يدمي قلوب الأحرار ما يتعرض له أبناء الشعب السوري من جرائم وحشية وبلطجة واستباحة صهيونية متكررة، دون أن يُقابل ذلك برد أو حتى موقف من الجماعات التكفيرية المنبطحة، التي تسيطر على العاصمة دمشق وبعض المناطق السورية. تلك الجماعات التي هرولت طلباً للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتعهدت بحماية الكيان الصهيوني من جهة سوريا، وقدّمت قرابين الولاء لليهود عبر استعداء أحرار وشرفاء الأمة، بينما تُدار معاركها الشرسة ضد أبناء بلدها من العلويين والدروز وسائر الطوائف التي تختلف مع توجهاتها الفكرية، قتلاً وتشريداً وإذلالاً.
ما يثير الاشمئزاز ليس فقط صمت وخنوع هذه الجماعات تجاه العدوان الصهيوني، بل أن تقابل ذلك بتغوّل وهمجية ضد مكونات الشعب السوري، بمنهجية إجرامية تكفيرية مستندة إلى موروث فقهي وفكري منحرف، لا يُوجّه سلاحه إلا إلى صدور أبناء شعبه، بينما يُهادن اليهود المجرمين الذين وصفهم الله في كتابه العزيز بأنهم الأشد عداوة: "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود..." .
لقد آن للأمة أن تصحو من غفلتها، وأن تتحرر من ذلك الموروث التكفيري الذي جرّها إلى هذا الحال المأساوي، وشرعن الإذعان لليهود والقتل لأبناء الأمة تحت غطاء الفتوى، والتكفير باسم الدين.
ولكي ندرك جذور هذا الانحراف، يكفي أن نعود إلى المرجع الأول للفكر الوهابي: ابن تيمية. الملقب عندهم بشيخ الإسلام! ففي مجموعة الفتاوى (المجلد 35، الصفحة 161)، أجاب عن سؤال حول حكم "الدرزية" قائلاً:
"هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون، بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم، لا هم بمنزلة أهل الكتاب ولا المشركين، بل هم الكفرة الضالون، فلا يباح أكل طعامهم، وتُسبى نساؤهم، وتؤخذ أموالهم. فإنهم زنادقة مرتدون لا تُقبل توبتهم، بل يُقتلون أينما ثقفوا، ويُلعنون كما وصفوا.
ولا يجوز استخدامهم للحراسة والبوابة والحفاظ. ويجب قتل علمائهم وصلحائهم لئلا يُضلوا غيرهم، ويحرم النوم معهم في بيوتهم، ورفقتهم، والمشي معهم، وتشييع جنائزهم إذا علم موتها." فهل بعد هذا من عنف أو تكفير أو تحريض يمكن أن يُقال؟!.
هذه ليست فتاوى في طيّات التاريخ، بل هي التي غذّت عبر العقود عقلية الذبح والتفجير والتكفير، وألبست الباطل لبوس "الشرع".
لقد آن لأحرار الأمة، من علماء ومثقفين ومجاهدين ومؤمنين، أن يتصدّوا لهذا التيار التكفيري المتصهين الذي لا يرى في الصهاينة عدواً، بل يوجّه عداوته وبغضه وإجرامه للمستضعفين من أبناء شعبه.