في مثل هذا اليوم العاشر من محرم تُفتح ذاكرة الأُمَّــة على جرحها الأكبر على الفاجعة التي لم يكن يجب أن تقع في ظل راية الإسلام لكنها وقعت. وقعت لا في غياهب الجاهلية ولا على أيدي عبدة الأصنام بل في قلب الساحة الإسلامية وتحت شعارات دينية وعلى يد من يُحسبون على الإسلام بل من تصدّروا اسمه وتحدثوا بلسانه.

فما الذي حدث لتتحوّل الساحة التي شهدت نزول القرآن ورفرفت فيها راية رسول الله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى مسرح لواحدة من أبشع الجرائم في تاريخ الأُمَّــة؟ لماذا غاب الضمير وتجرد الناس من الوعي حتى استباحوا دم الحسين بن علي "عليه السلام" سبط رسول الله وابن الزهراء وسيد شباب أهل الجنة؟

إننا لم نسمع في تاريخ الجاهلية الأولى عن جريمة مشابهة، إنها فاجعة لا تليق إلا بعصرٍ فقد روحه وفقد بوصلته وضلّ عن صراط الله المستقيم.

لم يكن الحسين عليه السلام خارجًا على الدين ولا مهدّدا لأمن الأُمَّــة بل كان الضمير الحيّ الذي أبى أن يرى الانحراف ويصمت. رفض أن يبايع يزيد بن معاوية لا طمعًا في سلطة ولكن رفضًا للطغيان والفساد والانحدار الأخلاقي باسم الإسلام. كان الحسين يعلم أن الصمت على الباطل يعني المشاركة فيه وأن الوقوف في وجهه وإنْ أَدَّى إلى الشهادة هو بعينه طريق الإصلاح.

كربلاء لم تكن لحظة عابرة في التاريخ ولا فلتة عبثية بل كانت نتاجًا لانحرافات عميقة بدأت منذ اللحظة التي فُقد فيها حضور النبوة في قيادة الأُمَّــة. انحرافات مسّت العقيدة والثقافة والفهم الصحيح للدين وسمحت للباطل أن يرتديَ عباءة الإسلام وأن يُنصّب الجلاد خليفة والسفّاح أمينا على الأُمَّــة.

وها نحن اليوم نعود إلى كربلاء لا لنذرف الدموع فحسب ولكن لنستلهم الدروس. ففي زمنٍ تكاثرت فيه نُسَخ يزيد وتكاثر فيه الظلم تحت رايات الدين، ما أحوجنا إلى الحسين إلى وعيه إلى صموده إلى وقفته التي كانت نداءً خالدًا: "إني لم أخرُجْ أشِرًا ولا بطِرًا، ولا مفسِدًا ولا ظالِمًا، إنما خرجتُ لطلبِ الإصلاح في أُمَّـة جدي".

كربلاء هي مرآة نرى فيها وجوهَنا ونقيسُ فيها مواقفَنا فنفهمُ من أي صف نحن. هي فصلٌ حاسمٌ بين النور والظلام بين الهدى والضلال بين الإنسانية والوحشية. ولهذا قال الحكماء: "كل أرض كربلاء، وكل يوم عاشوراء"؛ لأَنَّ المواجهة بين الحق والباطل لا تزال قائمة ما دامت هناك أنظمة تسحق الشعوب وقيادات تتاجر بالدين وأمم تغض الطرف عن المذابح.

في كربلاء نقرأ التاريخ ونفهم الحاضر ونستشرف المستقبل. فمن لم يتعلم من عاشوراء فَــإنَّه على موعد مع كربلاء أُخرى بحجم غفلته.