الإمارات تريد الغاز بعد النفط: مساعٍ محمومة تصطدم بـ«الإصلاح»
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الاخبار اللبنانية: رشيد الحداد
تسعى الإمارات، منذ فترة، إلى السيطرة على منابع الغاز الطبيعي في محافظة شبوة بشتّى السبل، بهدف تفعيل سيطرتها على ميناء تصدير الغاز الواقع في منطقة بلحاف. لكن تلك المساعي لم توصل أبو ظبي إلى ما تريده حتى الآن، بفعل النفوذ «الإصلاحي» الكبير في القطاعات الغازية. «حرب باردة» تهدّد بتفجير الأوضاع ما بين شبوة ومأرب، مع ما يعنيه الأمر من إحياء نزعات قبلية ومناطقية.
تصطدم مساعي الإمارات في الوصول إلى منابع الغاز الطبيعي المسال في محافظة شبوة (جنوب)، بمصالح حزب «الإصلاح» (إخوان مسلمون)، الذي يفرض سيطرته على أكثر من 700 بئر من النفط والغاز في المناطق الواقعة بين محافظتَي شبوة ومأرب. لذا، تجد أبو ظبي، التي سيطرت على قرابة 60% من حقول النفط في شبوة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، نفسها اليوم أمام تحدّي مواجهة فعلية، تتجاوز صراع النفوذ إلى صراع المصالح. وعلى رغم تراجع التوتر بين القوات الموالية للإمارات وتلك التابعة للرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي في نطاق محافظة شبوة، إلا أن طرفَي الصراع يستعدان على ما يبدو لمعركة فاصلة، خصوصاً أن أبو ظبي، التي دخلت شبوة منتصف العام الماضي وعينها على منابع النفط والغاز، وُضعت أمام استحقاق غير تقليدي، بعدما سيطرت على ميناء تصدير الغاز المسال ـــ الذي كلّفت عملية إنشائه 7 مليارات دولار ـــ مطلع الشهر الجاري، من دون أن تتمكّن من استغلاله بفعل سيطرة «الإصلاح» على الحقول الواقعة بين مأرب وشبوة.
أولى بوادر تلك المعركة قيام الإمارات، مطلع الشهر الحالي، عبر قوات «النخبة الشبوانية» الموالية لها، بمحاولة جسّ نبض «الإصلاح»، وذلك من خلال السيطرة على ميناءَي النشيمة والبيضاء في مديرية بئر علي، واستحداث معسكر تدريب في ميناء النشيمة النفطي، واستقبال المزيد من المجنّدين الجدد الراغبين في الالتحاق بالقوات التابعة لأبو ظبي. كذلك، أعلنت الإمارات سيطرتها على قاعدة «مرة» العسكرية، والاتجاه نحو مناطق نفوذ «الإصلاح»، الذي كان قد توقّع حدوث تصادم مع خصومه منذ أشهر، مُعلِناً مديرية بيحان والمناطق النفطية الخاضعة لسيطرة قوات هادي، التي ينتمي منتسبوها إلى «الإصلاح»، منطقة أمنية تابعة لمحافظة مأرب. وهو ما عدّه رئيس «مجلس أبناء بيحان» المحسوب على الإمارات، علي المصعبي، مطلع آب/ أغسطس الماضي، «عملية إلحاق لأراضٍ جنوبية بمحافظة مأرب، بهدف حماية مصالح جنرالات النفط».
ذرائع التصعيد
بعد سقوط ذريعة مكافحة الإرهاب في معركة بئر علي، وانقلاب أبو ظبي على القيادات القبلية في بلحاف الشهر الماضي، لجأت الإمارات إلى إثارة المجتمع باستخدام ورقة المناطقية. هكذا جرى الترويج، إماراتياً، لكون أي تعزيزات عسكرية قادمة من قبيلة مراد في محافظة مأرب إلى بيحان بمثابة «احتلال شمالي لأراضي الجنوب»، وكذلك اعتبار استحداث «اللواء 163» الموالي لهادي، والمنتمي عناصره إلى بيحان، نقاطاً عسكرية ممتدة من نصاب وحتى مرخة «تصعيداً عسكرياً شمالياً». إلا أن مصادر قبلية في بيحان نفت وصول أي قوات عسكرية موالية لـ«الإصلاح» من مأرب، مُنبّهة إلى أن التحريض على اللواء الذي يقوده صالح لقصم الحارثي سيدفع قبيلة بلحارث، إحدى أبرز قبائل شبوة المسلحة، إلى مواجهة القوات الإماراتية، وهو ما دفع زعماء قبائل إلى التدخل بهدف تخفيف حدة التوتر.
تسيطر أبو ظبي على قرابة 60% من حقول النفط في شبوة
مع ذلك، عادت أبو ظبي لمحاولة تبرير مساعيها في السيطرة على المناطق الحدودية بين محافظتَي شبوة ومأرب، بضرورة تأمين المناطق الحدودية الجنوبية وفق حدود ما قبل 1990، بما ينسجم مع خطاب «المجلس الانتقالي» الموالي للإمارات، والداعي إلى فرض الانفصال، واستعادة «ثروات الجنوب المنهوبة». وهو ما كرّره، أخيراً، عضو «الانتقالي»، صالح بن فريد العولقي، الذي ينشط في أوساط القبائل «الشبوانية» لإقناعها بصوابية تحرك قوات «النخبة». وشدد العولقي، في لقاء قبلي في عتق الأسبوع الماضي، على «ضرورة طرد القوات الشمالية التي لا علاقة لها بالوحدة ولا بأمن الشركات النفطية، وإنما تحمي هوامير النفط الشماليين»، مُتوعّداً بـ«سيطرة قوات النخبة الشبوانية على كامل أراضي شبوة، ونشر قوات جنوبية في كل مديريات المحافظة الجنوبية الحدودية مع محافظة مأرب خلال الأسابيع القادمة».
مخاطر المواجهة
في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، دفعت الإمارات رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، إلى لقاء ممثّل عن شركة «توتال» الفرنسية في القاهرة، لمناقشة إمكانية تولّي «المجلس» تأمين صادرات الغاز المسال مقابل استئناف الشركة عمليات الإنتاج، أسوة بشركة «OMV» النمساوية التي أعادت إنتاج النفط من قطاع «العقلة» الذي ينتج 18 ألف برميل نفط يومياً، إلا أن تلك المساعي قوبلت برفض «توتال»، التي أكدت أن عملية إنتاج الغاز المسال محكومة باتفاقيات ملزمة مع الحكومة اليمنية. ووفقاً لمصادر محلية في شبوة، فإن أبو ظبي، التي لا تزال تستهلك قرابة 25% من احتياجاتها من الغاز المسال من دولة قطر، تخطّط منذ عام لتأمين تلك الاحتياجات من الغاز المسال اليمني والاستغناء عن الدوحة، إلا أن خططها اصطدمت بوقوع مصادر الغاز المسال في قطاع «جنة» النفطي والغازي الكائن بين شبوة ومأرب، والواقع تحت سيطرة «الإصلاح»، وهو ما يفتح احتمالات مواجهة مع الأخير قد تفجّر الأوضاع في المنطقة الحدودية بين المحافظتين.
يضاف إلى ذلك أن أي محاولة لتحقيق تلك المطامع، ولو تحت ذريعة «تأمين حدود الجنوب»، ستعيد فتح صراع التشطير مرة أخرى، وقد تنهي الهدنة القبلية الموقّعة بين قبيلتَي بلحارث التابعة لشبوة، وقبيلة آل طهيف التابعة لمأرب، واللتين يمتد الصراع بينهما إلى تاريخ حفر أول بئر نفط في قطاع «جنة» عام 1985، حيث أدت الحرب آنذاك إلى مقتل العشرات من الطرفين. كذلك ستضع هذه المحاولات القوات الموالية للإمارات أمام أول مواجهة عسكرية حقيقية (بعد مواجهات شكلية مع «القاعدة» هي أقرب إلى الصفقات)، خصوصاً أن هناك المئات من آبار النفط الواقعة في مناطق حدودية بين مأرب وشبوة من إجمالي 700 بئر نفطية وغازية تقع تحت إدارة شركة صافر اليمنية، التي تنتج النفط والغاز من 23 حقلاً نفطياً، ويُقدّر إنتاجها بـ35 ألف برميل نفط، و2.7 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً، بما تُقدّر عائداته بأكثر من نصف مليار دولار سنوياً يجري إنفاقها خارج الأجهزة الرقابية للجمهورية.
العين على «حوض السبعتين»
على رغم سيطرتها على عدد مهم من القطاعات النفطية في شبوة، وأجزاء كبيرة من المناطق التي يمرّ عبرها أنبوب الغاز المسال الممتدّ من مأرب إلى شبوة، إلا أن أبو ظبي لم تسيطر حتى الآن على حقل «ذهبا» النفطي في عسيلان، الواقع تحت سيطرة قوات «اللواء 26 ميكا»، التابع للمنطقة العسكرية في مأرب. كذلك، تسعى الإمارات إلى الاقتراب من «حوض السبعتين» النفطي الواقع بين شبوة وحضرموت ومأرب، الذي توجد فيه قوات تابعة للجنرال على محسن الأحمر، تتولّى حماية عدد من القطاعات في صحراء السبعتين. وفي حال سقوط «الحوض» المذكور، فإن سيطرة القوات الموالية لـ«الإصلاح» على منفذ الوديعة، الذي تصل إيراداته الشهرية إلى أكثر من 3 مليارات ريال وتُصادَر إلى مدينة مأرب، ستتهدّد. وتريد الإمارات من وراء محاولاتها للسيطرة على «حوض السبعتين»، الاقتراب من منابع النفط في صافر، واستغلال الثروات الكامنة في «الحوض»، الذي تفيد الدراسات الجيولوجية بأن مخزونه من الغاز المسال يُقدّر بـ35 تريليون قدم مكعب.