لا تزال السياسةُ الدولية محكومةً بموازين المصالح والقوة، حَيثُ تتوارى الشعارات الزائفة خلف الأجندات الحقيقية للقوى الكبرى؛ فلا حديث عن حقوق الإنسان أَو الحرية إلا إذَا توافقت مع أهداف الهيمنة ونهب الثروات وفرض السيطرة، حتى وإن كان الثمن دماء الأبرياء وأشلاء الشعوب المستضعفة.
الأخطرُ أن هذه القوى لم تعد تعمل وحدها، بل وجدت ضالتها في أنظمة عربية وإسلامية تحوّلت إلى أدوات مطيعة، تنفّذ تعليماتها وتعمل كجسر لتمرير مشاريع الاستعمار الحديث. هؤلاء الحكام تخلوا عن قضايا الأُمَّــة وتبنوا خطاب الغرب، لا بل تفنَّنوا في تبرير جرائم الاستكبار تحت عناوين مخادعة مثل "المصالح الوطنية" و"التحالفات الاستراتيجية".
انحطاطٌ مكشوفٌ في سلوك تلك الأنظمة، التي تذرف دموع التماسيح على قضايا تافهة أَو هامشية، بينما ترتكب المجازر اليومية في حق شعوب بأكملها بلا أي اكتراث. فهؤلاء ماهرون في تضخيم حادث فردي وتحويله إلى عاصفة إعلامية، بينما يتجاهلون عن عمد جرائم الإبادة الجماعية التي تُرتكب بسلاحهم أَو بأموالهم.
وقد لخّص هذا الواقع البائس أحد الشعراء ببلاغة حين قال:
قتلُ امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تُغتفر
وقتلُ شعبٍ آمنٍ مسألةٌ فيها نظر!
هذه الازدواجية الفاضحة تكشف أن الأمر ليس مُجَـرّد نفاق أَو انحياز سياسي، بل هو سياسة ممنهجة تهدف إلى قمع الشعوب الحرة وتجريدها من حقها في الحياة والكرامة. فوفق منطق هؤلاء، هناك شعوب يجوز حصارها وقتلها، بينما غيرها يُحصّن بالرعاية والدفاع مهما ارتكب من جرائم.
المفارقة أن الأنظمة المتورطة في هذا المشروع لم تتعلم شيئًا من دروس التاريخ، ولا من ملاحم الأحرار. تناسوا أن هناك مدرسة خالدة أضاءت درب الإنسانية، مدرسة الإمام الحسين عليه السلام، التي لقّنت العالم درسًا خالدًا في أن العزة أغلى من الحياة، والكرامة لا تخضع للصفقات. يومها قال الإمام الحسين كلمته الخالدة: "هيهاتَ منا الذلةُ، يأبى اللهُ لنا ذلك ورسولُه والمؤمنون".
لكن حكام اليوم لم يحملوا إلا الخنوع، وسقطوا في مستنقع الخيانة، لا يكتفون بالخِذلان، بل صاروا أدواتٍ بيد العدوّ الصهيوني والأمريكي، يموّلون الحروبَ ضد شعوبهم، ويشاركون في حصار غزة وتجويع أهلها، ويدعمون العدوان على لبنان، ويمدّون نار الحرب في اليمن، منفقين تريليونات الدولارات على تدمير أوطانهم بأيديهم.
ورغم كُـلّ هذا الخراب، ظل اليمن شامخًا، صامدًا بوجه الأعاصير، لم تفرض عليه الحروب ولا الحصار إلا ليتخلى عن قضايا الأُمَّــة، ولن يفرّط في القدس أَو لبنان أَو المشروع الإسلامي المقاوم. بل كان اليمن في طليعة المواجهة، يتصدى بشجاعة لمشاريع النفاق والخيانة، ويقف بثبات ضد المشروع الأمريكي والإسرائيلي، داعمًا فلسطين وقضاياها في كُـلّ المراحل.
وهذا ما جسّده قائد الثورة اليمنية، السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله-، حين وجّه كلمته الصادقة والثابتة إلى أبناء غزة قائلًا بكل شموخ:
"لستم وحدكم، نحن معكم حتى النصر بعون الله".
إنه قائدٌ تعلّم من جده الإمام الحسين معنى الكرامة والعزة، فحمل لواء الموقف الصادق، وعلّم الأُمَّــة أن نصرة المظلوم واجب، وأن الشرف كُـلّ الشرف في مواجهة الظلم مهما عظمت التضحيات.
اليوم، في هذا المشهد المليء بالزيف والدعاية السوداء، تبقى مسؤولية الأحرار أن يكشفوا الحقائق، ويقاوموا مشاريع التشويه، ويتمسكوا بثوابتهم رغم حملات القمع والتطبيع.
ما نحتاجه الآن هو وعي عميق، وموقف صلب، ورفض قاطع للخضوع.
فلم يعد مقبولًا الصمت، ولا السكوت على جرائمهم، بل حان وقت قول الحق، والتمسك بالكرامة، والثبات في وجه القتلة والخونة.