جلسة تأريخية للبرلمان في العاصمة صنعاء تهز عواصم العدوان
موقع أنصار الله || صحافة محلية || المسيرة: إبراهيم السراجي
من العاصمة صنعاء تهاوى ما تبقى من أحلام دول العدوان والمرتزقة عندما توجهت أنظار العالم إلى ما تحت قبة البرلمان اليمني الذي شهد، الخميسَ الماضي، جلسةً استثنائيةً وُصفت أيضاً بالتأريخية، ترأسها الرئيس صالح الصماد والشيخ يحيى الراعي رئيس مجلس النواب، معلناً بذلك نجاحَ جهود مستمرة وحثيثة امتدت لأَكْثَر من 50 يوماً لمعالجة آثار فتنة ديسمبر، في وقت كانت قوى العدوان تمني نفسها بأن أموالها قادرة على استمالة ضمير نواب الشعب، علّها ترمم شرعية الفار هادي، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً كفشلها في استخدام ورقة الفتنة.
وبحضور رئيس المجلس السياسي الأعلى ورئيس مجلس النواب وهيئة رئاسة المجلس وأعضائه، عقد مجلس النواب يوم الخميس بمقره في صنعاء جلسته الاستثنائية والأولى في العام الجديد، التي حملت الكثير من الأبعاد، منها أن أثبت الرئيس الصماد عمق نظرته وصدق توجهاته نحو لملمة الصف الوطني بمواجهة العدوان وفرض هيبة النظام والقانون عبر تفعيل كافة مُؤَسّسات الدولة.
وفي الجلسة ألقى الرئيسُ الصماد كلمةً حيّا في مستهلها ثباتَ وصموتَ هيئة رئاسة البرلمان والكتل واللجان البرلمانية، مؤكداً أن انعقاد المجلس ليس انعقاداً عادياً إنما انعقادٌ باليستي سيصيب العدوان في مقتل، وستكون له آثارٌ على المستوى الوطني والإقليمي والدولي إنْ كانت لهم آذان تسمع، وعقولٌ تدرك.
وأشار الرئيس الصماد إلى أن مجلسَ النواب وأعضاءه الذين يستمدون القوة من الشعب استطاعوا التغلب على المؤامرات التي استهدف البرلمان من قبل العدوان، ما جعله “الرقم الأصعب على الساحة السياسية والإقليمية والدولية”.
ورأى الصماد أن التواطؤ الدولي سمح للعدوان والمرتزقة باتخاذ خطوات دون أي مسوغ قانوني، بما في ذلك شرعنة العدوان، “إلاّ أن المُؤَسّسة البرلمانية ظلت تشكّلُ عقبة لهذه القوى، الأمر الذي جعلها في دائرة الاستهداف، سواءً من خلال ما أقدم عليه العدوان من استهداف مباشر لرئيس وأعضاء المجلس من خلال القصف والحصار، وفرض القيود عَلى تحرّكاتهم وسفرهم، وممارسة مهامهم، أَوْ من خلال محاولة إظهار مجموعة من الخونة الذين خانوا العهد والثقة التي منحهم الشعبُ فارتموا في أحضان العدوان من أجل المال المدنّس، وكانوا شركاء أساسيين في ما يرتكبه العدوان بحق أبناء شعبهم”.
سقوط رهان العدوان على الفتنة وتداعياتها
عندما خسرت قوى العدوان السعودي الأمريكي ورقتَها الأخيرَ بالقضاء على الفتنة في ديسمبر، ظنت أنه بإمكانها استثمار تداعياتها من خلال محاولة استمالة أعضاء مجلس النواب، إلا أنها تعرضت لصدمة جديدة من خلال رفض أعضاء البرلمان كُلَّ المغريات وتحدّيهم لكل التهديدات.
وفي هذا السياق قال الرئيس الصماد في كلمته “بعد أحداث ديسمبر ظن العدوان أنه يستطيع أن ينتزع السلطة من تحت سقف هذا البرلمان ليضمها إلى بقية أدواته؛ ليجعل منها سهماً ينال من خلاله من هذا الشعب، إلّا أن الوعي الوطني والقيم والأخلاق التي يتحلى بها الأعضاء ما كانت لتتلاشى أمام أي حدث أَوْ إرجاف أَوْ تهويل، وما كانت لتتأثر بأي صراع مهما كان، فهي مُؤَسّسة اليمن كُلّ اليمن”.
وتباهى الرئيس الصماد بالانتصار السياسي على قوى العدوان بانعقاد جلسة البرلمان بغالبية ساحقة قائلاً “ها نحن نجتمع من جديد وبالأغلبية الساحقة رغم ظروف العدوان والحصار، ورغم حجم الإغراء والتهديد والضغوط التي مورست بحق الأعضاء؛ لمنع التئام المجلس، وهذا موقف يجب أن يُسجَّلَ بأحرف من ذهب لكل من حضر”.
ولأن الانتصار الذي تحقق ما كان له أن يحدث لولا وطنية أعضاء البرلمان فإن الرئيس الصماد أقر لهم بحقهم وإنجازهم، مخاطباً الشعبَ اليمني “أقولها لكل من يسمعني من أبناء الشعب: إن هؤلاء الكوكبة يجب أن نضعَهم فوقَ رؤوسنا وفي حدقات أعيننا، ومَن لا يدرك حجمَ الصفعة التي تلقّاها العدوان بهذا الالتئام فهو إما جاهلٌ، أَوْ يتجاهل، أَوْ لا يدرك من فنون الصراع شيئاً”.
إغلاق ملف أحداث ديسمبر
في كلمته بجلسة البرلمان الاستثنائية أطلع الرئيسُ الصماد أعضاءَ المجلس على الجهود التي بُذلت لإغلاق ملف أحداث ديسمبر وتداعياتها وقال “نحن سعينا جاهدين لتطبيع الأوضاع بعد الأحداث المؤسفة في ديسمبر الماضي وعملنا بكل جهد لتجاوز آثار تلك المحنة، وقد شارفنا على إغلاق ملف المعتقلين والأسرى على ذمة تلك الأحداث، وقد تم إخراج جميع المدنيين الذين قاتلوا ويتم الآن تجهيزُ مَن تبقى من العسكريين، وخلال يومين سيتم إطلاقهم بحضور السلطة المحلية والوجاهات الاجتماعية، وقادة الوحدات العسكرية المنتمين إليها”.
وطالب الرئيس الصماد من أعضاء المجلس بالاضطلاع بدور كبير من خلال متابعة استقامة المفرج عنهم وانضباطهم في مناطقهم ووحداتهم، مشيراً إلى الجهود المبذولة بكل صدق في تعزيز الوضع الأمني ومنع أية تجاوزات أَوْ تصفيات من أي طرف قد يحاول استغلال الأحداث للزج بالبلاد في أتون فوضى عارمة لا تحمد عقباها.
كما أقر الرئيس الصماد بحدوث تجاوزات محدودة خلال أحداث ديسمبر، مؤكداً أنها كانت محصورة فيما لا يزيد عن 20 حالة اشتباه، إما لوجود مطلوبين أَوْ سلاح أَوْ تجاوُزات من أطراف حاولت استغلال الأحداث لتحقيق مآرب شخصية أَوْ عدوانية، مضيفاً أنه “مع ذلك حوّلنا هذا التحدي إلى فرصة لتثبيت الوضع الأمني والاستقرار، والعمل على تثبيت النظام والقانون، فكانت هناك عدة لقاءات مع الأجهزة الأمنية والقضاء والنيابة وبحضور الأخ رئيس مجلس النواب، وتم التأكيد والتشديد على الأجهزة الأمنية بقوة احترام الحقوق والحريات والالتزام بالضوابط والمعايير القانونية للضبط والتحقيق والتفتيش”.
وكشف الرئيس أنه “تم ضبط وتوقيف عدة حالات حصلت بالتجاوز رغم ضيق الوقت لتحقيق الأَهْدَاف التي أشرنا إليها في تثبيت النظام والقانون، كما قطعنا شوطاً في تعزيز دور الإخوة في حكومة الإنقاذ وتذليل كامل الصعوبات أمامهم لتسهيل قيامهم بمهامهم المنوطة بهم على أكمل وجه وإنهاء أية مظاهر للاختلالات والازدواج”.
وأكد الصماد لأعضاء البرلمان على السعي باتجاه تثبيت دولة النظام والقانون، وأن ذلك السعي ليس مزايدة بل مسؤولية على عاتق الجميع، وقال إن “بإمكان الإخوة في مجلس النواب ومن خلال صلاحياتهم التشريعية والرقابية أن يسهموا بشكل كبير في تثبيت تلك الخطوات ومحاسبة كُلّ من تقاعس عن الالتزام أَوْ التنفيذ حتى نستطيع الوصول إلى تحقيق أَهْدَاف شعبنا في سيادة النظام والقانون ودولة المُؤَسّسات”.
أبواب العودة مفتوحة
لم ينسَ الرئيسُ الصماد في ختام كلمته التذكيرَ بوجود أعضاء من البرلمان حال المرض أَوْ الحصار من مشاركتهم في الجلسة لتواجدهم خارج الوطن.
وأكد في الوقت ذاته أن الباب مفتوحٌ لعودة الأعضاء الذين انخرطوا في مشروع العدوان قائلاً “أما أولئك الذين انضمّوا لصف العدوان واستغلهم لتحقيق مآربه وأَهْدَافه ويسعَون وراء الفتات من أموال آل سعود فأقول لهم: أنتم الآن قد تحظون بالشيء اليسير من المال السعودي المدنّس بدماء شعبكم، ولكنكم مقابله ستخسرون الكثير الكثير، ستخسرون دنياكم وآخرتكم، ستخسرون شعبكم، وَمستقبلكم السياسي، فالجماهير التي انتخبتكم في دوائركم أخذت منكم العهد بالحفاظ على الوطن واستقلاله وتمثيلهم خير تمثيل، وأنتم اليوم تقفون على النقيض تماماً ولن يكون لكم أي مستقبل”.
ودعا الرئيس الصماد أعضاء البرلمان الذين ارتموا في أحضان دول العدوان إلى العودة لرشدهم ووطنهم والاعتذار من الشعب اليمني.
وأضاف في هذا السياق قائلاً “عودوا إلى رشدكم وارجعوا إلى وطنكم واعتذروا لشعبكم، ونحن وشعبنا كرماء، وَكما كنا كرماء في من شاركوا في الفتنة الأخيرة سنكون كرماء إذا رجعتم عن غيكم رغم الجراح والألم، ومستعدون لتـأمين سبل العيش لكم بكرامة مع شعبكم، ولا تبقوا أذلاء تحت رحمة عدوكم”.
وحدّد الرئيس الصماد معادلةً وحيدةً للتعامل مع بعض الأعضاء الذين انخرطوا في مشروع العدوان من خلال دعوتهم للعودة إلى صنعاء ويكونون محل ترحيب أَوْ يغادرون صف العدوان إلى أي بلد آخر ويتبرأون من العدوان، مؤكداً أن الدولة ستقدم لهم الدعم وتأمين معيشتهم حتى يتسنى لهم العودة للوطن، أما من رفض منهم الدعوة “فلا عاد واعتذر، ولا اعتزل العدوان وتبرأ منه، فإننا ومعنا جميع شعبنا نعتبره خائناً لله والوطن، وينبغي على الأجهزة المعنية تطبيق القوانين النافذة بحقه باعتباره خان الأمانة وتآمر على الشعب”.
وأضاف أن “رئيس المجلس وهيئة الرئاسة معنيون بمتابعة ما ذكر، فلعل وعسى أن يسمعوا النصحَ ويرجعوا عن غيهم رغم علمي وتيقني أن هذه الدعوة قد تستفزُّ الكثيرَ من أبناء شعبنا الذين اكتووا بالعدوان والحصار، ولكن نحن واثقون تمام الثقة في وعي ونضج شعبنا أمامَ كُلّ التحديات والمؤامرات وفي كُلّ المنعطفات”.
الراعي: مع اليمن والدستور والقانون
في الجلسة الاستثنائية ألقى رئيس مجلس النواب يحيى الراعي كلمةً أَكَّدَ خلالها أن المجلس وأعضاءه لن يخونوا القَسَم الوطني وسيبقون مع اليمن وإلى جانب المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الرئيس الصماد يتمتع بالصدق والأمانة والحرص على البرلمان وأعضائه.
وقال الراعي مخاطباً أعضاء المجلس “باسمكم نرحّبُ بالأخ رئيس المجلس السياسي الأعلى الأخ صالح الصماد، ونشكره على الحضور اليوم إلى قبة البرلمان الذي نحس بكل صدق وأمانة أنه يتلمس المشاكل دائماً ويتصل بي ويسأل عنكم”.
وأضاف “طلبنا الرئيس الصماد اليوم لأجل يشكرُكم على صمودكم وما تبذلونه وكي يسمع منكم همومكم، وَمن أجل أن تخففوا على رئيس المجلس، وعلينا أن نتعاون في ظل هذه الظروف أنحنا نكون مع اليمن”.
وأكد الراعي أن رئاسة المجلس وأعضاءه أقسموا اليمين تحت قبة البرلمان بأن يكونوا “مع اليمن ومع دفة اليمن”.
وأضاف “مجلس النواب في القاعة لم يكن منتمياً إلى حزب، ونحن هنا نمثّل اليمن، ونقوم مع اليمن، ونمد أيدينا إلى من يحارب اليمن ونساند من يساند اليمن، نعتبر في هذا المكان كتلة واحدة مع المجلس السياسي ومع الحكومة ومع صالح اليمن”.
وختم الراعي كلمتَه بالقول “لن نخضع للذين يحاولون ابتزازنا من الخارج ولا من الداخل، ولن نتوجه في هذا المكان إلا لنكونَ مع الدستور والقانون وسنكون عند حُسن ظنكم”.