“مجتمع الخوف” عقوبة جلبوها لأنفسهم

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي

ليس سراً أن المجتمع الإسرائيلي يعيش حالة من الخوف المستمر، وهذا الأمر ليس وليد العقد الأخير، رغم أنه تفاقم في السنوات الماضية، ولكنه سمة جُبلت بالكيان الغاصب منذ نشأته الأولى. وفي تحليل الأسباب وراء ذلك يمكننا أن نعرّج على عدة أصعدة ضمن كل منها عوامل مؤثرة نذكر أهمها.

 

أسباب الخوف في المجتمع الإسرائيلي:

 

1.بنية المجتمع اليهودي في الكيان تشكّل هاجساً داخلياً بحد ذاتها، وهنا يتشعب الأمر إلى عدة تحديات أو عوامل، وهي كالتالي:

 

أ.التعصب العرقي

 

يتألف المجتمع الإسرائيلي من عدة قوميات أو إذا صح القول من عدة مجموعات لكل منها أصولها الضاربة في قارات العالم المختلفة، والتي هاجرت لفلسطين المحتلة مع ولادة الكيان وبدء توسعه، وفي تفصيل الأمر، المجتمع الإسرائيلي يتشكل من:

 

الأشكناز: اليهود الذين ترجع أصولهم إلى أوروبا الشرقية.

 

السفارديم: اليهود الذين ترجع أصولهم إلى إسبانيا والبرتغال.

 

المزراحيون: اليهود الشرقيون بالمعنى الحرفي أو يهود الشرق الأوسط.

 

والمعضلة التي تؤدي إلى عدم الإستقرار هي غياب إنسجام هذه المكونات فضلاً عن العنصرية والحقد الذي تمارسه بحق بعضها الآخر، فمثلاً، الأشكناز والسفارديم لطالما استحقروا المزراحيم، إذ يعتبرونهم متخلّفين وبأنهم يقوّضون إدعاء “إسرائيل” بأنها تشكل نقطة متقدمة في الشرق الأوسط للغرب “المتمدن”، كما يعتبرونهم غير موثوقين ويمكن أن ينقلبوا عليهم مع باقي العرب في فلسطين أو الخارج، رغم أن المزراحيم يشكلون ما يقارب نصف اليهود من سكان الكيان إلّا أنهم يستبعدون من الوظائف الكبرى والمناصب المهمة إلا القليل منها.

 

ب.الشرخ الديني

 

عدم الإنسجام القومي على صعيد العرق ليس أزمة المجتمع الإسرائيلي الوحيدة، فأزمة الشرخ الديني تستفحل أكثر فأكثر مع مرور الوقت. فاليهود المتدينين داخل المجتمع الإسرائيلي لديهم خلافات حادة جداً مع اليهود العلمانيين، ولذلك تأثير مباشر على أمن الكيان الإسرائيلي. فلهذه الفئة إعتقادات راسخة ومتجذرة في أذهانهم تتعارض تماماً مع ما يطمح له قادة الكيان اليوم من العلمانيين وغيرهم.

 

وهنا نلفت إلى تأثير ذلك على صعود اليسار الإسرائيلي في الحياة السياسية ولما لهذا الصعود من سلبيات على طموح وخطط القيادة الإسرائيلية للكيان مستقبلاً وهذا بحث يطول نتطرأ له لاحقاً.

 

ج. نبذ الصهيونية وتقلص حجمها

 

عامل آخر يسبب هلعاً في الوسط الإسرائيلي هو أن الأغلبية “الصهيونية” إن جاز القول، والتي شكلت أغلبية المجتمع حتى التسعينيات لم تعد أغلبية اليوم وذلك وفقاً لآخر إحصائيات الهيئة “الإسرائيليية” للإحصاء، والتي أوردت أنه من المتوقع أن يشكل العرب الإسرائيليون، ويهود الحريديم شديدي التراثية والمعادين للحداثة كلها وللصهيونية، نصف طلبة المدارس خلال عامين فقط في إشارة إلى زيادة نسبة هؤلاء، وهذا ينبأ بإزدياد الخطر على الصهيونية من داخل الكيان نفسه.

 

2.فقدان الثقة بالقيادة على مدى عقود

 

الطبقة التي تمسك بالحكم في الكيان اليوم والحكومات المتعاقبة على هذا الحكم تشكل الهاجس الأكبر لدى الداخل الإسرائيلي. الهاجس الذي يجعلهم يخافون على مستقبل هذا الكيان وسط التخبطات المتوالية التي وقعت وتقع فيها هذه الطبقة السياسية والعسكرية، وهنا يمكننا الإشارة إلى بعض الإخفاقات التي جرّدت الشعب ثقته بحكّامه الصهاينة وجعلته يفقد الإستقرار ويزداد خوفاً مع تقدم الوقت.

 

أ.إقتصادياً

 

الحكومات الإسرائيلية تعاني منذ نشأة الكيان من مشاكل وصعوبات في معالجة الأوضاع الداخلية على الأصعدة كافة، فمثلاً سبق وأن ذكرنا أن العرب الإسرائيليين والحريديم يشكلون النسبة الأكبر من سكان الكيان، ولكنهم في الوقت نفسهم يشكلون الفئة الأكثر فقراً، وذلك بسب الإنتقائية التي تتعامل بها السلطات الإسرائيلية مع هؤلاء منذ عقود، إذ تبلغ نسبة الفقر بينهم أكثر من 50% وفقاً لتقارير رسمية.

 

وبلغة الأرقام وإستناداً على تقرير مؤسسة “التأمين الوطني” في الكيان، فإن عدد الفقراء في الكيان بلغ 1،709،300 شخص حتى عام 2014 والعدد في تزايد مستمر. وذكر التقرير أن نسبة الفقر في الكيان هي الأعلى بين دول العالم الغربي. كما أورد التقرير أن نسبة سوء التغذية تطال أكثر من 776،500 طفل. هذا وأدرج الكيان في المرتبة الثانية في أسفل قائمة الدول الأعضاء بمنظمة OECD من حيث أعداد الأطفال الفقراء.

 

الأمر لا يتوقف هنا بل يمتد إلى مشاكل أخرى كإرتفاع نسبة البطالة وإزدياد هجرة الشباب وملفات الفساد التي فُضحت خلال الأعوام السابقة وسجن جرّاءها الكثير من المسؤولين في أعلى المستويات ومن بينهم رئيس الوزراء “أولمرت”.

 

ب.عسكرياً وأمنياً

 

الشق الأمني والعسكري هو الآخر لا ينفك يثير حالة من الرعب وعدم الإستقرار داخل هذا المجتمع ويكفي هنا التطرق على نقاط ثلاث تلخص هواجس هؤلاء:

 

– خسارة حروب أمنية وعسكرية عدة خلال العقد الأخير في مواجهة المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، فضلاً عن الإختراقات الأمنية المتوالية التي تعرضت لها قطاعات أمنية عدة في الكيان.

 

– تنامي قدرات المقاومة في فلسطين ولبنان وتطورهما بشكل مستمر، وتحول حزب الله لقوة إقليمية مؤثرة يشكل عامل ضغط كبير كذلك.

 

–  تنامي قدرات إيران العسكرية والأمنية وخصوصاً الصاروخية وإنفتاحها على الغرب وتوقيعها الإتفاق النووي، وزيادة نفوذ هذا البلد في المنطقة والتواجد على الأراضي السورية يشكل رعباً إضافياً للإسرائيليين اليوم.

 

أخيراً نترككم مع كلمات الرئيس الإسرائيلي أمام مؤتمر هرتسيليا السنوي حين قال: “وفقاً للكثير من المعطيات يمكننا الخلوص إلى أن المجتمع الإسرائيلي يمر بتحول واسع النطاق سيعيد بناء هويته، وسيترك أثراً واضحاً على كيفية فهم هذا الكيان، وهو تغيّر لا مفر أو مهرب منه، فالمجتمع الإسرائيلي الجديد ليس نبوءة مخيفة ولكن واقع يمكن رؤيته بالفعل من تشكيل رواد الصف الأول الإسرائيليين.” في إشارة منه على حالة التشتت وإزدياد الفقر والمشاكل الداخلية والخوف على مستقبل هذا الكيان.

 

قد يعجبك ايضا