من يافا المحتلة إلى أم الرشراش المحتلة، ومن بئر السبع إلى قلب القدس المحتلة، لم يعد الكيان الإسرائيلي كما كان يتوهّم، ولم يعد حصانته الأمنية تلك التي لطالما يتفاخر بها ويتحرك ععنجهيته وعدوانه على شعوب المنطقة، لقد دخل كيان الاحتلال اليوم مرحلة جديدة تمامًا، مرحلة باتت فيها صافرات الإنذار هي العنوان، والملاجئ هي الملاذ، والخوف هو سيد الموقف.
إن الهجوم الإيراني على العدو الإسرائيلي كان إعلان صريح بتحوّل استراتيجي في قواعد الاشتباك، فبعد أن عمد العدو الإسرائيلي إلى قصف القنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت قادة كبارًا في الحرس الثوري في عمل عدواني غير مسبوق، جاء الرد الإيراني بموجة من الصواريخ والمسيّرات التي اجتازت حدود "الردع" وبلغت عمق الكيان الصهيوني، متجاوزة الخطوط الحمراء التي حاولت تل أبيب ترسيمها لعقود.
ما حدث في عملية الوعد الصادق 3 هو عملية كسر كبرى لوهم الحصانة "الإسرائيلية"، لأول مرة، أصبح الكيان "الإسرائيلي" أمام تهديد شامل يطالها من الجو، ويصيب بنيتها التحتية، ويهزّ صورتها أمام جمهورها والعالم، لقد ارتدّ الإرهاب "الإسرائيلي" على رأسه، وفقد الكيان "الذي لا يقهر" الكثير من هالتها وسط ذهول الرأي العام العالمي.
المشهد داخل الكيان بات كابوسيًا، صواريخ تضرب مواقع حساسة واستراتيجية، صواريخ بالستية وطائرات مسيّرة تنجح في اختراق الأجواء رغم رادارات أنظمة الدفاع، مباني محطّمة في تل أبيب، وشوارع خالية إلا من سيارات الإسعاف وأصوات الهلع، هذا الواقع ليس بعيدًا عما عاشه الفلسطينيون في غزة، بل هو انعكاس مباشر لـ"صورة في مرآة" الاحتلال ذاته.
المواطن "الإسرائيلي" العادي الذي طالما تجاهل ما يحدث في غزة أو الضاحية الجنوبية لبيروت، بات يعيش تفاصيل الرعب اليومية: يهرع إلى الملاجئ، يفتقد الكهرباء، ويخشى على حياته وحياة أبنائه. الاحتلال زرع الخوف والدمار، فحصد ما زرعه.
إن المجرم نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال، الذي تباهى منذ أسابيع بإطلاق يد الجيش، وجد نفسه فجأة أمام واقع لا يمكن تجميله، خرج متفاخرًا بالعدوان على إيران، لكنه سرعان ما انكفأ وسط عاصفة من الانتقادات والذعر الشعبي، خطابه لم يعد قادرًا على طمأنة الشارع، ولا على تبرير حجم الفشل الذريع في حماية الداخل.
الضربة الإيرانية كشفت عمق الخلل في منظومة "الردع الإسرائيلي" التي لطالما تبجّحت بها تل أبيب، فالهجمات، وإن كانت متوقعة من حيث التوقيت، إلا أن حجمها وتعدد محاورها من اليمن، الى غزة إلى إيران ذاتها، جعلت المؤسسة العسكرية للعدو في حالة ارتباك لم تشهدها منذ 70عام.
وربما تكون أخطر نتائج الرد الإيراني هي دخول إسرائيل – ولأول مرة – مرحلة اللايقين الأمني، فالأمن الذي كان يُباع كمفهوم مقدس في الوعي الصهيوني، صار محل شكّ وتساؤل، خصوصًا بعد فشل منظومات الدفاع الجوية في التصدي الكامل للمسيّرات والصواريخ.
الإسرائيليون الآن يسألون:
هل حقًا يمكننا العيش بأمان؟
ما فائدة مئات المليارات التي صُرفت على الأمن والدفاع؟
أين حلفاؤنا الغربيون الذين وعدونا بالحصانة الكاملة؟
هذه الأسئلة تُعبّر عن هزة نفسية جماعية ستظل تؤرق الكيان في المرحلة المقبلة، خاصة إذا أستمر الضربات بهذه الوتيره، أو إذا تطورت الحرب إلى مواجهة متعددة الجبهات.
إسرائيل اليوم تبدو وكأنها تُطلق النار على قدمها، وهي تظن أنها تضرب قلب العدو، فالضربة التي أملتها حسابات استخباراتية ضيقة قد تنقلب إلى زلزال استراتيجي، يفتح الباب أمام ضربات إيرانية نوعية، وتفكك في الجبهة الداخلية، وتآكل في ثقة الشارع الإسرائيلي بمؤسساته الأمنية والعسكرية،
إنها مغامرة على الأمن الوجودي للعدو.
وما يحدث اليوم هو ثمرة مُرّة لحصاد طويل من الإرهاب والغطرسة والبلطجة، الكيان الذي اعتاد العدوان دون حساب، والقتل دون عواقب، بات الآن في مرمى النيران، وفي مواجهة حتمية لا مفر منها سوى الى النهاية.