الصمت المطبق الذي خيَّم ولا يزال مخيِّمًا على شعوب الأُمَّــة الإسلامية، منذ أكثر من عشرين شهرًا على بدء أول فعل من أفعال جريمة الإبادة الجماعية، بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، يعد هذا الصمت من أغرب الغرائب وفي هذا الزمن بالتحديد، الذي تقترف فيه الجريمة بشكل مباشر وتنقل بشكل مباشر وتشاهد بشكل مباشر، ليس في ميادين عامة يحضرها من تيسر له الحضور، ويغيب عن مشاهدتها من حالت مشاغلُه أَو حالتُه الصحية دون ذلك؛ فالجميع دون استثناء -صغارًا وكبارًا، نساءً ورجالًا- يشاهدون الجريمة من خلال الشاشات المتوفرة في كُـلّ بيت، يشاهدون المجرم ويشاهدون الضحية، المجرم الموصوف في كتاب الله القرآن الكريم بأنه الأشد عداوة للأُمَّـة في مجموعها، والضحية الموصوف في كتاب الله سبحانه وتعالى بالأخ، ليس برابطة النسب، بل برابطة الدين الذي عده الله سبحانه وتعالى نعمة على هذه الأُمَّــة حين قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جميعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذ كُنتُمْ أعداء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأصبحتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.
ومع كُـلّ هذا الوضوح في التحذير والتذكير والبيان، يبدو أن هوليود سبق لها أن هيَّأت شعوب الأُمَّــة على مشاهد الدمار والدم في أفلام الرعب الخيالية الصهيوأمركية الخالية من القيم الإنسانية؛ فلم تتأثر هذه الشعوب بالحقيقة الصارخة الصادمة على أرض غزة، وهو ما يفسر جانبًا من صمت غالبية شعوب الأُمَّــة الإسلامية، التي أصبحت مشدودة للخيال الصهيوغربي بعيدة عن الحقيقة، مشدودة للثقافة الغربية بعيدة ثقافتها الدينية! والأسوأ من حال هذه الشعوب حال نخبها وفقهائها، الذين يقع على عاتقهم من حَيثُ الأصل واجب البيان لما التبس وأشكل على العامة من أمور دينها ودنياها؛ لتنطلق من أرضية صُلبة قوية لأداء واجباتها، وحفظ كرامتها وعرى وحدتها، ودفع عدوان أعدائها عنها.
ولا يعد مستغربًا فسادُ حال الشعوب مع فساد حال فقهائها، وما يعد مستغربًا فعلًا هو فساد حال الشعوب مع صلاح حال فقهائها، وَإذَا ما أخذنا نموذجًا لفساد حال هؤلاء، سيتضح بجلاء أنهم هم سببُ فساد حال شعوب الأُمَّــة، فذلك (السديس) الذي قرن ترامب بحاكمِه قبل ثماني سنوات تقريبًا واعتبره قُطْبَ سلام للبشرية، هو أَيْـضًا من أجاز الترفيه حَــدّ الفسوق، وهو أَيْـضًا واحد ممن أحل سفك دماء اليمنيين، وتدمير مقومات حياتهم، وهو وغيره من أوجب جهاد الروافض في العراق وسوريا وفقًا للتوصيف الذي ضلّلوا به الشعوب لعقود من الزمن!
وليس مبالغة القول إنهم ضللوا الشعوب، فقد ترتب على دعواتهم لجهاد من أسموهم الروافضَ تجييش مئات الآلاف من الشباب إلى سوريا والعراق واليمن، وسبق لهم تجييش أكثر من ذلك للجهاد في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، وهم من أسهم اليوم بشكل فاعل في صرف الشعوب ليس عن واجب جهاد اليهود والنصارى بالنفس والمال، بل عن مُجَـرّد استنكار جرائمهم بحق إخوانهم من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والاحتجاج السلمي، ولو من الناحية الإنسانية تعبيرًا عن استنكار تلك الجرائم كما هو حال الشعوب الغربية على أقل تقدير!
وكُلّ ذلك يندرج ضمن مفهوم تدجين الشعوب -من جانب أُولئك الموصوفين بالعلماء- لحكامها التابعين والمرتهنين للقوى الغربية الذي رهنوا شعوبهم ومصيرها لهذه القوى، ومن ثم فليس واردًا كما قرّر السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- أن مثل هؤلاء من يتصدى لقوى الاستعمار والاستكبار ويشكل خطرًا عليها، حين شخص حالهم بقوله: (لا بدَّ أن يكون واعيًّا مدركًا لحال الأُمَّــة، وما يحيط بها من مخاطر وضعف وهوان، مستشعرًا لمسؤوليته أمام الله سبحانه وتعالى في النهوض بالأمة، ومن ثم فَــإنَّ من يحمل مسؤولية النهوض بالأمة هو من يمثل خطورة على قوى الهيمنة والغزو والاستعمار، وعلى مشاريعهم الاستعمارية الحديثة، فالخطورة عليهم من عالم الدين "ليس في لحيته، ليس في تركُعه، بل في رؤيته في النهوض بهذه الأُمَّــة، كيف يمكن أن تتوقع ممن لا يرى الإسلام إلا لحية وثوبًا قصيرًا ومسواكًا، أن يجعل الأُمَّــة بمستوى المواجهة ضد اليهود وضد الغرب! ممن يرى أن الله قد أنعم علينا أن جعل الغربيين والكفار يصنعون لنا ونحن نعبده ونسير في عبادته، وهم يصنعون لنا كُـلَّ شيء هل هذا يمكن أن يواجه الغرب)؟
ومع إدراكِه المخاطرَ المحدقة بالأمة فَــإنَّ السيدَ القائدَ الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- استشعر مسؤوليتَه الدينية منذ وقت مبكِّر كافٍ لإيقاظ شعوب الأُمَّــة من غفلتها، وأكّـد أن استشعار هذه المسؤولية واجب كُـلّ مسلم في مواجهة قوى الاستكبار والطغيان، ورد ظلمها وعدوانها لأبناء الأُمَّــة في أية نقطة من جغرافيتها الممتدة على نطاق واسع؛ باعتبَار الأُمَّــة الإسلامية كُلًّا لا يتجزَّأُ، وتحدث حول هذه المسؤولية قائلًا: (ثم هل يمكن أن نقول إن الإسلامَ نفسَه قد جاء ليوزع المسؤوليات بين أبناء هذه الساحة؟ فله خطاب خاص معنا، وخطاب خاص مع أُولئك، فوزع الرقعة الإسلامية إلى قطاعات ومناطق، ليس من في هذه المنطقة مسؤول عما يحدث في المنطقة الأُخرى! أَيْـضًا لا أعتقد أنه في القرآن الكريم هناك توزيع للعالم الإسلامي، أَو للأرض إلى قطاعات، وكُلّ قطاع مسؤوليته تختص بجهة معينة، أَو بمن في داخله ليس أبناء هذه المنطقة مسؤولين عما يواجه به الإسلام في منطقة أُخرى).
ولم يقف السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- في بيانه عند هذا الحد، بل إنه حذر بأن تنصل شعوب الأُمَّــة عن واجب إدراك المسؤولية تجاه ما يتعرض له أبنائها في أي نطاق من جغرافيتها يمثل حسب قوله: (خزي للمسلمين، وتقصير عظيم أمام الله سبحانه وتعالى، ونبذ لكتابه، نبذ للقرآن خلف ظهورنا).
وكم هو الفرق واضح اليوم بين الأثر السلبي على الشعوب؛ بسبب ثقافة أُولئك الموصوفين بعلماء الأُمَّــة، وبين أثر ثقافة السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، هذا الأثر الإيجابي الذي جسّده حَمَلَةُ مشروعه القرآني بقيادة السيد العَلَمِ/ عبد الملك بدر الدين الحوثي، في مقارعة الظلم والاستكبار والصبر والصمود في مواجهة الطغاة والمجرمين، حين حركت هذه الثقافة غالبية الشعب اليمني، وأثّرت إيجابًا في عدد من شعوب الأُمَّــة، خُصُوصًا في ما يتعلق بالموقف المشرف من إسناد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإعلان الوقوف بكل حزم في مواجهة الحملة العدوانية الإجرامية الصهيوغربية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ومن المفارقات العجيبة والغريبة أن تصبح شعوب الأُمَّــة الإسلامية مُجَـرّد مقلدة للشعوب الغربية في ما يتعلق بخروج مجموعات من أصحاب الضمير الإنساني الحي من الناشطين الغربيين الغاضبين من أفعال الإبادة الجماعية، التي يقترفها الصهاينة المجرمون بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفي المقابل تُنقل للجماهير مشاهد تحَرّك مجموعة من الشباب والشابات من بلاد المغرب العربي باتّجاه حدود قطاع غزة، ويتم الترويج والابتهاج بشكل كبير وواسع لهذا التحَرّك، وكأنه أداء للواجب الملقى على عاتق شعوب الأُمَّــة تجاه مظلومية إخوانهم من أبناء الشعب الفلسطيني، وانتهى الأمر بذلك وسقط الواجب على السواد الأعظم من شعوب الأُمَّــة الإسلامية!
وكأن خطاب الله سبحانه وتعالى المتضمن تحديد الواجبات على المسلمين، ليس شخصيًّا موجهًا إلى عقل وروح كُـلّ مسلم، سيحاسبه الله تعالى على إخلاله بواجباته، ولن يقبل الله عذرًا من أحد من أبناء الأُمَّــة باتباع فتوى العالم الفلاني أَو إضلال الحاكم الفلاني (فلا عُذْرَ للجميع أمام الله) وهذا ما أدركه واستخلصه فعلًا وطبقه واقعًا السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- مستشعرًا لمسؤوليته المترتبة على التفريط في واجباته، ولم يكتف بذلك، بل طالب الجميع باستشعار مسؤوليتهم تحديدًا تجاه ما يتعرض له إخوانهم من أبناء الأُمَّــة من ظلم وعدوان من جانب قوى الطغيان والاستكبار.
وليس أمام شعوب الأُمَّــة الإسلامية اليوم من خيار يرفع عنها مسؤولية التفريط في الواجبات، سوى الجهر أولًا وبشكل جماعي بثقافة العداء للصهاينة المجرمين ولشركائهم من القوى الإجرامية الاستعمارية الغربية، وثانيًا مقاطعة جميع منتجاتهم وثالثًا: الإعلان عن تشكيل تحالف شعبي إسلامي في مواجهة الوجود الصهيوغربي في البلاد الإسلامية بشكل عام؛ ليشعروا بأنه لا أمان لهم في هذه البلاد، وأن أهلها لهم بالمرصاد، وليس هذا الأمر مستحيلًا، بل يمكن الاستفادة بشكل كبير من تطور وسائل التواصل والاتصال في الترويج لهذا التحالف؛ فطريق البداية هو كسر حاجز الخوف، وسيتبع ذلك خطوات وخطوات، سيعمل لها المستعمر الغاصب ألف حساب، وسينتهي الأمر بمغادرته مكرها بلاد المسلمين.
وبذلك ستزول وبشكل تلقائي الغدة السرطانية من جسد الأُمَّــة الإسلامية المسماة (إسرائيل)، ما لم فَــإنَّ الصمت والتنصل عن نصرة مظلومية أبناء الأُمَّــة في قطاع غزة يعد جريمة وشراكة للكيان الصهيوني في الجريمة؛ فالتنصُّلُ عن الواجبات والصمت خزيٌ وعار، ونبذٌ لكتاب الله خلف الظهور، كما وصف ذلك السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه.