصد الأَسَاسية التي قامت عليها منظمة الأمم المتحدة تتمثل وفقًا للمادة (1) من ميثاق الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدولي وإنماء العلاقات الودية بين الأمم، وتحقيق التعاون الدولي، وأن تكون المنظمة مرجعًا لتنسيق أعمال الأمم المتحدة، ولأن التهديد باستعمال القوة في العلاقات الدولية أَو استخدامها فعلًا من شأنه أن يخل بالسلم والأمن الدولي، وَإذَا ما كان هناك من أسباب تعتقد أية دولة من الدول أن من شأن هذه الأسباب أن تهدّد السلم والأمن الدولي، فالواجب على هذه الدول إبلاغ الجمعية العامة للأمم المتحدة لتتخذ المنظمة الدولية بصورة مشتركة الإجراءات اللازمة إن اقتضى الأمر ذلك، أَو أن تتخذ هذه الإجراءات عن طريق مجلس الأمن الدولي بوصفه نائبًا عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وفقًا للمادة (24) من الميثاق.

وليس من حق أية دولة أن تقرّر بأن سلوك معين صادر من جانب دولة أُخرى من شأنه أن يهدّد السلم والأمن الدولي، وتبعًا لذلك تهدّد باستعمال القوة أَو تستخدمها فعلًا ضد سلامة أراضي دولة أُخرى وضد استقلالها السياسي؛ باعتبَار أن كُـلّ ما تملكه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، هو إبلاغ الجمعية العامة للأمم المتحدة أَو مجلس الأمن بما ترى أنه يهدّد السلم والأمن الدولي، والمجلس هو من يقرّر في شأن ذلك ما يجب اتِّخاذه من إجراءات وبصورة جماعية بعد فحص وتدقيق وفقًا للمادة (34) من الميثاق التي نصت على أن (لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أَو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أَو قد يثير نزاعًا لكي يقرّر ما إذَا كان استمرار هذا النزاع أَو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي).

 أما التهديد باستعمال القوة أَو استخدامها فعلًا من جانب دولة أَو عدد من الدول بغض النظر عن صفة عضويتها في الجمعية العامة أَو مجلس الأمن ضد دولة أُخرى بذريعة الإخلال بالسلم والأمن الدولي؛ فَــإنَّ ذلك يعد (جريمة عدوان)؛ فليس لأي دولة عضو في الأمم المتحدة حق التصرف من تلقاء نفسها وبناء على تقييمها لما ترى أنه يعد إخلالًا بالسلم والأمن الدولي، وليس لها سوى تنبيه مجلس الأمن بما ترى من الأسباب أنه يعد إخلالًا بالسلم والأمن الدولي، حَيثُ نصت الفقرة (1) من المادة (35) من الميثاق على أن (لكل عضو من "الأمم المتحدة" أن ينبه مجلس الأمن أَو الجمعية العامة إلى أي نزاع أَو موقف من النوع المشار إليه في المادة الرابعة والثلاثين).

 ورغم وضوح هذه النصوص فقد ذهبت الإدارة الأمريكية وكيانها الوظيفي الصهيوني وبشكل منفرد، وبعيدًا عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس أمنها إلى تقييم مدى خطورة البرنامج النووي السلمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكرّرت تهديداتها باستعمال القوة المسلحة وعلى مرأى ومسمع من الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي، وعقب تلك التهديدات استخدمت فعلًا القوة العسكرية ضد سلامة أراضي الجمهورية الإسلامية وبصورة غادرة أثناء جولات تفاوضية، وهو ما يؤكّـد أن سلوك الإدارة الأمريكية وكيانها الوظيفي الصهيوني يعد جريمة (عدوان).

والأصل أن يستمر هذا الوصف لصيقًا بذلك السلوك؛ ليتسنى للجمهورية الإسلامية استخدام كافة الوسائل المتاحة مهما بلغ حجمها وتأثيرها للدفاع عن سلامة أراضيها واستقلالها السياسي في مواجهة جريمة العدوان السافر من جانب الإدارة الأمريكية وكيانها الوظيفي الصهيوني، وألا تتقيد في ردها على جريمة العدوان بما تفرضه الاتّفاقيات الدولية من التزامات على الدول الأطراف في النزاعات الدولية المسلحة؛ ذلك أن جريمة العدوان تمنح الدولة المعتدى عليها أفضلية في الرد لقمع العدوان، وهو ما أكّـدت عليه المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة بنصها على أن (ليس في هذا الميثاق ما يضعف أَو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أَو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذَا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة" وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالًا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورًا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس - بمقتضى سلطته ومسؤولياته المُستمرّة من أحكام هذا الميثاق - من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتِّخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أَو إعادته إلى نصابه).

والواضح من هذا النص أن (جريمة العدوان) لا تمس الدولة المعتدى عليها فحسب، بل تمس مجتمع الأمم المتحدة بشكل عام، ولذلك لم يكتف النص بتقرير الحق الطبيعي للدولة المعتدى عليها في الدفاع عن نفسها، بل قرّر أَيْـضًا حق مجتمع الأمم المتحدة في مواجهة (جريمة العدوان) بشكل جماعي فأوجب على مجلس الأمن الدولي اتِّخاذ ما يلزم من التدابير لحفظ السلم والأمن الدولي في مواجهة الدولة أَو الدول المعتدية، التي أخلت بسلوكها العدواني بالسلم والأمن الدولي.

ويخول ميثاق الأمم المتحدة مجلس الأمن الدولي إجراءات متعددة منها ما ورد في المادة (41) منه التي نصت على أن (لمجلس الأمن أن يقرّر ما يجب اتِّخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأمم المتحدة" تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفًا جزئيًّا أَو كليًّا وقطع العلاقات الدبلوماسية).

وإذا كان ميثاق الأمم المتحدة قد خول في هذا النص مجلس الأمن الدولي اتِّخاذ إجراءات محدّدة في مواجهة الدولة أَو الدول المعتدية تتمثل في العقوبات الاقتصادية والمقاطعة السياسية، وألزم جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتطبيقها؛ فَــإنَّه وفي حال عدم كفاية هذه العقوبات لحفظ السلم والأمن الدولي وردع الدولة أَو الدول المعتدية، خول الميثاق أَيْـضًا مجلس الأمن الدولي اتِّخاذ تدابير أُخرى حدّدتها الماد (42) منه التي نصت على أن (إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أَو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أَو لإعادته إلى نصابه، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأُخرى بطريق القوات الجوية أَو البحرية أَو البرية التابعة لأعضاء "الأمم المتحدة").

وكما هو واضح أن هذا النص تضمن إجراءات الحصار البحري والجوي والبري في مواجهة الدولة أَو الدول المقترفة لجريمة العدوان وغير ذلك من العمليات العسكرية، التي من شأنها قمع العدوان وإعادة السلم والأمن الدولي إلى نصابه.

وإذا كان مجلس الأمن الدولي معطلًا في الوقت الراهن؛ بسَببِ أن الإدارة الأمريكية بوصفها عضوًا دائمًا في هذا المجلس هي من هدّد باستعمال القوة المسلحة، وهي من خطط لجريمة العدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإن كان الكيان الصهيوني هو من باشر تنفيذ الجريمة، إلَّا أن تنفيذها قد تم بأسلحة وتجهيزات أمريكية، وبدعم وإسناد لوجستي واستخباراتي أمريكي؛ فَــإنَّه مع كُـلّ ذلك لا يسقط الواجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة منفردة أَو جماعات في مواجهة جريمة العدوان؛ باعتبَار أن هذه الجريمة لا تمس الدولة المعتدَى عليها فحسب، تمس مجتمع الأمم المتحدة باسره لإخلالها بحالة سلمه وأمنه، وتعد مواقف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في مواجهة الدولة أَو الدول المعتدية تجسيدًا لما تتمتع به من قيم إنسانية وأخلاقية رافضة للظلم والعدوان.

كما أن استمرار وصف السلوك الصهيوأمريكي في فجر يوم الجمعة الماضي، والمُستمرّ والمتصاعد حتى اليوم، بأنه (جريمة عدوان) يعزز موقف الجمهورية الإسلامية في الدفاع عن سلامة أراضيها واستقلالها السياسي، ويوفر الأرضية القانونية والقيمية والأخلاقية للدول الأُخرى للإسهام في مواجهة (جريمة العدوان) ليس إسنادًا للجمهورية الإسلامية الإيرانية فحسب، بل دفاعًا عن السلم والأمن الدولي وتجسيدًا للقيم الأخلاقية والإنسانية، التي ترفض السلوك الإجرامي وتوجب على الضمير الدولي الحي الوقوف صفًا واحدًا في مواجهة المجرمين؛ باعتبَار أن (جريمة العدوان) واحدة من أخطر الجرائم التي تمس المجتمع الدولي بأسره، وقد وردت هذه الجريمة بصفتها هذه في الفقرة (1) من المادة (5) من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية التي نصت على أن (يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره، وللمحكمة بموجب هذا النظام الأَسَاسي اختصاص النظر في: (أ) جريمة الإبادة الجماعية (ب) الجرائم ضد الإنسانية (ج) جرائم الحرب (د) جريمة العدوان.