إنها ثورة المستضعفين الواعين؛ ثورة نقلت الشعب من مرحلة الاستضعاف والهيمنة إلى مرحلة التمكين والمسؤولية
لم تكن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر حدثًا محليًّا عابرًا في اليمن، بل تحولت إلى ثورة كُـلّ المستضعفين في العالم العربي والإسلامي، لتضع على رأس أولوياتها القضية المركزية للأُمَّـة: فلسطين. فمنذ اللحظة الأولى، أكّـدت هذه الثورة أن فلسطين ليست مُجَـرّد قضية تضامن، بل بوصلة التحرّر، وعنوان الكرامة، وميزان الوعي والاصطفاف.
لقد كان واضحًا أن اليمن يدفع أثمانًا باهظة؛ بسَببِ موقفه المبدئي والثابت إلى جانب فلسطين، فكل الضغوط والعدوان والحصار ليست إلا نتيجة طبيعية لموقف تحرّري صريح لم يتلون ولم يساوم، بل أعلن منذ البداية أن معركة الأُمَّــة واحدة، وأن تحرير فلسطين جزء لا يتجزأ من تحرير اليمن والمنطقة بأسرها من الهيمنة الأمريكية والصهيونية.
هذه الثورة المباركة مثلت انعطافة تاريخية، ليس لليمن فقط، بل للعالم أجمع. فقد نقلت اليمن من الهامش إلى الصدارة، ومن النسيان إلى الظهور كقوة ثورية وازنة، بعدما كان هذا البلد غائبًا أَو مُغيَّبًا عن المشهد الدولي. لقد فتحت الثورة الأبواب على مصراعيها، وأصبح اليمن، الذي كان مجهولًا حتى على خرائط الشعوب العربية، قبلة للحركات التحرّرية، ونموذجًا لمشروع مقاوم أصيل يقف بوجه الاستكبار.
ظهرت اليمن بعد ثورة 21 سبتمبر كالبدر بعد ليل طويل، وكالشمس بعد غياب مديد، لتؤكّـد أن المستضعفين قادرون على صنع المعجزات حين يمتلكون الوعي والإرادَة، وأنهم ليسوا قدرًا محكومًا بالهزيمة، بل طاقة متجددة للانتصار والتحرّر.
إنها ثورة المستضعفين الواعين؛ ثورة نقلت الشعب من مرحلة الاستضعاف والهيمنة إلى مرحلة التمكين والمسؤولية. مسؤولية الدفاع عن الأُمَّــة، وحمل همومها، وإسناد قضاياها العادلة، وعلى رأسها فلسطين. ولهذا، فإن كلما اشتد الضغط على اليمنيين، ازداد حنينهم والتصاقهم بالقضية الفلسطينية، وارتفعت عزيمتهم في مواجهة التحديات.
21 سبتمبر لم تكن ثورة لإسقاط واقع سياسي فاسد فحسب، بل ثورة وعي وحركة تحرّر واسعة، ستظل تؤسس لمشروع حضاري مقاوم، ينهض بالأمة من جديد، ويعيد الاعتبار لقيمها ومبادئها، ويثبت أن المستضعفين إذَا امتلكوا الوعي والبصيرة، فلن يقهرهم مستكبر على وجه الأرض.