أنصار الله أصالة الرؤية وحداثة المشروع… 2
موقع أنصار الله || مقالات ||بقلم / محمد المنصور
بدأ السيد حسين بدر الدين الحوثي العمل في بلورة مشروعة القرآني بمحافظة صعدة في اوساط طلاب العلم على هيئة محاضرات صوتية /مصورة عرفت مكتوبة ومنشورة ب «الملازم » التي اشتملت عناوين متعددة معظمها يدور حول القرآن مثل : دروس آل عمران – دروس من سورة المائدة – دروس من سورة الانعام – دروس من سورة الأعراف الخ وقدم فيها تفسيرا وقراءة جديدة ومعاصرة للقرآن الكريم ، اضافة الى عناوين اخلاقية وعناوين تربوية مثل : الاستقامة – في ظلال دعاء مكارم الاخلاق – لا عذر للجميع أمام الله –محياي ومماتي لله – مسؤلية أهل البيت – مسؤلية طلاب العلم – معنى التسبيح – معنى الصلاة على محمد وآله – وأنفقوا في سبيل الله – الاستقامة – الثقافة القرآنية – وانفقوا في سبيل الله وسياسية مثل: خطر دخول امريكا اليمن – مخاطر المرحلة – ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى – حديث الولاية – يوم القدس العالمي – وعناوين أخرى عديدة كان يستهلها دائما بأيات من القرآن للدخول إلى الموضوع الذي قد يستغرق الحديث عنه محاضرة أو عدة محاضرات حتى يتم إشباعه المختلفة السياسية والاجتماعية مقدما نتائج واستخلاصات مقنعة بالفكرة التي يريد إيصالها . عمد السيد إلى استخدام لغة مبسطة تمزج بين الفصحى والعامية في دروسه ومحاضراته بغية كسر الحواجز النفسية والمعرفية مع المتلقين والوصول الى اوسع شريحة من الناس ومخاطبتهم بلغة يفهمونها وبأسلوب عميق ومؤثر، وتفرد السيد حسين بدر الدين بأسلوب في الالقاء لمحاضراته رصين وهادئ يسير على وتيرة واحدة من الاداء الذي يشد سامعيه ومتلقيه الى الفكرة والتفاعل ايجابا مع رصانة وصدق الالقاء وسلاسة العرض وعذوبة الصوت وعمق الفكرة.
كان السيد يدرك أهمية الاستفادة من وسائل الحداثة وأساليب الاتصال العصرية المتاحة كالأشرطة الصوتية والمرئية والملازم المطبوعة في الوصول إلى أوسع شرائح المجتمع ، بعيدا عن الأساليب التقليدية في التأليف والكتابة العلمية ، كان يدرك الحاجة إلى تغيير الأسلوب لإيصال الفكرة إلى طلابه والأوساط المجتمعية الاخرى بالمشروع القرآني الذي قدمه وقدم فيه عصارة ثقافة علمية وفكرية وسياسية وخبرات اكتسبها ومشاعر حملها للمجتمع ملؤها الرغبة في اإصلاح والتقدم ورفض الظلم والاستبداد والتخلف بمعناه الحضاري عبر تقديم المنهج القرآني كنظرية قابلة للحياة والتقدم في الواقع، كما كان يدرك أهمية التعبير عن المشروع في النطاق المجتمعي برفع الشعار المعروف بالصرخة في المساجد والتجمعات الذي يأتي في إطار إقامة القسط بحسب تعبيره وكعمل من اعمال ممارسة حرية الراي والتعبير السلمية المكفولة دستورا وقانونا ، للتعبير عن سخط المجتمع ورفضة للسياسات الأمريكية والصهيونية في اليمن والمنطقة والعالم ، وخلق رأي عام موحد حول قضايا الهوية الوطنية وقضايا الصراع مع الاستعمار الجديد الصهيو-امريكي ، الشعار بوصفه عنوان يعبر عن ميلاد حركة وانطلاق مسيرة فإنه كان اختبارا للسلطة وحلفائها الأمريكان ومدى إيمانهم بما يطلقونه من شعارات كالديموقراطية وحقوق الانسان .كان السيد مدركا لأهمية كسب معركة الرأي العام الذي له أهميته لدى أمريكا والدول الغربية وضرورة خلق اصطفاف وطني داعم للسلطة في اليمن في مواجهة الضغوط والابتزاز الأمريكي بزعم مكافحة ما يسمى بالارهاب .
حركة انصار الله كما بدت من خلال ما قدمه الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه لم تأت من فراغ بل جاءت تعبيرا عن أصالة الفكر الإسلامي وحيويته وخصوبته في اليمن وعن حاجة كانت قائمة في الواقع تتجاوز الإطار المذهبي لتخاطب المجتمع الاسلامي والانساني بمنطلقاتها القرآنية الجامعة وطروحاتها الجريئة في اعادة الدور للقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة في رسم معالم النهوض الشامل للوطن والأمة ، كما انها كانت استجابة أمينة وواعية إسلامية ووطنية فرضتها الظروف والمتغيرات السلبية التي عصفت باليمن والمنطقة ووضعتها في عين العاصفة ولاتزال .
ولو قدر لحركة أنصار الله ان تأخذ مسارها الطبيعي في أخذ حقها من التفهم كحركة ثقافية قرآنية لا تتوسل العنف كوسيلة للتعبير عن ذاتها ، ولا تطمح الى الوصول الى السلطة ، ولا أن تعيد إنتاج الإمامة كما زعمت السلطة في التبرير لحروبها الست الظالمة – لكانت اليمن قد تجنبت حروبا وضحايا وعذابات ما تزال مستمرة ، ولكان الواقع اليمني أقل احتفاء بالعنف والتوترات الطائفية والاعلامية ولكانت الصورة اختلفت لدى الكثيرين الذين انطلت عليهم دعايات السلطة المضللة – عن حقيقة أنصار الله ومشروعهم الثقافي المستمد من القرآن الكريم الذي يؤمن به الجميع ويدّعون حجيته وقدسيته ، ولكانت الحركة ومشروعها الثقافي القرآني محل حوار سياسي وثقافي مجتمعي واسع تستخدم فيه الحجج والبراهين والادلة وليس الرصاص والحروب والاعتقالات والحصار والتشويه والتربص والعداء السياسي والمذهبي والعنصري المستمر الذي ينبغي أن يتوقف بعد أن أدى للأسف الى كوارث وويلات وداء لاتزال تنزف حتى اليوم .
إن الجميع الوطني في الأطر الفكرية والسياسية مدعوون اليوم للقبول ببعضهم والانفتاح والتحاور والسماع لبعضهم ومغادرة الماضي بسلبيته وقطيعته الفكرية والثقافية مع انصار الله خصوصا ومشروعهم الثقافي والفكري الذي اصبح اليوم يعني المجتمع بكل مكوناته. ومن خلال قراءاتي المتيسرة لمحاضرات السيد يمكن القول بأن ابرز مرتكزات مشروعه القرآني تتلخص في :
1 – الدعوة لإعادة الاعتبار للقرآن الكريم والالتفاف حوله وحول من يهتدون بهديه وتنزيله في الواقع الحياتي بشتى جوانبه لكي يسود العدل ويزال الظلم والتخلف والفقر والاستبداد والتبعية لقوى النفوذ والهيمنة وفي طليعتها امريكا والصهيونية .
2 – أن الله سبحانه وتعالى جعل الدين الاسلامي كاملا وهو وحده من يستطيع أن يضع ديناً كاملاً ، يوفق بين مختلف جوانب الحياة والتعامل ، تعامل الانسان مع الانسان ، وتعامله مع الحياة بصورة عامة ، وفي نفس الوقت بناء روحه وزكاء نفسه وطهرها وسموها وتكاملها.
3 – التأكيد على أن القرآن الكريم هو الذي يستطيع أن يبني أمة قوية واحدة امتثالا لقولة تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم وأصبحتم بنعمته اخوانا ) وعلى ضرورة تجاوز المذهبيات التي عمقت الفرقة وكرست الانقسام والتشرذم الذي جرى استغلاله من قبل اعدائها أسوأ استغلال .
4 – أ ن الإسلام دين ودوله جعله الله نظاما شاملاً للحياة كلها لم يغفل جانبا من جوانبها ولا شأنا من شؤنها، لا يقبل الظلم ولا يمكن للظالمين والمستبدين أن يتحكموا في رقاب الأمة ، وأن النظرة التجزيئية للدين نظرة قاصرة هي من أعاقت بناء الواقع الاسلامي بكل جوانبه واركانه .
5- الدعوة إلى تبني الثقافة القرآنية لتحصين المجتمع من عوامل الفرقة والشتات والتفرق ووجوب البراءة من أعداء الله والإنسانية مع الدعوة إلى التسامح والتعايش مع كل المكونات الوطنية السياسية والفكرية والايمان بالحوار لحل كافة المشكلات السياسية والاجتماعية والفكرية وغيرها ، وتقوية جانب الدولة في الوقوف بوجه الضغوط والإملاءات الأمريكية والإقليمية التي تنتهك السيادة الوطنية تحت أية ذريعة أو مسوغ .
6 – تبني الدعوة للتصحيح الثقافي في ضوء القرآن كخطوة أولى لتصحيح واقع الأمة .
7 – التأصيل للهوية الاسلامية الجامعة في مواجهة مساعي طمسها وإبراز الهويات الجزئية الطائفية منها والسياسية والجهوية والعرقية ..التي استفاد منها الاعداء .
ان ما سبق عرضه إن هو إلا محاولة للوقوف على إبعاد المشروع الثقافي القرآني لحركة انصار الله بحسب قراءتي المتيسرة، التي لا تغني عن قراءة المشروع بحسب وروده في ادبيات السيد حسين لمزيد من اكتشاف مضامين جديدة يشكل من يحملونها اليوم ويعتقدونها قطاعا واسعا من أبناء الشعب اليمني لذلك فهي ستبقى قابلة لمزيد من المقاربات والقراءات الأكثر عمقا واتساعا.