إن الأنظمةَ الحاكمةَ العميلة، التي شدّدت حصار غزة، وأمعنت في قتلها جوعًا وعطشًا، هي ذاتها التي كسرت الحصار اليمني، على الكيان الإسرائيلي، وأنشأت جسورًا برية وبحرية، لإمدَاده بالمواد الغذائية، وتسويق منتجاته وصادراته.
كما أن الأنظمة الحاكمة المتصهينة، التي عقدت القمم العربية الطارئة، وأصدرت بيانات الشجب والتنديد الخجولة، هي نفسها من دفعت تريليونات الدولارات؛ ثمنًا لإبادة غزة، ودعمًا لاقتصاد الكيان ورعاته.
وكذلك لم يكن هدف فريق الوسطاء، تحقيق سلام عادل، بقدر ما كان الاستماتة في تحقيق أهداف نتنياهو، بطرق ملتوية وضغوطات مباشرة، بعدما عجز تمامًا عن تحقيقها بكل وسائل القتل والإبادة والتدمير.
وَإذَا كان اعتقال النظام السعوديّ، قادة حماس وهم في ضيافة الملك، يتنافى مع قيم الدين والأخلاق والعادات والتقاليد، فَــإنَّ تصنيف حركة حماس "منظمة إرهابية"، يتماهى مع منظور المشروع الصهيوني قلبا وقالبا، ولا تختلف وظيفة النظام القطري عن سلفه السعوديّ، في موقفه المتناقض من حركة حماس، فهو من ناحية يستضيف بعض قادة الحركة مع عائلاتهم، ومن ناحية أُخرى يتماهى إعلامه الرسمي "قناة الجزيرة"، في كُـلّ تفاصيل وأبجديات الخطاب الإعلامي الإسرائيلي الخالص، ناهيك عن الدور التجسُّسي الاستخباراتي، الذي تمارسه في غزة خَاصَّة وفلسطين عامة، انطلاقا من حق الامتيَاز الحصري، في تغطية ونقل الأحداث هناك.
يمكن القول إن قنوات "الحدث والعربية والجزيرة"، الناطقة باسم نظامَي الحكم السعوديّ والقطري، قد مثَّلت "ثالوث الإعلام المتصهين" قلبا وقالبا، وعكست طبيعة الدور الوظيفي الهدام، في سياق خدمة المشروع الصهيوني الاستعماري.
من خلال تبنيها طروحاته وأطره المرجعية، ومنهجيته في تحليل ورصد الخطاب الإعلامي، خَاصَّة وأنها قد بلغت بلسانها "العربي المبين"، ما لم يبلغْه الخطابُ الإعلامي الإسرائيلي نفسه، ولم يتوقف تأثيرها على صناعة الرأي العام، وتطويع أوسع قطاع ممكن من الجماهير، ليس فقط لتبني أيديولوجياتها وتحقيق أهدافها، بل عملت على دمج الجماهير ضمن استراتيجياتها، وجعلتهم جزءا لا يتجزأ من مشروعها، في صناعة وتغذية الصراعات السياسية، وإدارتها بقوة الخطاب الإعلامي المتصهين، الذي يستثمر عاطفة الشعوب، ويوجه الجماهير لإبراز قواها الفاعلة، القادرة على إنتاج قوى وأطراف جديدة، في معادلات الصراع السياسي الراهن، بعيدًا عن صورة النخب السياسية التقليدية، التي شاخت في معظم تكويناتها، ولم يعد في جذوتها؛ ما يذكي عواصف الأزمات السياسية والعسكرية، على المستويين المحلي والإقليمي.