في زمنٍ تتلاحمُ فيه الجغرافيا وتتوحَّدُ أفئدةُ الشعوب، يكتب اليمن وفلسطين ملحمةً أُسطوريةً بمدادٍ من الدم؛ إذ ليست صدفةً أن تختلطَ دماءُ الأحرار في صنعاء مع دماء أبطال غزة؛ فكلاهما يواجِهُ عدوًّا واحدًا، وكلاهما يدفعُ نفسَ الثمن في سبيل الله ومن أجل القضية العادلة.
وفيما كان قطاع غزة يرزحُ تحت وطأة القصف الوحشي، كان العدوُّ الصهيوني يوجّه ضرباتٍ غادرةً إلى قلب اليمن، مستهدفًا أحياءً سكنيةً ومرافقَ خدميةً وإعلاميةً في العاصمة صنعاء، في رسالةٍ واضحةٍ من عدوٍّ لا يطيقُ أن يرى شعبًا عربيًّا حرًّا يمدّ يد العون لأشقائه المظلومين المستضعفين.
اليمن لم يكتفِ بالتضامن اللفظي كبقية البلدان القريبة والبعيدة؛ بل جعل من إسناد غزة في كُـلّ المجالات موقفًا مبدئيًّا -دينيًّا وأخلاقيًّا وإنسانيًّا وسياسيًّا وعسكريًّا وإعلاميًّا- وإن كان يدفع اليوم ثمنًا باهظًا من دماء أبنائه الشرفاء وقادته العظماء وصحفييه النجباء؛ إلا أنه لا يزالُ يؤكّـدُ أن القضيةَ الفلسطينية قضيتُه المركَزية، رغم أنها قضية الأُمَّــة جمعاء.
ليس غريبًا أن يكون الصحفيون والمؤسّسات الإعلامية هدفًا مباشرًا للعدوان الصهيوني؛ فقد كانت الكلمة الحُرَّة دائمًا أقوى سلاح في وجه طغيانه، وما استهداف صحيفتَي "26 سبتمبر" و"اليمن إلا لأَنَّهما منابرُ للحقيقة، وأصواتٌ توثّق الجرائم وتكشف الانتهاكات؛ ليس لأَنَّهما مؤسّستان عسكريتان كما يزعُمُ العدوّ، واستهدافهما محاولة بائسة لإسكات الأقلام وتكميم الأفواه، وترهيبها لإخفاء وحشيته عن أعين العالم.
الدماء التي امتزجت في اليمن مع دماء زملائهم في غزة وعموم فلسطين دليلٌ على أن الاحتلال -بقدر ما يخشى العنفوانَ والسلاحَ اليمني من الصواريخ والمسيَّرات الانقضاضية- يخشى أَيْـضًا الكلمة الصادقة، والصورة الموثَّقة، والرواية الحرة، والوعي النابض الذي يشكّله الإعلام اليمني.
استهداف العدوّ للمؤسّسات الإعلامية والإعلاميين بشكلٍ مُستمرّ، دون أدنى محاسبة، أصبح الأكثرَ فتكًا بالإعلام في التاريخ الحديث؛ ما يضعُ المنظومةَ الدولية التي تتغنّى بحقوق الإنسان وحرية التعبير أمام مرآة الحقيقة؛ فالصمتُ المطبِقُ والتخاذُلُ الأممي يشجِّعان الاحتلالَ على ارتكابِ المزيد من الفظائع، عن يقينٍ بأنه في منأىً عن العقاب.
لكن التاريخ يثبت أن الحقيقةَ لا تُدفَن، وأن الدماء التي تُسفَكُ ظلمًا هي وقودٌ سيشعل التغييرات؛ فاليمن أظهر أن الإسنادَ لغزة فعلٌ وتضحية على كُـلّ المستويات، ودماء الأحرار في اليمن وفلسطين ستظل شاهدةً على وحشية هذا العدوّ، وستبقى منارةً تهتدي بها الأجيالُ القادمةُ لتؤكّـدَ أن الحَقَّ لا يموت، وأن النصرَ حتمًا سيكونُ حليفَ الأُمَّــة المؤمِنة المجاهدة الصامدة.