إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من أمريكا.. الأهداف والنتائج

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي

 

في الوقت الذي تشهد فيه خطة ترامب تجاه فلسطين، والمعروفة بصفقة القرن، تراجعاً تدريجياً تستمر التصرفات الرئاسية الأمريكية المعادية للفلسطينيين، فبعد أقل من أسبوع على وقف المساعدات الأمريكية لوكالة الأونروا الفلسطينية (وهي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى)، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الاثنين الماضي، إغلاق البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في واشنطن متهمة القادة الفلسطينيين بعدم إجراء “مفاوضات مباشرة ومهمة مع إسرائيل”، وبالرغم من عداء ترامب الواضح للفلسطينيين منذ وصوله إلى البيت الأبيض، لم يكن متوقعاً أن يقدم على هكذا خطوة اعتبرها القادة العرب والغرب خطوة عنصرية تجاه الفلسطينيين، حتى أن الجامعة العربية المعروفة بتأييدها للسياسات الأمريكية في المنطقة اعتبرت هذا التصرف تصرفاً عنصرياً ضد الفلسطينيين، هذا الإجراء دفع بالقارئ العربي والعالمي للتساؤل عن أبعاد وأهداف الإجراء الأمريكي الأخير على تطورات الساحة الفلسطينية؟

 

ضغوط ترامب الجديدة على الفلسطينيين من أجل ماذا؟

 

يرى محللون أمريكيون وفلسطينيون أن إقدامات ترامب الأخيرة بقطع المساعدات الأمريكية لوكالة الأونروا الفلسطينية، والتي أتت بعد رفض الفلسطينيين المتكرر لصفقة القرن، ما هي إلا محاولة منه لجذب الفلسطينيين مرة أخرى إلى طاولة الحوار وهذه المرة عبر قطع المساعدات الحيوية التي تمسّ المواطن الفلسطيني.

 

ويشير المحللون إلى أن الحقيقة تتمثل بأن الفلسطينيين لا يرغبون في التحدث مع الأمريكيين خاصة بعد إعلانهم للقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، حتى أنهم قاموا بمقاطعة مايك بنس، النائب الأول لرئيس أمريكا عندما كان في رحلة إلى الشرق الأوسط، ورفعوا دعاوى ضد الكيان الإسرائيلي في محكمة الجناية الدولية، وهنا يؤكد المحللون أن ترامب يريد طرح صياغة جديدة للحوار مع الفلسطينيين وهي “المال مقابل القبول بصفقة القرن”.

 

كما أن هناك سبباً آخر لقطع ترامب المساعدات الأمريكية لوكالة الأونروا الفلسطينية، وهو أنه يريد منع الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم، عبر إلغاء مفهوم اللاجئين عنهم وفي النهاية إلغاء حق العودة للفلسطينيين، وفي هذا السياق قالت قنوات إسرائيلية أن ترامب سيعتبر أن اللاجئين الفلسطينيين يبلغ عددهم نصف مليون لاجئ فقط، وليس 5 ملايين كما تقول منظمة الأمم المتحدة لتشغيل وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، في إشارة إلى الاعتراف فقط بالأشخاص الذين هجّرتهم العصابات الصهيونية من قراهم ومدنهم عام 1948.

 

ما هي الخيارات المتاحة للفلسطينيين ضد إجراء ترامب؟

 

الإجابة على هذا السؤال سهلة، خاصة من قوى المقاومة الفلسطينية، التي ستعتمد خيار المقاومة كما جرت العادة في جميع السنوات الماضية، إلا أنه من اللافت للنظر هنا هو تفاعل السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس مع الضغوط الأمريكية، حيث أعلنت قبولها الحوار مع أمريكا لكن ضمن شروط، وتتمثل الإجراءات التي يمكن أن تتخذها السلطة الفلسطينية مقابل الضغوط الأمريكية فيما يلي:

 

أولاً- وقف التعاون الأمني مع أمريكا والصهاينة: بعد يومين من إغلاق أمريكا مكتب السلطة الفلسطينية في واشنطن، أفاد موقع “كان الإسرائيلي” مساء الثلاثاء الماضي، أن السلطة الفلسطينية تفكّر في إنهاء التعاون مع أمريكا، بما في ذلك العلاقات الأمنية، ونقل الموقع عن مسؤول وصفته بالكبير في منظمة التحرير الفلسطينية قوله إن “قادة السلطة الفلسطينية، يهددون بتجميد التنسيق الاستخباراتي الأمني مع الاستخبارات الأمريكية CIA”. كما أنه منذ اتفاقيات أوسلو، تعمل شرطة السلطة الفلسطينية بشكل وثيق مع قوات الأمن الصهيونية، وتستطيع اليوم تعليق هذا التنسيق، ويعدّ وقف هذا التعاون في الضفة الغربية تحدياً أمنياً جديداً سيواجهه الصهاينة وسيضع المزيد من المشكلات أمام المستوطنين.

 

ثانياً- التقرّب من المحور الروسي -الصيني -الأوروبي المناهض لأمريكا:

 

تستطيع السلطة الفلسطينية أيضاً تقوية روابطها السياسية وحتى الاقتصادية مع الدول الأخرى، بما في ذلك الصين وروسيا وحتى بعض الدول الأوروبية التي تعارض إجراءات ترامب بشكل عام، إجراءات لم تسلم حتى هي منها، وفي هذا السياق قالت وزارة الخارجية الألمانية: “نظراً لغياب التواصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الوقت الراهن، فإننا نشعر بالقلق من أن تسبب الخطوة الأمريكية بإغلاق مكتب البعثة الفلسطينية في واشنطن مزيداً من التوتر، ما يؤثر بالسلب على إمكانية استئناف المحادثات بشأن حلّ الدولتين”.

 

ومن ناحية أخرى، نرى تحركات موسكو للعب دور مهم على الساحة الفلسطينية، حيث شهدنا حتى اليوم زيارتين للرئيس الفلسطيني محمود عباس في فبراير ويوليو عام 2018 إلى موسكو وجلوسه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل إيجاد طرق وحلول لتخطي الضغوط الأمريكية، لذلك، يمكن القول إن هذه العلاقات تستطيع تعويض بعض الاحتياجات المالية للمنظمة مقابل وقف المساعدات الأمريكية، كما ستسمح من ناحية أخرى بتشكيل محور مع روسيا والصين وأوروبا مقابل المحور الأمريكي الإسرائيلي، حتى أن المنظمة الفلسطينية بإمكانها في المستقبل التوجه إلى القارة الإفريقية والتعاون مع بعض الدول التي لديها علاقات مضطربة مع أمريكا وتشكيل محور أوسع داعم لها في وجه أمريكا وإسرائيل.

 

ثالثاً-التنسيق مع المقاومة: من دون أدنى شك، إن واحدة من النقاط الإيجابية لضغوط ترامب ضد الفلسطينيين، أنها رفعت من روح الشعب الفلسطيني الذي يطالب بالمقاومة، فلطالما كانت السلطة الفلسطينية ترفع شعار الحوار مع الإسرائيلي من أجل حلّ النزاع بينهما، إلا أن إجراءات ترامب ووقوفه إلى جانب الإسرائيليين بشكل واضح، أسقط مفهوم الحوار مع الكيان الإسرائيلي مقابل ارتفاع مفهوم المقاومة بين أبناء الشعب الفلسطيني، ويمكن القول إن تنسيق السلطة الفلسطينية مع المقاومة هو الإجراء الأمثل لإسقاط مشروع ترامب الذي رسمه من أجل القضاء على القضية الفلسطينية.

 

في الختام.. يمكن القول إن اغلاق مركز البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في واشنطن ما هو إلا إجراء رمزي لا يمكن أن يؤثر على القرار الفلسطيني، بل على العكس تماماً سيزيد من الصعوبات أمام نجاح صفقة القرن التي تتبناها أمريكا وإسرائيل.

قد يعجبك ايضا