في هذا الزمن المليء بالصخب والخِذلان قد تستيقظ صباحا لتشاهد من نافذتك سماء ملبَّدة بالكذب، وواقعًا يصفِّقُ للجلاد، ويبصقُ على الضحية.

تفتح هاتفك فتنهال عليك صور الشهداء من غزة، ودماء الأطفال في الخيام، وتسمع عن حصار، وخذلان، وخيانة عربية توقّع بمداد النفط والعار.

تنظر من حولك، فتجد أن الحق يحاصَر، والمظلوم ينسى، والطغاة يصفق لهم في المحافل، ويحتفى بهم في الشاشات.

في هذا الوقت… يشعر المؤمن أن قلبه يتمزق، وأن البصيرة ليست نعمةً فقط… بل جُرحٌ مفتوح يمشي به نحو الله.

أتعرف من أنت؟

أنت حين تقف اليوم مع غزة،

وحين لا تنخدع بسلامٍ مزيّف،

وحين ترى في اليمن المحاصر سيفًا مشرعًا في وجه الظلم، رغم الجراح…

فأنت لست مُجَـرّد شخص عادي.

بل أنت ذاك الذي لم تبتلعه موجة التطبيع،

ولم يسقط في مستنقع اليأس،

ولم تُخرسه موائد الذل والتواطؤ.

أنت ذلك اليمني الحر الشريف، أَو العربي النبيل، أَو المسلم الصادق،

الذي لا يزال قلبه حيًّا في زمن الموت الجماعي.

في زمن الطغيان... يصبح الثبات أعظم الجهاد

حين يتحول الإعلام إلى بوق للجلاد،

ويُشيطن المقاوم،

وتُجفف دموع الأُمهات بفواصل إعلانية عن الرفاهية…

حين يقاتل المقاوم في فلسطين، ويصطف من خلفه المجاهد في اليمن،

بينما يتآمر عليهم من يجلس على عرش العرب…

حينها يصبح الوقوف مع الحق ليس رأيًا... بل امتحانًا للإيمان...

لا يرى نورك في القنوات... لكن السماء تراه

ربما لا تظهر شاشاتهم صمودك،

ولا يروّجون لبصيرتك،

بل ربما يرمونك بتهم الجهل والتطرف والتشيع؛ لأَنَّك ما زلت مع الله ورسوله وأعلام الهدى.

لكنك حين تشارك خبزك مع فلسطين،

وحين تدعو لغزة أكثر مما تدعو لنفسك،

وحين تؤمن أن في صنعاء، كما في بيروت وطهران، نبضًا واحدًا للكرامة…

فأنت من القِلّة الذين يُراهم الله حين يغيب عن الأرض ميزان العدل.

كن كما أرادك الله... لا كما يريدك زعماء العرب المنافق..

يريدونك تابعًا، متفرجًا، صامتًا…

يريدونك أن تطبّع مع الطغاة، وأن تصافح يد السفاح، وأن تعيش دون مبدأ.

لكنك، بقلبك المؤمن، وعقلك الحر، تعلم أن الله لا يُريد ذلك لك.

بل يريدك ثابتًا، ولو كنت وحدك،

صادقًا، ولو كذّبك الناس،

رافعًا لراية الحق، ولو كانت في يد جريح.

حين تتكاثر الظلمات، لا تطفئ نورك.

حين يسكت الجميع، لا تسكت ضميرك.

حين يبيع الناس أوطانهم، لا تفرّط في شبرٍ من كرامتك.

تذكّر...

لست ضعيفًا، ولا خاسرًا، ولا وحيدًا في هذا الطريق...

أنت تسير في درب الله، على نهج رسوله، وتقتفي أثر علي الكرار، وتهتدي بأعلام الهدى الذين لم يُبدّلوا تبديلًا.

تحمل في قلبك سيفًا من نور، لا ينكسر،

وفي وعيك بصيرة لا تخبو،

وفي خطاك ولاءٌ لا يحيد.

أنت من ركب سفينة النجاة، حين غرق الآخرون في بحار التيه،

وأنت من اختار درب الكرامة، حين تهافتت الجموع على موائد الذل.

فمن سار في طريق الله الحق،

طريق محمد، وعلي، وأعلام الهدى من بعدهما،

فهو المنتصر،

وإن نازفه التعب، وإن نزف جراحًا،

وإن خانه الأقربون وخذله العالم بأسره...

فالعاقبة للمتقين، والنصر وعدُ الله لا يُخلف