السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وبلاغة النساء
موقع أنصار الله || مقالات || أحلام شرف الدين
لا يختلف اثنان على فضل السيدة فاطمة الزهراء –عليها السلام- ونجدها في كتب كبار السنة والشيعة لكنا لا نجد في أكثرها ما يتحدث عن دورها الجهادي أو لغتها الفصيحة أو يومياتها في معترك الحياة فكل ما ألفناه هو “لو سرقت فاطمة لقطعت يدها” وروايات متناقضة عن فدك، ولا ندري كيف استطاع التاريخ أن يلتوي على فضائل أخرى وحقائق عظمى، ولا نعرف كيف طوى أوراقا كثيرة من صفحات أهل البيت اليومية، فجعلها تقتصر على الحروب والمعارك والبحث عن الخلافة لا كحق بل منصب متجاهلا نص الولاية أصلا.
وإذ نمر بذكرى ميلاد السيدة الزهراء فإن من حقها علينا أن نذكر جوانب مختلفة في حياتها لا اختلافا ولا ترجمة غير واردة حقيقة إنما هي أمور واضحة مهما حاول الأعداء وأزلامهم طمسها، ودعوني أؤكد لكم ذلك في إحدى الجوانب المهمة، فقد كان لسيدتنا الفاضلة الزهراء –عليها السلام- سيدة نساء العالمين دور بارز في الجانب الثقافي، وقد يكون ذلك الموضوع متناثر الأطراف هنا وهناك أو لا يكاد يبين، فمنه ما دفن معها ومنه، ما حاول إخفاءه المبطلون لكن الحق بين.
بلاغة الزهراء
كم فكرت وفكرت طويلا كلما كنت أفتح الصحيفة الفاطمية التي كنت أخرج بنفائسها من ضيق الحياة وصلف العيش إلى راحة البال وسكون النفس وطمأنينة القلب، فلا بد أولا أن أما كالزهراء –عليها السلام- أخرجت سيدي شباب الجنة تخرّجت من جامعة أهل البيت –عليهم السلام- بامتياز وهو ما يجعلها تدخل في قوله –تعالى- في آية التطهير: “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا” (الأحزاب:33)، إن المدرك دور الأم يدرك كيف كانت لغة الزهراء التربوية التي تنشئ حسنا وحسينا وزينبا، حيث كانت البداية مع الطفولة وهي البذرة الأولى للتربية؛ ولا بد أن السيدة الزهراء كان لها قاموس لغوي خاص مع أولادها وثقافة قرآنية متميزة ربانية، حين جعلت القرآن المنهج والطريق والخطة اليومية، ولنتأمل هذين البيتين التي تخاطب بهما الحسن وتحثه على السير على طريق أبيه أمير المؤمنين:
أَشبِه أَباكَ يا حَسَن وَاخلَع عَنِ الحقّ الرسَن
وَاعبُد إِلهاً ذا مَنن وَلا توالِ ذا الإحَن
وأمعن في خطبتها الفدكية التي أبكت الرجال من المهاجرين والأنصار، لقد ملكت زمام الخطابة فعرفت كيف تبدأ وكيف تختم، وتستخدم أسلوب الزجر والاستعطاف وربط الحاضر بالماضي وغيرها من الأساليب البليغة التي تحتاج دراسة واسعة، وهذا جزء من خطبتها البليغة:
“فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد ص بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيداً في أولياء الله، مشمراً ناصحاً مجداً كادحاً، لا تأخذه في الله لومة لائم، وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون تتربصون بنا الدوائر، وتتوكفون الأخبار وتنكصون عند النزال وتفرون من القتال، فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ظهر فيكم حسكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين ونبغ خامل الأقلين وهدر فريق المبطلين, فخطر في عرصاتكم وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا، وأحمشكم فألفاكم غضابا، فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير مشربكم هذا، والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر ابتدارا؛ زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم وكيف بكم وأنى تؤفكون وكتاب الله بين أظهركم أموره ظاهرة وأحكامه زاهرة وأعلامه باهرة وزواجره لائحة وأوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم أرغبة عنه تريدون أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلا، ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها ويسلس قيادها ثم أخذتم تورون وقدتها وتهيجون جمرتها وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي وإطفاء أنوار الدين الجلي وإهمال سنن النبي الصفي.”
لغة الصحيفة الفاطمية
لغة القرآن الكريم كفيلة بإخراج مستوعب سطوره وآياته إلى مرتبة علماء اللغة وأساتذة الأسلوب؛ وهو الكتاب الذي لم يستطع أحد الوقوف في جبهة التحدي أمامه إلا سقط صريعا وهو ما أكد عليه القرآن في أكثر من آية؛ قال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23].
أفليست الزهراء حقا سيدة نساء العالمين حين حازت على التخصصات جميعها، وتستحق لقب سيدة نساء العالمين لكل عام ولا يحل محلها أخرى بعد عصرها، ويوم مولدها هو الأجدر أن يكون يوم المرأة العالمي لأنها الأنموذج السليم للمرأة، فسلام الله عليها ما طلعت شمس وما لاح كوكب.