استطاعت حكومة صنعاء بفضل الله وحكمة قيادتها أن تُرسّخ الأمن رسوخ الجبال، وأن تحمي مقدرات الدولة، فبنت جهازًا أمنيًّا يعمل بوعيٍ وولاءٍ وإخلاص لا يُشترى ولا يُباع، جهازٌ يعرف كيف يلاحق الخلايا ويحبط المؤامرات ويحفظ هيبة الدولة في الشارع والمؤسّسة والمواطن.
أصبح الأمن في صنعاء مثالًا للانضباط، فالطرق آمنة، والمؤسّسات مستقرة، والدولة موجودة بكل ثقلها.
وفي المقابل، تغرق المحافظات الجنوبية في فوضى عارمة تقودها ميليشيا لا تعرف من الدولة إلا اسمها، أدوات رخيصة تتحَرّك بإصبع سعوديّ أَو إماراتي، لا قرار لها ولا قيمة، مليشيات تتقاتل فيما بينها على الفتات، وتحوّل المقرات الحكومية إلى أوكار للابتزاز والفوضى، في مشهد يعكس سقوطًا تامًّا للدولة وغيابًا كاملًا لهيبتها.
وحافظت صنعاء على استقرار العملة والسلع الأَسَاسية رغم الحصار الخانق، فكان قرارها الاقتصادي منضبطًا، مدروسًا، مبنيًّا على إرادَة وطنية صلبة لا تنحني.
انخفضت المضاربة، واستقر السوق، وظل المواطن قادرًا على شراء ضرورياته دون أن تتحول حياته إلى جحيم.
وفي الجنوب، تنهار العملة بلا توقف؛ لأَنَّ الميليشيا المسيطرة هناك لا تفهم في الاقتصاد ولا تملك قرارًا اقتصاديًّا أصلًا، فهم مُجَـرّد أدوات تتلقى أوامرها من السعوديّة والإمارات، والسعوديّة والإمارات بدورهما ينتظران الإشارة من أمريكا ليقرّرا كيف ينهبان ثروات الشعب، فتشتعل الأسعار، ويغرق الناس في الفقر، وتبقى الميليشيا تتفرج وكأنها لا علاقة لها بالبلد.
وتتحَرّك صنعاء بقيادة واحدة وجيش واحد في انسجام دقيق، كجسد واحد يأتمر بأمر قيادة حكيمة واضحة الرؤية، فلا فصائل ولا ولاءات ولا عبث.
قوة واحدة تحمي الوطن، وتدافع عنه بثبات وإيمان وقناعة.
أما في الجنوب، فالمشهد سخرية كاملة؛ ميليشيات موزعة يمينًا ويسارًا، كُـلّ واحدة تتبع ضابطًا إماراتيًّا أَو ضابطًا سعوديًّا، وكل هؤلاء يتلقون خططهم من أمريكا وحلفائها.
لا قيادة، لا هدف، لا مشروع.. مُجَـرّد أدوات تُساق كالخراف، تُستخدم ثم تُرمى.
واتجهت حكومة صنعاء نحو الاعتماد الذاتي في الزراعة والصناعة بخطوات ثابتة، فاستُصلحت الأراضي، وتوسعت المشاريع، وبدأت الصناعات الوطنية تفرض حضورها، في مشهد يؤكّـد أن صنعاء تبني دولة من تحت الحصار وكأنها تتحدى العالم كله.
بينما الجنوب يعيش في حالة تدهور مأساوية؛ لا زراعة تتطور، لا صناعة تنهض، لا أرض تُستثمر، فقط ميليشيات تفتح الطريق للنهب الخارجي، وتمنع أي مشروع قد يقلل من تبعية المحافظات لقوى الخارج؛ لأَنَّ المرتزِقة لا يملكون حق الموافقة أَو الرفض، وكل قرارهم يصدر من الرياض وأبوظبي، والرياض وأبوظبي لا يتحَرّكان إلا وفقًا لمصالح واشنطن التي تريد جنوبًا ضعيفًا، مفككًا، عاجزًا.
وتحرّرت صنعاء من الوصاية الأجنبية تحرّرا نادر الوجود في المنطقة، فأصبحت قراراتها خالصة، تصدر من داخل العاصمة، من قيادة تعرف معنى السيادة وترفض الإملاءات مهما كانت قوتها.
هذا الاستقلال جعل صنعاء تمثل مشروعًا حرًّا لا يُساق ولا يُدار من الخارج.
وفي الجنوب، لا وجود لشيء اسمه استقلال قرار؛ المرتزِقة مُجَـرّد منفذين، يتلقون التعليمات عبر رسائل، أَو مكالمة، أَو إشارة من ضابط سعوديّ أَو ضابط إماراتي، بينما هؤلاء يتلقون أوامرهم الأَسَاسية من أمريكا التي تمسك بخيوط اللعبة كاملة.
ووقفت صنعاء مع غزة في معركة طوفان الأقصى وقوف الأحرار، فأطلقت عمليات عسكرية قلبت موازين البحر، ورفعت صوتًا لم تجرؤ أنظمة عربية كاملة على رفعه، وأعلنت موقفًا لا يخضع لمقايضة أَو ضغط.
أما ميليشيات المرتزِقة، فمكبّلة بقرار خارجي، ممنوعة حتى من الشهيق والزفير دون إذن من الرياض وأبوظبي، وهاتان الأخيرتان لا تتجرآن على اتِّخاذ موقف واحد يخالف رغبة أمريكا.
لهذا لم يظهر من تلك المناطق أي فعل أَو كلمة أَو حتى بيان خجول لنصرة غزة، بل العكس وقفت ضد حكومة صنعاء؛ لأَنَّها اتخذت هذا القرار العربي الأصيل؛ لأَنَّ أدوات الخارج لا تنصر قضية ولا شعبًا عربيًّا وهي عاجزة عن نصرة نفسها.
وهكذا يبقى المشهد واضحًا: صنعاء تصنع دولة، وتصنع قرارًا، وتصنع مستقبلًا، بينما الجنوب يُدار بواسطة ميليشيات باهتة لا تملك حتى حق الاعتراض، محكومة بواسطة السعوديّة والإمارات، وهاتان محكومتان بدورهما بتوجيهات أمريكية صارمة.
وفي النهاية، لا يمكن مقارنة مشروع ينهضُ بإرادته مع مشروع سقط بإرادته..
ولا يمكن الموازنة بين دولة تبني، وميليشيا تُباع وتُشترى.