أيها الغارقون في نعيم الحياة، المتكئون على وسائد الراحة،

انزعوا الغشاوة عن أعينكم، وأنصِتوا لصوت الأرض الجريحة، من غزة...

غزة لا تصرخ اليوم من شدة القصف فقط، بل من وطأة الجوع، من مرارة العطش، من الموت الذي لا يجيء عبر فوهة بندقية، بل عبر صنبور ماء جف، وكسرة خبز غابت، وأنفاس تختنق تحت ركام الحصار.

غزة اليوم تحتضر، لا لأَنَّ الحرب ما زالت مشتعلة، بل لأَنَّ الحياة بكل تفاصيلها باتت ممنوعة عليها.

حصارٌ مطبقٌ من البر والبحر والسماء، يفرضه الكيان الصهيوني، بتواطؤ دولي، وصمتٍ عربي، وتآمر إقليمي، يجوع فيه شعبٌ بأكمله، ويُمنع عن أطفاله الحليب، عن مرضاه الدواء، عن أحيائه الماء، وعن موتاه حتى الكفن.

لا ماء، لا غذاء، لا كهرباء، لا دواء.

يموت الجرحى؛ لأَنَّ غرف العناية لا تعمل لقد طالها القصف، ويموت الرضّع؛ لأَنَّ الحليب انقطع، وتموت النساء؛ لأَنَّ النزيف لا يُوقف، ويموت الشيوخ؛ لأَنَّ العالم قرّر أن ينسى غزة.

الذين نجوا من القصف، يقضى عليهم اليوم بالمجاعة.

الذين أفلتوا من الموت تحت الأنقاض، يسقطون ضحايا للعطش في خيام لا تقي حرًّا ولا بردًا.

الأُمهات تبكين لا لأَنَّ البيوت قُصفت؛ بل لأَنَّ صغارهنّ يبكون من الجوع، ولا يجدن ما يسدّ رمقهم.

أيها العالم، ما يحدث في غزة ليس قضاءً وقدرًا، بل جريمة مكتملة الأركان، قتلٌ بالتجويع، وإبادة بالصمت، وحصارٌ ينهش من أرواح الأبرياء يومًا بعد يوم.

ويا للعار!

بدلًا من أن تُكسر قيود الحصار، ويُفتح باب الحياة أمام المحاصرين،

يطلّ علينا بعض الزعماء في بلاد العرب والمسلمين، لا ليطالبوا بوقف الحرب، ولا ليدعوا إلى كسر الحصار،

بل ليجددوا الولاء للقاتل، ويباركوا خطواته، ويصفّقوا لجرائمه، ويمدّوه بالسلاح والشرعية، ويوغلوا معه في دماء الأبرياء.

أيُّ زمن هذا الذي يصبح فيه دعم القاتل بطولة، ومساندة المذبوح خيانة؟

أيُّ خرابٍ أصاب الضمائر حتى أصبح العدوّ يُحتفى به، والضحية تُنسى وتُدان؟

ثم أين أنتم يا شعوب الأُمَّــة؟

هل كتب عليكم الصمت الأبدي؟

هل تعتقدون أن الله سيسامح هذا الصمت؟

أتظنون أن دماء مليونين محاصر في غزة لا تزن شيئًا في ميزان الله؟

أنتم مسؤولون، ليس بالقول فقط، بل بالفعل، بالضغط، بالرفض، بالصوت.

إن لم يكن لكم من الأمر شيء، فعلى الأقل لا تكونوا شهود زور، صامتين على ظلم يُرتكب باسم السلام، وجرائم تُبارك باسم السيادة!

ثم نأتي إلى العلماء…

أين أصواتكم التي كنتم ترفعونها عن هرة حبستها امرأة؟

ألم تقولوا إن امرأة دخلت النار؛ لأَنَّها منعت الطعام عن قطة؟

فما بالكم اليوم، وغزة بكل ما فيها تُذبح جوعًا وعطشًا؟

أين فتاواكم؟ أين غيرتكم؟ أين موائدكم الرمضانية التي كنتم تمتلئون حولها في القنوات؟

غزة تسألكم، ودماء أطفالها تصرخ في وجوهكم:

هل سكتُّم؛ لأَنَّ الحق صعب؛ أم لأَنَّ المواقف تُشترى وتُباع؟

يا علماء الأُمَّــة، هذه ليست لحظة حياد،

هذه لحظة صدق، إمّا أن تقولوا كلمة ترضي الله، أَو تظلوا أسرى حسابات الحكام، ومذنبين أمام شعب يُباد أمام أعينكم.

لكن، رغم كُـلّ هذا الألم، رغم هذا العجز المقيت،

تبقى هناك بارقة لا تنطفئ، يبقى هناك صوت لا يخفت…

من اليمن، من أرض العزة والإيمان، من شعب لم يساوم، من جيش لم يخف، من قيادة صادقة تعرف موقعها من قضايا الأُمَّــة،

يخرج الصوت عاليًا:

حتى لو تخلّى العالم كلّه عن غزة، فلن يتخلى عنها اليمن، لا قيادة ولا جيشًا ولا شعبًا.

سيظل اليمن واقفًا مع فلسطين، حاملًا راية الحق، داعمًا للمقاومة، ثابتًا على درب العزة، حتى يأذن الله بالنصر.

غزة ليست وحدها؛ لأَنَّ في هذه الأُمَّــة قلوبًا ما تزال تنبض، وشعوبًا ترفض أن تكون جزءًا من الخيانة،

وغزة ستنتصر؛ لأَنَّ وعد الله لا يُخلف، ولأن الدم الذي يُسفك اليوم، هو ذاته الذي يُعبد طريق الحرية.

 قال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْـمُؤْمِنِينَ} صدق الله العظيم.