منذ 77 7 عاما لم يكن الأمر بحاجة لإدراك أننا نتعامل مع كائنات صهيونية ضالة، تعاني من تشوّه مزمن في إنسانيتها وأخلاقها. يتجلى ذلك في ممارستها حرب الإبادة بالسلاح وبالتجويع ضد شعب أعزل في غزة، وحين يقول أحد قادتهم "نحن نحارب كيانات على هيئة بشر ونتصرف وفقا لذلك" فإنه إنما يعكس طبيعة بيئته الشيطانية، وعقدة النفسية الناقصة التي لا تزال تلازمهم منذ انحرفوا فباءوا بغضب من الله.
أدرك اليمن ذلك مبكرا فتعامل مع عصابة الاحتلال وفقا لذلك. ولأن الكيان، ما هو إلا هجين من الأقطار الاستعمارية كان من الطبيعي أيضا إدراك أن منظومة الدول الاستعمارية ستعمل على دعمه بكل أسباب القوة من أجل لعب دور الشرطي لقمع الدول العربية والإسلامية عن التفكير حتى في ذاتها. فإن اليمن حرص على الأخذ بأسباب النصر بعد الثقة بوعد الله سبحانه، وبينما سخِر الكثير من الجرأة اليمنية، كان التمكين من الله سبحانه حليف اليمنيين بزَلزَلة الكيان ومن معه.
الانتصار للمظلومية الفلسطينية أمر لا مفر منه ولا جدال فيه، والتراجع العربي والإسلامي والعالمي عن قيم الإنصاف والعدالة لا يعني أن القيم قد ماتت، وإنما ماتت الضمائر التي في النفوس، بحيث صارت الغالبية العظمى بلا قدرة عن الدفاع عن هذه القيم ولو بالكلمة. وقد رأى اليمن في هذا الانهيار القيمي والاخلاقي مدعاة لعدم الانتظار، فالعدو لا ينتظر في استضعاف العرب والمسلمين وفي مواصلة إبادة الشعب الفلسطيني واستخدام احط الاساليب لقتل الاطفال والنساء.
ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة كما تؤكده الأصوات الحرة في فنزويلا والبرازيل واسبانيا وفي غير مكان من العالم، ليس حربا وانما أعمال إجرامية تمارسها عصابات صهيونية مسلحة، الأمر الذي يستحق تحرك عالمي وليس يمني فقط، فالإجرام هناك قد تجاوز كل الحدود واخترق كل الخطوط الحُمر، وصار هناك من يموت جوعا ومن يموت عطشا، وصار هناك من يُقتل أثناء انتظاره حفنة طحين، ومن يخضع للمجارحة وأحيانا البتر بلا أي تخدير.. بل وصار هناك من المرضى من يُسلِّم ويعيش الآلام في انتظار الموت..
مشاهد لم يشهدها العالم من قبل. في هذا الوقت تجاوز التواطؤ الدولي كل مفاهيم التعايش والانتصار لحقوق الإنسان وصار العالم أقرب الى المشاركة في حرب الابادة التي لم تستثن أي شيء حيّ، ولم تترك حجر على حجر.
والتحرك لن يعني بأي حال، انقاذ الفلسطينيين فقط من الإجرام الصهيوني الامريكي، وانما إنقاذ البشرية من استباحة الكيان الاسرائيلي للأعراف والقانون الدولي الانساني، وما لم يحدث مثل هذا التحرك فإن الحياة على وجه الكوكب ستكون على موعد مع العودة إلى حياة الغاب والاحتكام الى منطق القوة، وحينها ستكون الفوضى هي سيدة التعايش بين شعوب العالم. ولا يمكن في هذا الوقت ان تركن الدول الامبريالية الى ما لديها من سلاح لأنه حينها لن يُجدِ نفعا إذا كان من يحملونه يفتقدون الى سلاح الإيمان ويقاتلون من وراء جدر، ومع الفوضى ستتوقف عملية الإنتاج وسيدخل الجميع في موجة عارمة من الجوع والحاجة..
هذه القتامة في المشهد المتوقع، تبدأ اليوم من هذا الاستلاب العالمي عن اتخاذ موقف جاد والتحرك من اجل انقاذ البشرية من الطيش الصهيوني في غزة، ومن مصادرة أمريكا حق الشعوب في أن يكون لها كلمة حق في ما يحدث في الأراضي المحتلة. قتامة المشهد المتوقع تبدأ أيضا من كسر شوكة الميزان والركون الى المنطق المنحرف للصهاينة الذي يرى بأن كل شيء هو من حقهم ما لم يُثبت الآخرين غير ذلك!!