المصالحة بين حركة فتح وحماس تعود بالنفع على حماس
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
فتح وحماس حركتان فلسطينيتان، تميل كل منهما إلى جبهةٍ في المنطقة، وتبتعد عن جبهة أخرى. وهذا يعني أنهما لا تقفان مطلقاً في جبهة إقليمية واحدة في مواجهة جبهة إقليمية أخرى، وبالتالي فإن تقارب هاتين الحركتين المؤثرتين مع بعضهما البعض، سيساهم بشكل كبير في تعزيز جبهة إقليمية وإضعاف أخرى، وذلك اعتماداً على من يمتلك تأثير أقوى لتحقيق التوازن لصالحه.
وفي ما يخص الحركات والفصائل الفلسطينية، تستند استراتيجية إيران إلى ركيزتين: الأولى الحفاظ على المواقف وتعزيزها والالتزام بقضية تحرير فلسطين، والثانية حلّ الخلافات بين التيارات الفلسطينية والحفاظ على وحدتها.
وترتبط هاتان الاستراتيجيتان الأساسيتان والضروريتان ارتباطاً وثيقاً ببعضهما، لأن تحرير فلسطين من أيدي الكيان الصهيوني الغاصب، يعتمد على توحيد الفصائل الفلسطينية وحلّ الخلافات بينهما من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن وحدتهما مع بعضهما سيعطي معنىً ومفهوماً لقضية تحرير فلسطين.
وعلى الرغم من أن لدى إيران خلاف جوهري مع حركة فتح، حيث تعتبر الأولى أن الثانية تقدم خدمة للجانب السعودي – الأردني، إلّا أنه في الوقت نفسه، تعتقد الجمهورية الإسلامية أنه لا يمكن تجاهل القدرة الدولية والمحلية، ومن ناحية أخرى، فإن لحركة فتح جناح عسكري قوي، ولهذا فهي قريبة جداً من توجهات حماس ونهجها، كما أن الأخيرة قريبة من إيران ولها نصيب من الدعم الإيراني.
إن لحركة فتح في غزة والضفة الغربية طابع مُقاوم، حيث تؤكد هذه الحركة على القضية الفلسطينية وضرورة تحرير فلسطين وترى وجوب حل الخلافات مع إخوتها. وعلى هذا الأساس، فإن التقارب بين فتح وحماس، أمر ضروري بالنسبة لإيران حتى وإن تحقق بدعم أو برعاية دولة عربية غير حليفة، أو كان يحمل في طياته مخاطر، لأن من شأنه أن يعزز محور المقاومة. فعندما تتقارب حركتان يكون هدفهما القضية الفلسطينية، والتي تعد أهم ركيزة لاستراتيجية إيران، فإن قضية تحرير فلسطين ستأخذ طريقها بسرعة وبتكاليف أقل، شِئنا أم أبينا.
ويتوجب على حماس وحركة الجهاد الإسلامي والمؤسسات المتعلقة بهذين الفصيلين وسائر الفصائل التي تتقارب معهما، مثل القيادة العامة، أن يأخذا بعين الاعتبار احتياجات المواطنين الفلسطينيين، جنباً إلى جنب مع الجهود الرامية إلى تحقيق القضية الفلسطينية، حيث إن توفير حياة نسبية للمواطنين، سيشكل دعم وإسناد هام لنجاح حركات الجهاد التحررية.
لقد سلكت حماس مرة واحدة طريق حركة فتح العسير وفشلت في ذلك. وأدى فوزها بنسبة 75٪ في الانتخابات البرلمانية لعام 2005 إلى تشكيل حكومة برئاسة إسماعيل هنية في غزة حيث كانت هذه الحكومة تتمحور حول محور حماس، وكان يُعتقد أن تتحسن أوضاع الفلسطينيين ومقاومتهم لـ”إسرائيل”.
في الوقت نفسه، شهدت غزة ثلاثة حروب ( 22 و 11 و 51 يوما)، وتمكنت من الحاق الهزيمة بالعدوان الصهيوني وإحباط الأهداف العسكرية لتل أبيب. لكن هذا النصر تسبب بزيادة المشاكل المعيشية والصحية و… للناس، مما أضطر حماس للتخلي عن فكرة إقامة حكومة مستقلة، ومد يد التعاون مع حركة فتح. والحقيقة هي أن الاستفادة من العائدات الاقتصادية كانت تتطلب إلى حد كبير، تعاون السلطة الفلسطينية في رام الله. ولكن للأسف، تم حجب حكومة حماس، في حين كان الكيان الصهيوني المدعوم من الولايات المتحدة يحاصر قطاع غزة الصغير في مساحته، والمغلق حصاراً برياً وجوياً وبحرياً، ما أدى إلى وفاة المئات من الأطفال الفلسطينيين الذين يعانون من نقص التغذية وانعدام التجهيزات الطبية.
وآنذاك ضغطت الحكومة المصرية – خاصة بعد انهيار نظام الإخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي – كمثيلتها إسرائيل، على حكومة حماس الضعيفة في غزة، وقامت بإغلاق المعابر والأنفاق في جنوب القطاع.
وفي ذلك الوقت، كانت حماس قد وجدت نفسها أمام خيارين، الحفاظ على الحكومة أو الحفاظ على حياة الشعب الفلسطيني، وفي نهاية المطاف اضطرت إلى أن تعتمد الخيار الثاني كأولوية، ووافقت على شروط فتح إلى حد ما. وكانت الزيارة الأخيرة لوفد حماس إلى مصر – باعتبارها أهم راعي عربي للحركة – قائمة على ذلك.
وفي ذات الوقت أكدت مصر السيسي على أمرين؛ اعتماد وقف إطلاق النار مع الكيان الصهيوني، ما كان يعني انسحاب الفصائل الجهادية من مقاومة هذا الكيان، وتوسيع نطاق الحكومة في رام الله إلى غزة.
وقد قبلت (حماس) بالأمر ووضعت شرطاً لغرض الاستمرار به وهو امتناع الكيان الصهيوني من الهجوم على قطاع غزة والضفة الغربية. وأدركت حماس أن تل أبيب لن ترضى بإقامة حكومة فلسطينية في رام الله أو غزة، كما أنها أجّلت المسألة الثانية إلى الانتخابات لأنها تعلم أن النتائج لن تؤدي إلى فوز الطرف الأخر، ولن تُؤَسس حكومة بدون حماس.
وحالياً، توصلت حماس وفتح إلى مصالحة يتم على أساسها الإفراج عن سجناء حماس والجهاد الإسلامي المعتقلين في سجون تديرها السلطة الفلسطينية، وأيضا الاحتفاظ بحق مواجهة العدوان الإسرائيلي، وكذلك إدارة الأمور المعيشية في آلية مشتركة بين الجانبين.
في الوقت نفسه، قَبِل الطرفان بالقاهرة، كراعية للمحادثات، لكنهما قللا من دور الحكومة المصرية في القضايا الفلسطينية، في حين أكد الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” على احتضان محمد دحلان، الذي تربطه علاقات عميقة مع القاهرة وتل أبيب، ولم يحظى الأمر بقبول حماس، كما اعتبرته فتح شخصاً غير موثوق به، ما قلّص في النهاية من دور دحلان.
الآن، وإلى جانب المحادثات بين الطرفين الفلسطينيين الرئيسيين، تؤكد حماس على ضرورة إصلاح العلاقات مع إيران من جهة، وإصلاح العلاقة مع الحكومة السورية من جهة أخرى، وبعد اختيار إسماعيل هنية رئيساً للمكتب السياسي لحماس، والذي سيكون بمثابة زعيم للحركة في حال عدم إجراء انتخابات للأمين العام، وقد تم التأكيد على هاتين المسألتين في المصالحة التي اُعلن عنها رسمياً وإعلاميا.
وتجدر الإشارة إلى أن الانتخابات الداخلية لحماس قد أسفرت عن اختيار 16 عضواً من أعضاء المكتب السياسي (المكتب القيادي) الـ 18، وهم من الشخصيات الجهادية، منهم 12 من قطاع غزة والضفة الغربية.
والآن، يمكن القول إن تأثير المحور العربي، خاصة قطر على حماس، بات أقل بكثير من ذي قبل، وهذا الوضع يسمح للحركة أن تستقر في جبهة المقاومة.
وفي هذه الظروف، سوف يكون الاتفاق بين فتح وحماس لصالح الأخيرة، لأن كل من المجلس القيادي وحماس والجهاد الإسلامي يؤكدون على عدم التطبيع مع إسرائيل، وتتماشى فتح والقيادة العامة مع قيادة حماس. ومن المؤكد أن تقارب فتح وحماس سيعزز موقف إيران وجبهة المقاومة بين الفصائل الفلسطينية في حال تم تعزيز قوة حماس وموقفها المُقاوم.
يضاف إلى ذلك أن فلسطين كانت مهمّشة في داخل المحور العربي في السنوات الأخيرة بسبب تأثره بالسياسة الأمريكية القائمة على حفظ “أمن إسرائيل”، وتأثره كذلك بالأزمات في العديد من الدول العربية بسبب ظهور الجماعات التكفيرية الإرهابية، والذي أدى أيضاً إلى تضاؤل اهتمام هذه الدول بالقضية الفلسطينية.
إلى جانب ذلك، تشير التطورات التي تشهدها المنطقة لاسيّما ما يطرأ بالقرب من الحدود الجنوبية لتركيا، إلى تضاؤل اهتمام أنقرة في متابعة القضية الفلسطينية، وهذا من شأنه أن يدفع الفلسطينيين إلى محور المقاومة شاؤوا أم أبوا.
وبما أن فلسطين لا تتمكن من الدفاع عن نفسها دون دعم فعّال من قبل الدول الإسلامية ضد السياسات العدوانية للنظام الصهيوني، فإنه في حال تقاعس (المحور الإسلامي – العربي) عن القضية الفلسطينية، ستميل فلسطين إلى محور المقاومة أكثر، ونحن نشهد الآن دلائل على ذلك.
والأمر الآخر هو أن المنطقة العربية القريبة من فلسطين، تسعى للابتعاد عن مخاطر الجماعات التكفيرية الإرهابية المدعومة من السعودية قطر والإمارات وتركيا. وعلى الجانب الآخر، وتزامناً مع الانتصارات التي حققها محور المقاومة في مواجهة التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، وجد محور المقاومة استجابة وارتياح عام في المنطقة ما يجعل الفصائل الفلسطينية تعتمد على محور المقاومة في حل مشاكلها، والتعويل عليه لمواجهة التحركات العسكرية للكيان الصهيوني، واعتقال عدد كبير من عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي في قطاع غزة، الذي جرى في الأشهر الأخيرة، يلقي الضوء على هذه المسألة ويشير إليها بوضوح.