في الآونة الأخيرة، برز تحوّل واضح في نبرة الخطاب السياسي والإعلامي للمقاومة الفلسطينية، لا سيما من خلال التصريحات الأخيرة للناطق العسكري باسم كتائب القسام. هذا التغيّر لا يأتي من فراغ، بل يعكس حالة بلغت فيها الأمور حدّ الانفجار، حيث باتت المقاومة متيقنة أن الصوت الذي ترفعه لا يُسمع، وأن النداءات التي تُطلقها لا تجد من يجيب.
لقد وصلت المقاومة إلى قناعة مفادها أن من تناديهم ليسوا بأحياء، بل كأنها تخاطب جدرانًا صمّاء أو آذانًا اعتادت التجاهل والتواطؤ. ومن هنا، فإن قرار تغيير الخطاب لم يكن فقط صائبًا، بل تأخر كثيرًا عن موعده.
الرهان الخاسر على الأنظمة
لقد أثبتت السنوات أن المراهنة على الأنظمة الرسمية العربية كانت رهانًا خاسرًا. فهذه الأنظمة، مهما تغنّت بالشعارات القومية والدينية، لم تخرج يومًا عن حدود البيانات الشكلية والمواقف المترددة. وفي ظل هذه المعادلة، لم يكن أمام المقاومة إلا أن تطرق أبوابًا أخرى، وتخاطب العقول والضمائر بلغة مباشرة، واضحة، وجارحة حينًا... ولكنها صادقة.
الخطاب الجديد لا يغيّر من جوهر المقاومة
التحول في الخطاب لا يعني أبدًا تغيرًا في المبادئ أو تخليًا عن الانتماء العربي والإسلامي. على العكس، هو امتداد حقيقي لغيرة المقاومة على قضايا الأمة، وتجسيد لالتزامها الثابت تجاه فلسطين والقدس. ومن حق المقاومة أن تُسمِع رسائلها بكافة الطرق التي تراها فاعلة ومؤثرة، طالما أنها تخدم القضية وتدافع عن دماء الشهداء.
الشعوب جاهزة... والأنظمة تكبّلها
الواقع اليوم يُظهر بوضوح أن الشعوب العربية تملك الإرادة والاستعداد للمواجهة، لكنها مكبّلة بقيود أنظمتها. هذه الشعوب لا تطلب من حكامها أن يعلنوا الحرب، بل أن يقفوا على الحياد، أن يفتحوا الحدود، أن يكفّوا عن استخدام سلاحهم ضد شعوبهم لحماية أمن إسرائيل.
في المقابل، لا تزال الأنظمة تُمعن في حماية الكيان الصهيوني، حتى ولو تطلّب الأمر قمع شعوبها، أو إغلاق الأبواب أمام من يريد دعم إخوانه في فلسطين.
الكرسي قبل القضية
التخاذل الرسمي لا يرتبط بعدم القدرة، بل بالخوف من فقدان الكرسي، والحرص على رضا الغرب، والخضوع للضغوط السياسية والاقتصادية. هذا الجبن السياسي هو الذي يمنع كثيرًا من الحكام العرب من اتخاذ مواقف حاسمة. أما لو تُرك القرار للشعوب، لكان الأمر حُسم منذ زمن بعيد.
الوحدة الغائبة
لو اتحدت الدول العربية، لما تجرأ العدو على ارتكاب المجازر التي نراها اليوم. لكن الحقيقة المُرّة أن العرب، كما يقال، "اتفقوا على ألا يتفقوا". وهو اتفاق غير مكتوب، لكنه ساري المفعول، ويدفع ثمنه الفلسطينيون دمًا ودمارًا.
المقاومة... شرف الأمة الباقي
في نهاية المطاف، ستبقى المقاومة شرف هذه الأمة، وغزة ستظل قلعتها الصامدة، وفلسطين بوصلة الأحرار، وحماس صوت لا يمكن كتمه أو تجاهله. ولئن تغيّر خطابها، فإن روحها لا تزال ثابتة لا تتزحزح، مؤمنة بأن الحق لا يُنتزع إلا بقوة الإيمان والوعي والإرادة.
فليعلم الجميع: من يريد النهوض، فالميدان مفتوح... أما من اختار النوم، فلا يلومنّ إلا نفسه.