في القرن الحادي والعشرين، حَيثُ يصعَدُ الإنسانُ إلى الفضاء، ويزرَعُ الخضروات في المختبرات… ما تزالُ غزةُ، قطعةُ الأرض المحاصَرة بالخِذلان، تموتُ جوعًا أمام أعين العالم!

 

تناقضات العصر… حضارة وعجز!

إنها تناقضاتُ هذا الزمن المرير… حضارةٌ تملأ الكونَ ضجيجًا، وعجزٌ مروّع أمام كيس طحينٍ يُحتَجز على المعابر، وسرير مستشفىٍ يُمنع عن رضيع يحتضر ببطء، في مدينةٍ تأنُّ تحت أنقاض الصمت العربي والدولي.

 

غزة تنهارُ على صخرة الجوع

غزة، المدينة التي لم تهزمها القنابل، ولا الحصار، ولا الدمار، تهزمها اليوم كسرة خبزٍ ضائعة، وحفنة دقيقٍ مفقودة، وزفرة أم لا تجد ما تطعمه لطفلها المنهك من الجوع.

هناك، في الركن المنسي من خارطة العالم، يموت الناس بصمت.

لا بفعل القنابل هذه المرة، بل بفعل المعدة الفارغة، والبطن التي تصرخ فلا يُسمع لها صدى.

 

أحلام الأطفال… رغيفٌ لا يأتي!

أطفال غزة لا يحلمون بألعاب، ولا يشتكون غياب الكهرباء أَو الماء، كُـلّ أحلامهم باتت:

"أمي، هل سنأكل اليوم؟"

وتجيب الأم، بعينين غائرتين:

"اصبر يا بني.. فقد وعدنا الله الجنة".

يا سادة، لم يعد في غزة لحمٌ يُؤكَل، ولا جلدٌ يُغَطّى، ولا زادٌ يُدّخر…

الجسد هناك تآكل، ولم يبقَ سوى عظمٍ يئنّ تحت ثقل الحياة، وجلْدٍ يشهد أن الموت بات أرحم من الجوع!

 

هل جرّبتم الجوع؟

فهل سمعتم أنين المعدة حين تنقلب على نفسها؟

هل شاهدتم طفلًا يقضم قطعة كرتون ليوهم بطنه بالطعام؟

هل جربتم أن تناموا ليلةً دون عشاء؟

في غزة، النوم لا يأتي…؛ لأَنَّه أضعف من صوت الجوع.

 

أين أنتم يا عرب؟

أين أنتم يا من تملؤون الأرض مؤتمرات ومهرجانات؟

أين أنتم يا ملوك البترول، وأصحاب المليارات، وحماة الحرمين؟

أما لانت قلوبكم من منظر طفلٍ يلعق تراب الأرض، ووجه أم تتمنى الموت؛ لأَنَّها لا تملك طعامًا لطفلها؟

 

غزة لا تطلب المستحيل

غزة تطلب فقط:

كسرة خبز… شربة ماء… شحنات من حياة!

لكن يبدو أن الأبواب مغلقة، والقلوب مختومة، والضمائر في غيبوبة طويلة.

من يحاصر غزة؟

ليست (إسرائيل) وحدها من تحاصر غزة…

كل من سكت، وتواطأ، ومنع، ووقف متفرجًا، هو شريكٌ في الجريمة.

كل من حجب قافلة، أَو خذل نداء، أَو قطع المعابر، هو قاتلٌ… وإن لم يحمل سكينًا!

أطفال غزة يموتون الآن… وليس بعد ساعة.

 

أما بقي فيكم قلب؟

فيا أُمَّـة المليارَي مسلم، يا مَن أقامكم اللهُ خلفاءَ في الأرض…

أما بقي فيكم رجلٌ يحمل ذرة إنسانية؟

أما بقي فيكم نخوة؟

أما بقي فيكم خوفٌ من الله؟

ألستم تخشون من دعاء المظلوم؟

التاريخ يسجل… والسماء تبكي

 

غزة اليوم لا تبكي وحدها

السماء تبكي معها، والملائكة تسجّل، والتاريخ يكتب، والقرآن يشهد…

وسيأتي يوم، تُبعث فيه الجياع، وتُحاسب فيه الشعوب، ويُقال:

"هؤلاء ماتوا جوعًا.. وأنتم كنتم تأكلون وتشربون وتتفرجون!"

فاخشوا دعوة الجائع.

فَــإنَّها تُصيب القلب والعرش معًا.