الهجمة الإلكترونية على المقاومة وسيّدها: من وراءها وما أهدافها؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || موقع إنباء الإخباري
مع الانتصارات الكبرى التي يحققها محور المقاومة في العديد من الجبهات، وكان آخرها إخراج تنظيم داعش الإرهابي من الجرود اللبنانية ـ السورية المتقابلة، انطلقت حملة كبرى لتشويه صورة هذه الانتصارات، واستخدمت وسائط التواصل الاجتماعي لتنفيذ هذه الحملة.
وبغض النظر عن الهجومات التي تشنها بعض الأوساط في لبنان على المقاومة وقائدها، فإن هذه الحملة اتخذت من بعض الإشكالات التي أثيرت حول نقل إرهابيي داعش إلى منطقة البوكمال في سوريا جسراً لتحريض قطاعات من الشعب العراقي على المقاومة الإسلامية وقائدها سماحة السيد حسن نصر الله.
وفي محاولة للبحث عن خلفية هذه الحملة ومن يقف وراءها ويؤجج أوارها، ظهرت بعض المعطيات التقنية التي تقود في اتجاه بعض المواقع الإقليمية التي أطلقت الهجوم وعملت على تطويره ونشره في المنطقة، ولا سيما في العراق.
هل تذكرون المركز الذي دشنه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والذي يسمى “المركز العالمي لمكافحة التطرف ـ اعتدال”، وذلك بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكذلك قادة العالم الإسلامي المشاركين في القمة العربية الإسلامية الأمريكية في شهر أيار/ مايو 2017 وأتخذ من الرياض مركزاً له؟
يقوم المركز، وبحسب التوصيف السعودي على “ركائز أساسية ثلاث وهي مكافحة التطرّف وبأحدث الطرق والوسائل فكريا وإعلاميا ورقميا”.
ويطور المركز “تقنيات مبتكرة يمكنها رصد ومعالجة وتحليل الخطاب المتطرف بدقة عالية، وجميع مراحل معالجة البيانات وتحليلها يتم بشكل سريع لا يتجاوز 6 ثوان فقط من لحظة توفر البيانات أو التعليقات على الإنترنت، بما يتيح مستويات غير مسبوقة في مكافحة الأنشطة المتطرفة في الفضاء الرقمي”.
ويضم المركز “عدداً من الخبراء الدوليين المتخصصين والبارزين في مجال مكافحة الخطاب الإعلامي المتطرف على كافة وسائل الإعلام التقليدية والفضاء الإلكتروني”.
ويعمل المركز “بمختلف اللغات واللهجات الأكثر استخداماً لدى المتطرفين، كما يجري تطوير نماذج تحليلية متقدمة لتحديد مواقع منصات الإعلام الرقمي، وتسليط الضوء على البؤر المتطرفة، والمصادر السرية الخاصة بأنشطة الاستقطاب والتجنيد”.
إذاً وبعد استعراض فكرة مركز “اعتدال” ودوره المكلف به ـ بحسب المصادر السعودية ـ يمكن الحديث عن علاقة هذا المركز، وما يشبهه من المراكز في الولايات المتحدة و”إسرائيل”، بالحملة الحالية التي تُشن ضد حزب الله وضد السيد حسن نصر الله شخصياً.
بحسب التصنيف السعودي للمنظمات الإرهابية، فإن “مليشيات حزب الله بقادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها منظمة إرهابية”. وهذا يعني أن حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله إرهابيون بحسب المعايير السعودية.
وبما أن مهمة المركز الأساسية هي “مكافحة التطرف والإرهاب بأحدث الطرق والوسائل فكرياً وإعلامياً ورقمياً” فإن الحزب والسيد نصر الله هما هدف أساسي ومباشر له.
من هنا يمكن فهم الحملة الممنهجة التي انطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي والتي شارك فيها عدد كبير من الخبراء، المحللين، الإعلاميين وغيرهم من الشخصيات التي تدور في الفلك السعودي الأمريكي، إضافة إلى آلاف الحسابات التي قام المركز ومن خلفه مخابرات الولايات المتحدة الأمريكية بإنشائها مستخدمين اللهجة العراقية، وهذا موضح في منهج المركز: “يعمل المركز بمختلف اللغات واللهجات الأكثر استخداماً لدى المتطرفين”، ما يعني أن السعوديين لن يستخدموا حساباتهم الخاصة في هذا المجال، بل سيتم الاعتماد على حسابات عراقية أو تتحدث اللهجة العراقية. بالمقابل ستعمل على حسابات لبنانية أو تتحدث باللهجة اللبنانية لرفع منسوب التوتر بين الأفرقاء وافتعال إشكال من دون سبب عسكري أو أمني مقنع.
وبذلك يستطيع السعوديون، ومعهم الأميركيون والإسرائيليون، أن يحققوا عبر الحرب الإلكترونية الناعمة ـ ومن خلال مراكز ممولة وحسابات مدفوعة ـ ما لم يستطيعوا تحقيقه من خلال دعمهم التنظيمات الإرهابية من داعش وأخواتها بالمليارات. فبعد فشل مشروع زرع الفتنة السنيّة الشيعية في تحقيق أهدافه، يعمل المركز ـ ومن خلفه السعودية والدول التي تدور في فلكها ـ على خلق صدع كبير بين شعوب محور المقاومة في محاولة لشق الصفوف.
من الناحية التقنية، تمتلك السعودية والولايات المتحدة الأمريكية أحدث الوسائل التقنية، من ناحية السيرفرات الضخمة، البرمجيات المعقدة، سرعات الإنترنت الكبيرة جداً، ويمكن باستخدام هذه التقنيات أن تقوم بوضع آلاف البرمجيات التي تعمل تلقائياً على خلق كمية هائلة من الحسابات عبر الفايسبوك وتويتر “Fake Accounts” وتقوم هذه البرمجيات بنشر مجموعة من الرسائل (Auto Tweet, Auto Post) المعدّة مسبقاً من قبل المحللين النفسيين المكلفين بإعداد رسائل تلعب على وتر الوطنية والعرقية والتبعية السياسية.
بعدها يتم خلق نوع من حملة إعلامية مصغرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام هذه الحسابات، ومن خلال تحليل المعلومات الخاصة بالصفحات والمجموعات الفيسبوكية يتم اختيار الرسائل المناسبة لنشرها في الصفحات المختارة، لتنتشر بعدها لدى الناشطين الالكترونيين وتصبح نوعاً من قضية رأي عام، يضطر السياسيون عندها للرضوخ للرأي الشعبي فيها، وهذا ما حصل في الحملة الحالية.
من الممكن أن نقسم الحسابات التي تقوم بالحملة إلى ثلاثة أقسام:
ـ القسم الأول من الحسابات وهو الحسابات الوهمية، والتي في مجملها ستجد أن أسماءها وصورها هي أسماء وصور وهمية أيضاً وهي إما يدوية قام مطلقو الحملة بتأسيسها، وإما تلقائية تعمل برامج حاسوبية على إدارتها.
وفي القضية التي يتم تناولها هنا، تم رصد العشرات من الحسابات التي تعمل بشكل إلكتروني على ترداد فكرة معينة متعلقة بقضية معركة الجرود، ومن ثم تحويلها إلى موجة تدوينات وتغريدات (على فايسبوك وتويتر)، وذلك لتمهيد الأرضية لخلق جو متوتر، يمكن استغلاله لتمرير مشروع زرع الفتنة بين أبناء خط المقاومة.
ـ القسم الثاني من الحسابات هو حسابات لأشخاص حقيقيين مخالفين لحزب الله وللسيد نصر الله يستغلون الفرصة ويخوضون الحملة بكل الإمكانيات المتاحة لديهم.
وتشمل هذه الفئة إرهابيي داعش الذين سيفيدهم كثيراً خلق صدع في جدار هذا التحالف، ويتامى البعث، وجماعات الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية والغربية الذين دخلوا على الخط، ولعبوا دوراً كبيراً في تفعيل الحملة والتشنيع على محور المقاومة بكل مكوّناته، بما فيها الحشد الشعبي العراقي.
وكان لافتاً أن هذه الحسابات تعتمد عبارات الشتم، وتستخدم أقذع الألفاظ، وهي تعمل على تهييج الجماهير، والرد على أي طرح عقلاني يناقش في الموضوع ويقدم الأدلة والبراهين على ظلم الحملة لحزب الله وأمينه العام.
ـ والقسم الثالث هم مواطنون عاديون انساقوا خلف الحملة نظراً لقوّتها ولعبها على العواطف والحساسيات، وهم الأغلبية التي يجب العمل على توعيتها وتوضيح الصورة بالنسبة لهم.
وما يجب الوقوف عنده أن أصحاب حسابات القسم الثالث يرددون الانتقادات التي أثارها العاملون في القسمين السابقين، ولكنهم يكتفون بطرح التساؤلات وطلب الإجابة عليها، ليبنوا عليها موقفهم. هم تأثروا بالحملة المبرمجة، ولكنهم ما زالوا يحسبون حساب خط الرجعة والسعي إلى “تبرير” ما حصل.
خلاصة الأمر أن الحرب الناعمة في أيامنا هذه هي أهم كثيراً من الحرب العسكرية، وهذا ما أدركه المحور المضاد، لذا يجب على كل شخص منا أن يكون جندياً في هذه الحرب، شريطة أن يعرف كيف يوجه لوحة مفاتيحه، ويجب دراسة كل كلمة بعناية ودقة فائقة. لسنا بوارد ـ في سياق المناقشة والشرح ـ أن نقوم بخلق حساسيات جديدة ومشاكل إضافية، وبذلك نكون قد شكّلنا ضرراً للخط أكثر من فائدتنا له، وخدمنا هدف الحملة المعادية بخلق الشقاق في محورنا، بدل أن نُفشل هذا الهدف.