ما بال أمةِ المليارَيْ مُسْلِمٍ، أمةٌ اصطفاها اللهُ سبحانهُ وتعالى من بينِ الأممِ، فاختصَّها بالإسلامِ والقرآنِ والقادةِ الأعلامِ، ووهبَها من أسبابِ وعواملِ النصرِ والتمكينِ والغلبةِ على أعدائِها في آياتِ كتابهِ الكريمِ بأوضحِ تفصيلٍ وبيانٍ؟
غيرَ أنها قابلتْ ذلكَ الفضلَ والإكرامَ بالهجرِ والجحودِ والنكرانِ!
فإذا بألدِّ أعدائِها – كيانٌ غاصبٌ لقيطٌ، ضربَ اللهُ عليهِ الذلةَ والمسكنةَ والصغارَ – يحتلُّ أرضَها، وينهبُ خيراتِها، ويدنِّسُ مقدساتِها، ويرتكبُ أبشعَ وأقبحَ وأفظعَ الجرائمِ بحقِّ أبناءِ غزةَ والضفةِ وفلسطينَ، لم يشهدِ التاريخُ مثلَها!
ثمَّ تتخلى عن قضيتِها المركزيةِ وكلِّ قضايا الأمةِ بإرادتِها، وتعرضُ عن كلِّ تلكَ الجرائمِ، وتلوذُ بصمتِها، وللمستضعفينَ المَبْغيِّ عليهم بِخِذْلانِها!
فلا هيَ التي استجابتْ لتوجيهاتِ اللهِ في القرآنِ الكريمِ فوحدتْ صفوفَها، وأعلنتْ في سبيلِ اللهِ على الكيانِ الغاصبِ جهادَها، وانتصرتْ لأعظمِ مظلوميةٍ في التاريخِ الحديثِ حلتْ بها.
ولا هيَ التي حركتْ جرائمُ القتلِ والتنكيلِ والإبادةِ الجماعيةِ، والحصارِ الظالمِ، والتجويعِ الشديدِ حتى الموتِ جوعًا، ضميرَها وإنسانيتَها وحريتَها وكَرامتَها وأباءَها وعزَّتَها وشموخَها!
فهذا هو حالُ أمةٍ استحبتْ قعودَها وجمودَها، وهجرتْ كتابَ ربِّها، وتخلتْ عن مسؤولياتِها!
وكيف لأمةٍ بلغَ حالُ أبنائِها عدمُ الخشيةِ من اللهِ الأعلى الواحدِ الأحدِ القهارِ، واهبِ النصرِ لعبادِهِ الأخيارِ، واللامبالاةُ بعواقبِ التفريطِ ومآلاتِ الخسرانِ في الدنيا والآخرةِ؟!
وأيمُنَ اللهِ إنَّ الكارثةَ الكبرى والداهيةَ الدهياءَ والمصيبةَ العظمى أن تقفَ أمةٌ مكتوفةَ الأيدي عاجزةً عن ردِّ كيدِ الكائدينَ، وعدوانِ المعتدينَ الظالمينَ، وتسلطِ المتسلطينَ، وغطرسةِ المحتلينَ الغاصبينَ، وهيمنةِ الغربِ الكافرِ والفرعونِ الأمريكيِّ أولياءِ الشيطانِ الرجيمِ!
إنَّ عواقبَ الصمتِ والخذلانِ أدَّتْ إلى تحولِ الكثيرِ من أبناءِ العروبةِ والإسلامِ إلى النفاقِ والعمالةِ، للمحتلِ الغاصبِ وباتوا لهُ أقذرَ أدواتٍ وأعوانًا!
ناهيكَ عن أنهم جنَّدوا أنفسَهم خدمةً للعدوِّ المحتلِ، فهمَ المتربصونَ بالقلةِ المؤمنةِ التي أجابتْ داعيَ اللهِ والأخوةِ الإيمانيةِ والعروبةِ والإسلامِ.
الذينَ ما فتئوا يقدمونَ للمستضعفينَ في غزةَ الدعمَ والإسنادَ جهادًا في سبيلِ اللهِ، ببذلِ ما في وسعِهم وما باستطاعتِهم بقدرِ الإمكانِ، فأمدَّهم اللهُ بالعونِ والتأييدِ، وكسرَ شوكةَ الطغيانِ.
ولولا ذلكَ الصمتُ والخذلانُ وتآمرُ حكامِ العربِ، والدعمُ الماليُّ من أمراءِ النفطِ، والرعايةُ والدعمُ الكاملُ بالعتادِ والسلاحِ من الفرعونِ الأمريكيِّ والغربِ الكافرِ للكيانِ، والمشاركةُ لهُ بالعدوانِ، ما ظلَّ الكيانُ الصهيونيُّ الغاصبُ يرتكبُ أفضعَ المذابحِ وأبشعَ المجازرِ والإبادةِ الجماعيةِ والفتكِ بشعبٍ أعزلَ محاطٍ بحصارٍ جائرٍ يعاني الغربةَ وقلةَ الناصرِ!
فضلًا عن استخدامِ العدوِّ للتجويعِ والتعطيشِ وسيلةً للقتلِ والفتكِ بالجوعى، حتى باتتِ المساعداتُ الإنسانيةُ فخًا لنصبِ المصائدِ بمساعداتِ الموتِ ومجازرِ المساعداتِ!
وتلكَ جرائمُ يرتكبُها العدوُّ أمامَ مرأى وعلى مسمعٍ وصمتِ عالمٍ متبلدٍ بلا ضميرٍ قد ألفَ النفاقَ، فتخلى وتنكَّرَ لقيمِهِ الإنسانيةِ والأخلاقيةِ بلا مقابلٍ، بالإضافةِ إلى غيابِ دورِ المنظماتِ الأمميةِ والدوليةِ التي أمسَتْ رهينةً لإرادةِ الأعداءِ وخاضعةً لهيمنةِ الغربِ الكافرِ.
وعلى الرغمِ من كلِّ تلكَ الجرائمِ وهمجيةِ المجتمعِ البشريِّ وتغاضيهِ عن العدوانِ الصهيونيِّ السافِرِ، يظلُّ يمنُ الحكمةِ والإيمانِ الذي كانَ ولم يزلِ الداعمَ الفاعلَ المستشعرَ لمسؤوليتِهِ، جهادًا في سبيلِ اللهِ يمضي في إسنادِهِ بكلِّ عزمٍ وثباتٍ.
فمنهمُ المرابطونَ المجاهدونَ في الثغورِ والجبهاتِ، ومنهمُ المحتشدونَ في مختلفِ الميادينِ والساحاتِ، لا يتراجعونَ قيدَ أنملةٍ مهما بلغتْ حجمَ التضحياتِ، غيرَ مبالينَ بعدوِّهم والمتربصينَ بهم من المنافقينَ والعملاءِ والأدواتِ، يُذيقونَ الأعداءَ من بأسِ اللهِ، لا يخافونَ لومةَ لائمٍ، ويقاتلونَهم في جميعِ المساراتِ.
نالوا الكيانَ الغاصبَ بالحصارِ وإغراقِ سفنِهِ في أعماقِ البحارِ والمحيطاتِ وقصفِ المغتصباتِ، فأصابوا قطعانَ المحتلينَ بالرعبِ والذعرِ فلاذوا بالفرارِ والهروبِ بحشودٍ مليونيةٍ مجبرينَ إلى الملاجئِ من صواريخِ البأسِ اليمانيِّ والمسيراتِ.
ذلكَ أنهم أهلُ ولاءٍ وتسليمٍ لقيادتِهم الربانيةِ، يجاهدونَ في سبيلِ اللهِ ابتغاءَ رضوانِ ربِّهم الجبارِ ملكِ الأرضِ والسماواتِ.
وهيهاتَ لقومٍ حباهمُ اللهُ بالتمكينِ والتأييدِ والانتصاراتِ أن يتراجعوا عن دعمِ المستضعفينَ في غزةَ والضفةِ وحمايةِ المقدساتِ، وقد رأوا الآياتِ وما أكرمهمُ اللهُ سبحانهُ وتعالى من المعجزاتِ!
ألا إنَّ نصرَ اللهِ قريبٌ ولا محالةَ آتٍ...
*والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.*