عشيَّة الذكرى الحادية عشرة لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المباركة، أطلَّ رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي محمد المشاط بخطابٍ زاخرٍ بالدلالات السياسية والاستراتيجية، جامعًا بين استحضار التاريخ الثوري اليمني وقراءةٍ معمَّقة لمشهدٍ ملتهبٍ تتسارع فيه التهديدات الأمريكية الصهيونية، على الأُمَّــة.
الرئيس المشاط أكّـد أنَّ ثورة الـ 21 من سبتمبر جاءت ضرورةً وطنيةً بعد عقودٍ من الخيانة والتبعية، وفي مرحلةٍ كان القرار السياسي فيها يتنقل ما بين دار الرئاسة إلى مبنى السفارة الأمريكية، ليعيد التذكير بأن الثورة أنجزت استقلال القرار اليمني، وحافظت على كرامة البلاد والعباد ومنعت الانزلاق إلى مستنقع التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
الثورة اليمنية، بحسب الرئيس؛ بدأت وستظل مشروعًا مُستمرًّا لإعادة بناء الدولة اليمنية على أَسَاس الاستقلال والسيادة والتحرّر من التبعية، رابطًا ذكرى الثورة بجرائم الاحتلال في غزة والمنطقة، معتبرًا أن العدوان الإسرائيلي المتصاعد، من محاولة اغتيال وفد حركة حماس في الدوحة إلى قصف الأحياء المدنية في صنعاء والجوف والحديدة، يبرهن على أنَّ "العدوّ لا يفهم إلا لغة القوة".
وكأنهُ يُعيد تثبيت موقف اليمن؛ باعتبَاره السدَّ المنيع أمام مشاريع التطبيع والهيمنة، ومناصرًا ثابتًا للقضية الفلسطينية منذ الوهلة الأولى لانطلاق الثورة، وُصُـولًا إلى العمليات العسكرية اليمنية في البحر الأحمر وخليج عدن ضد الملاحة الصهيونية.
خطاب المشاط لم يقتصر على التهاني والتبريكات واستحضار الذكريات؛ بل اتخذ منحًى تحذيريًّا تجاه الأنظمة العربية، مخاطبًا إياهم بلهجةٍ مباشرةٍ: إنَّ الرسالة في العدوان الصهيوني على قطر كانت واضحةً للجميع، والدور ينتظرهم، ملوِّحًا بأن القواعد الأمريكية في المنطقة ليست لحمايتهم بل لحماية (إسرائيل).
هذا المقطع يُفصح عن رغبة صنعاء في زعزعة صمت العواصم العربية، ودعوتها إلى ترك سياسة "دفن الرؤوس في الرمال" إزاء اتساع العدوان الإسرائيلي، مؤكّـدًا أنَّ القوات المسلحة ستواصل تنفيذ "أشد الضربات على الكيان الصهيوني المجرم"، مجدّدًا العهد ببناء "الدولة اليمنية الحديثة العادلة" ومواصلة "مسار التغيير الجذري" حتى بلوغ السيادة التامة.
وفي رسائل تجاوزت حدود المناسبة الوطنية، يتبيّن أنَّ اليمن قد أضحى لاعبًا مؤثرًا في المواجهة العربية–الصهيونية، مستعملًا أدوات عسكرية واقتصادية (البحر الأحمر) لفرض حضوره؛ فربط بين الثورة اليمنية وفلسطين، يعزز مكانة اليمن في محور الجهاد والمقاومة الأوسع، الممتد من صنعاء إلى غزة، ومن بيروت إلى طهران، في مواجهة مباشرة مع (أمريكا وكيان الاحتلال).
كما أنَّ دعوته للعرب قبل فوات الأوان، يُعيد المشاط تحذير السيد القائد للعواصم العربية من مآل يماثل ما تتعرض له غزة، مُشيرًا إلى أن الحماية الأمريكية وهمٌ؛ مما يدل على سعي اليمن إلى استنهاض موقف عربي موحد أَو على الأقل كشف تواطؤ الصمت.
بالمحصِّلة؛ فخطاب الرئيس المشاط في ذكرى ثورة الـ 21 من سبتمبر جاء إعلانًا متجدّدًا أن اليمن بعد أحد عشر عامًا من الثورة يعيش "خارج عهد الوصاية"، ويمضي بثقة في معادلة إقليمية دولية عنوانها أنَّ السيادة لا تُعطى، وأن المواجهة مع العدوّ خيارٌ لا رجعة فيه.