خفايا التدخل الأميركي في اليمن” نحو وجود طويل الأمد!

|| صحافة عربية ودولية || الأخبار اللبنانية

 

يخرج «الثعلب الأميركي» على العالم بثياب مُطفئ الحرائق. ينفض يده من شلالات الدماء التي سالت في اليمن منذ آذار/ مارس 2015، ويصوّر نفسه بوصفه وسيطاً ما بين أطراف النزاع. طيلة أكثر من ثلاث سنوات ونصف سنة، كان دور الولايات المتحدة واضحاً في التسليح والتخطيط والإدارة والدعم اللوجستي والمشاركة الاستخبارية والتغطية السياسية، لكن الواهمين وحدهم مَن أرادوا أن يصدّقوا «دموع التماسيح» التي ذُرفت تكراراً عقب كل مجزرة ارتكبها «التحالف» بحق المدنيين. اليوم، لا تريد واشنطن التخلّي عن الخداع، إنما تحاول ممارسة شكل مختلف من أشكاله، عبر تحميل فظائع الحرب لحلفائها الذين «لا يعرفون كيفية استخدام السلاح» وفق ما قال الرئيس دونالد ترامب عن السعوديين مطلع الشهر الحالي. وهو موقف يندرج في إطار مساعي إدارة ترامب لمواجهة الضغوط المتصاعدة عليها على خلفية حرب اليمن، والتي ستتضاعف مع فوز الديموقراطيين بغالبية مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، ونفور الجمهوريين كذلك من فكرة استمرار حملتَي «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل»، اللتين لا تبدو إدامتهما متّسقة وخطة أميركية جديدة للمنطقة بدأت تتبلور منذ ما قبل اغتيال جمال خاشقجي، وجاء مقتل الأخير ليثبّت بالنسبة إلى صقور إدارة ترامب ضرورة المضيّ فيها.

على أي حال، وحتى لو أدى الموقف الأميركي المستجدّ، الداعي إلى وقف القتال والعودة إلى المفاوضات، إلى إطلاق هذا المسار فعلاً بما يخدم تطلّع الإدارة إلى تركيز الجهود الإقليمية على مشروع «الناتو العربي» في مواجهة إيران، فهو لا يلغي حقيقة الدور الذي لعبته واشنطن في هذه الحرب «القذرة» كما وصّفها وزير الخارجية الفرنسي نفسه جان إيف لودريان، بل يؤكد ـــ على نحو أو آخر ـــ أن الولايات المتحدة هي صاحبة الحلّ والربط في العدوان السعودي ـــ الإماراتي، وأن من «أصعد الحمار إلى المئذنة هو من سينزله». حقيقة تضافرت معطيات قرابة أربعة أعوام على تكريسها، وليس ما تنشره «الأخبار» اليوم سوى استكمال لتلك السلسلة من أدلة الاشتراك الأميركي في الجريمة. على أن الأخطر في المعطيات الجديدة هو أن الولايات المتحدة خطّطت ـــ بالتواصل مع ما تُسمّى «الشرعية» ـــ لوجود مباشر طويل الأمد في اليمن، وتثبيت موطئ قدم لها في المواقع الحيوية والاستراتيجية من هذا البلد كالموانئ والجزر والقواعد العسكرية. وهو تخطيط، بقدر ما يجلّي المطامع الأميركية في المنطقة المطلّة على البحر الأحمر وباب المندب، فهو يثبت مجدداً أن الولايات المتحدة لا تضع كل بيضها في سلّة وكلائها، وأن مساندتها المهمات الموكولة من قِبَلها إلى الآخرين ـــ كالعمل التجسّسي الإماراتي في جنوب اليمن ـــ إنما هي جزء من متطلّبات تحقيق مصالح «الامبراطورية» المعتلّة.

 

العين على الساحل الغربي: هكذا يرتّب الأميركيون لوجودهم

لا يزال الساحل الغربي لليمن يشكّل محطّ أطماع الاستعمار الغربي، بوجهَيه البريطاني والأميركي، لما يحتلّه من موقع استراتيجي مطلّ على البحر الأحمر وباب المندب. في أواخر العام الماضي، خرجت إلى العلن معلومات عن تحركات بريطانية حثيثة لاستعادة مكاسب «الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس» في المنطقة الممتدة من بحر العرب إلى خليج عدن مروراً بباب المندب وصولاً إلى البحر الأحمر. أفادت تلك المعلومات بأن بريطانيا تسعى إلى إيجاد قاعدة عسكرية دائمة لها في مدينة عدن تحت لافتة تدريب المجنّدين اليمنيين لـ«القيام بمهمات تأمين خليج عدن وباب المندب والمياه الإقليمية» (عودة الإنكليز: العين على القواعد والجزر ـــ «الأخبار» ـــ 14 تشرين الأول 2017). وإذا كان البريطانيون يجيدون اللعب من خلف الستار، بما يصعّب مهمة كشف أدوارهم التي لا تظهر أقلّ عدوانية من دور الولايات المتحدة، فإن الأميركيين يبدون أكثر انكشافاً.

في مطلع شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، حطّ في عدن وفد عسكري أميركي رفيع قادماً من جيبوتي، وفقاً لما تفيد به معلومات حصلت عليها «الأخبار». كان الغرض من الزيارة الاجتماع برئيس هيئة الأركان العامة في القوات الموالية للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، طاهر العقيلي، وقيادات أخرى من بينهم قائد المنطقة العسكرية الرابعة فضل حسن. تضيف المعلومات أن رئيس الوفد الأميركي استهلّ كلمته بتذكير الحاضرين بمذكّرة تفاهم كان تمّ توقيعها بين السلطات اليمنية وحلف الـ«ناتو»، تسمح بموجبها الأولى للأخير باستخدام المياه الإقليمية اليمنية وما عليها من يابسة، وبخاصة جزيرة ميّون، لمكافحة القرصنة. تمهيد أتبعه المسؤول الأميركي بالإعلان عن مذكرة تفاهم جديدة سيتمّ توقيعها في هذا اللقاء، فحواها قيام الـ«بنتاغون» بدعم «الجيش اليمني»، مقابل «السماح للجيوش الأميركية باستخدام كافة المرافق البحرية والبرية والجوية التي يستخدمها الجيش اليمني، لا سيما مطار سقطرى وموانئها البحرية، وقاعدة العند، وجميع المنشآت العسكرية في جزيرة ميون»، إضافة إلى بقية الموانئ والجزر في الساحل الغربي.

 

تعمّدت واشنطن تأخير جهود غريفيث بهدف منح معركة الحديدة وقتاً

وتشير المعلومات إلى أنه تمّ، عقب استعراض مضمون المذكرة، التوقيع عليها من الجانبين الأميركي واليمني، لافتة إلى أن العقيلي تحدّث إلى مرافقيه، إثر مغادرة الوفد الأميركي، بأنه لم يكن على علم بفحوى المذكرة، وأنه تلقّى فقط تعليمات من هادي ونائبه علي محسن الأحمر بالتوجّه إلى عدن للقاء مسؤول أميركي، والتوقيع على اتفاقٍ الغرض منه «دعم الجيش اليمني». وأضاف العقيلي، وفقاً للمعلومات نفسها، أنه لم يكن حتى على علم بأن اتفاقاً سابقاً مع الـ«ناتو» تمّ التوقيع عليه عام 2008.

ولم يغفل رئيس الوفد الأميركي، خلال اللقاء، عن معركة الساحل الغربي، مخاطِباً الحاضرين بأنه قبل ساعة من حضوره إلى عدن أُبلِغ بأن الخبراء العسكريين الأميركيين، وبعد تكثيف استطلاعاتهم لمسرح الاشتباكات وعملياتهم الاستخباراتية المركّزة، أدخلوا تعديلات جوهرية على خطّة إسقاط الحديدة، بما يخدم هدف «وضع يد الجيش اليمني على المحافظة، لا سيما المدينة وميناؤها، بأسرع وقت ممكن». وتلفت المعلومات إلى أن السفير الأميركي لدى اليمن، ماثيو تولر، الذي يتولّى التنسيق بين وزارتَي الخارجية والدفاع، كان نصح بتأخير اللقاءات بين «أنصار الله» وحكومة هادي، والتي كان المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، يرتّب لانعقادها، على خلفية اعتقاد الخبراء المندوبين من الـ«بنتاغون» بـ«قرب وحتمية الوصول إلى الحديدة».

 

قوات هادي والأحمر في «القيادة المركزية»: الوكلاء الجدد!

بدأت الولايات المتحدة منذ أشهر تفعيلاً لعملها داخل اليمن، على الصعيدين العسكري والاستخباري، تحديداً منذ اجتماع تقني تأسيسي عقد في «القيادة المركزية» في آذار/مارس، وفق ما تظهر وثيقة اطلعت عليها «الأخبار»، تكشف عن وجود جنود أميركيين في اليمن، بينهم قوة من «المارينز». الوثيقة مرسلة من رئاسة هيئة الأركان في القوات الموالية للرئيس اليمني المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، إلى نائبه الجنرال علي محسن الأحمر، من قبل «مكتب اليمن في القيادة المركزية الأميركية» المراد تفعيل دوره لهذه المهمة. وبعد هذا اللقاء، توالت بالفعل النشاطات المكثفة بين الأميركيين و«الوكلاء الجدد»، وبشكل علني وصريح، بلغ درجة قيام قائد «القيادة المركزية» بأول زيارة رسمية إلى عدن، منذ اندلاع الحرب.

تراجع تعاون اليمن مع الأميركيين، والذي كان قائماً إبان حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، وأساسه برنامج «الحرب على الإرهاب»، بعد أن انهارت منظومة الحكم في البلاد بعد 2011، وانقسمت السلطات، ولم يعد للأميركيين «شريك» رسمي محدد للتعاون معه. لكن التعاون عاد مع حكومة هادي في مرحلة ما قبل سيطرة «أنصار الله» على الحكم، كما كشفت وثائق «ويكيليكس»، وظل النشاط الأميركي بطابعه المباشر يظهر جلياً بعد اندلاع الحرب السعودية ضد اليمن، من خلال استمرار العمل الأمني والتجسّسي المرافق لتصفية عناصر تنظيم «القاعدة» وقادته، عن طريق طائرات من دون طيار، فضلاً عن المشاركة اللوجستية والأمنية والتسليحية والاستشارية في الحرب.

تظهر الوثيقة استعداداً أميركياً لإعادة النشاط المباشر في اليمن بصورة أكبر، تتم بمعزل عن السعودية والإمارات، من خلال علاقة عسكرية مباشرة مع حكومة هادي التي يسيطر على قواتها الجنرال الأحمر. تكذّب الوثيقة المزاعم الأميركية حول حصر استهدافها في اليمن لتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، حيث يشمل الاهتمام الأميركي الأمني حركة «أنصار الله»، وكذلك تكشف وجوداً أميركياً غير معلن من خلال قوات خاصة.

 

تؤكد البرقية وجود قوات أميركية في اليمن

وبالعودة إلى الوقائع التي تشير إليها البرقية التي تحمل الرقم 0009 ــ 18 ومؤرخة في31 ــ 3 ــ 2018، فإن وفداً عسكرياً من قوات هادي والأحمر، برئاسة اللواء الركن يوسف الشراجي (مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن)، والعميد جغمان الجنيدي (مدير دائرة الاستخبارات العسكرية)، والعميد الركن عبد الله اليمني (مدير دائرة الأمن العسكري في هيئة الاستخبارات العامة)، قام بزيارة مدينة تامبا في فلوريدا الأميركية، جرت بالتنسيق مع الملحقية العسكرية الأميركية في القنصلية الأميركية في مدينة جدة السعودية. يشار إلى أن القيادة المركزية الأميركية (الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط) تقع في مدينة تامبا، وقد عقدت هذه القيادة لقاءً مع الوفد اليمني. وقد عقد الاجتماع على هامش دورة نظمتها القيادة المركزية حول العمل الاستخباري، في فندق «هيلتون»، واستمرت بين 25 و30 آذار/ مارس الماضي. حضر اللقاء، في الفندق نفسه، عن الجانب اليمني، كل من العميد جغمان الجنيدي، والعميد الركن عبد الله اليمني. ومن الجانب الأميركي جنرالان كبيران لا يرد اسماهما، بل صفاتهما: الأول تصفه البرقية بـ«المسؤول الثاني في القوات المشاركة في اليمن من وحدة البحرية (المارينز)»، وهو تأكيد لافت لوجود قوات أميركية خاصة على الأرض اليمنية. أما الثاني، فتكتفي البرقية بوصفه ممثلاً لـ«الجانب الاستخباراتي في القيادة المركزية».

وتورد الوثيقة تسع نقاط اتفق عليها الجانبان في الاجتماع، أولاها إعادة تفعيل «ملف التعاون العسكري اليمني الأميركي». ثانياً: تفعيل التعاون الاستخباري القائم من خلال «تنظيم التعاون المشترك والمستمر في مجال تبادل المعلومات، وإعداد وتجهيز المراكز الاستخبارية المشتركة للأجهزة الاستخبارية اليمنية والأميركية، والتعاون في الحد من عمليات تهريب السلاح والصواريخ والبشر (الإرهابيين) لليمن». كما اتفق الجانبان على «تفعيل وسائل التواصل المؤمنة بالقيادات العسكرية والأمنية اليمنية»، و«تجهيز وإعادة بناء الغدارات الاستخبارية العسكرية». ويتطرق المجتمعون إلى العمليات الأميركية عبر الطائرات من دون طيار والإنزالات و«الأخطاء» التي حصلت في بعض هذه العمليات ومقتل مدنيين فيها، ما يتطلب «الاستفادة من دروس العمليات السابقة»، مع الإشارة إلى مثال، وهو «ما حدث لأسرة كاملة في محافظة البيضاء بالضربة الجوية لسيارتهم، الحكومة اليمنية ليست شريكة في هذه المعلومات الخاطئة وتتحمل الولايات المتحدة ومن زودهم بهذه المعلومات والإحداثيات (المسؤولية)».

المجتمعون اتفقوا أيضاً على «تفعيل دور مكتب اليمن في القيادة المركزية وإشراك اليمن في الاجتماعات (لم يحدد طبيعتها) كما كانت في السابق قبل أربع سنوات». وفي مقطع آخر، يشمل الأميركيون حركة «أنصار الله» بالتنظيمات الإرهابية أصحاب «الفكر المتطرف»، إذ تتعهد «القيادة المركزية» بالوقوف إلى «جانب الحكومة اليمنية لتوعية الشعب على النهج العدواني ضد الشعوب الأخرى وعدم زرع الحقد والكراهية كما تقوم به القاعدة، وداعش، والحوثيون، في زرع الفكر المتطرف إيديولوجياً ضد الدول الشقيقة والصديقة». وفي البند التاسع والأخير، يرد أنه جرى الاتفاق على وضع «دراسة وخطط لإعادة قوات مكافحة الإرهاب تحت مظلة واحدة للبدء بتنفيذ مهامه كما كانت في السابق».

وتذكر الوثيقة أنه في اليوم الأخير من زيارة الوفد، تمّ ترتيب لقاء في مركز «بكس» لتبادل المعلومات عبر الإنترنت بشكل آمن، حضره «ضابط في العمليات الأميركية وضابط في قسم العمليات المدنية الذي يعتبر جزءاً من الفريق (الأميركي) الموجود في اليمن»، وتلقّى الوفد شرحاً في كيفية عمل برامج المركز، من بينها «برنامج لعمل في مجموعة اليمن».

من تدمير الصواريخ إلى قيادة الحرب: واشنطن شريك أول

 

صنعاء | منذ اللحظة الأولى لإعلان العدوان السعودي على اليمن، من داخل العاصمة الأميركية واشنطن، في آذار/ مارس 2015، بدت الولايات المتحدة شريكة في الحرب التي أريد منها تبديل وجه جنوب الجزيرة العربية. شراكة سرعان ما تعزّزت مؤشراتها مع تتالي المعلومات عن مساندة أميركية للعدوان على المستويات كافة، السياسي منها والعسكري والاقتصادي. لم تكتفِ واشنطن بالدعم اللوجستي والاستخباراتي، المتمثّل في توفير بنك أهداف دائم لـ«التحالف»، وتزويد طائراته بالوقود جواً، وإدارة غرفة العمليات في الرياض، بل تطوّر دورها إلى الحضور المباشر في الميدان. بعدما تصاعدت هجمات القوة الصاروخية اليمنية على السعودية، وثبُت فشل منظومة الدفاع الجوي الأميركية في ردعها، دفعت الولايات المتحدة، أواخر العام 2016، بقوات حملت شعار «القبعات الخضراء» إلى الحدود الجنوبية للمملكة، بهدف تفعيل عمليات الرصد والتدمير للصواريخ الباليستية ومنصّات إطلاقها من داخل اليمن.

وفي مطلع العام 2017، استهدفت بوارج أميركية رادارات تابعة للقوات الجوية اليمنية، في وقت سُجّلت فيه عودة قوات أميركية إلى التمركز في قاعدة العند العسكرية (جنوب)، بدعوى اتخاذها منطلقاً لتنفيذ عمليات برية ضدّ تنظيم «القاعدة». ومنذ ذلك الحين، تصاعدت زيارات القيادات العسكرية الأميركية إلى مدينتَي عدن والمخا، ليصل مطلع العام الحالي خبراء أميركيون إلى منطقة العمري العسكرية الواقعة بالقرب من باب المندب، ويتم الاتفاق على إنشاء عدد من غرف العمليات المشتركة مع الجانب الإماراتي، لإدارة المعارك التي تصاعدت منذ مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2017.

 

فجّر الأميركيون عام 2012 أكثر من 1000 صاروخ روسي الصنع في العَنَد

مثّلت معركة الساحل الغربي واحدة من أكثر المواقع التي جلّت البصمة الأميركية بوضوح. بعد سيطرة «التحالف» العام الماضي على مديرية المخا وتحويله ميناءها التاريخي إلى قاعدة عسكرية، طالبت الولايات المتحدة، عبر سفيرها في اليمن ماثيو تولر، «أنصار الله» بتسليم الحديدة من دون قتال. وهو ما قوبل بردّ حازم من قِبَل الحركة التي أعلنت استعداد الجيش واللجان الشعبية لمواجهة أي تدخل عسكري أميركي، وفق ما توعّد به رئيس «المجلس السياسي الأعلى» (سابقاً) صالح الصماد، الذي سرعان ما تمّ اغتياله بطائرة أميركية من طراز «أم كيو 9» في 19 نيسان/ أبريل الماضي.

وفي السابع من حزيران/ يونيو الفائت، وصلت قيادات عسكرية أميركية إلى القاعدة البحرية في مدينة عدن، حيث التقت قيادات عسكرية سعودية وإماراتية وناقشت معها الترتيبات لاقتحام مدينة الحديدة. وقبيل التصعيد الأخير على جبهة الساحل الغربي، وتحديداً في مطلع أيلول/ سبتمبر، وصل قائد القيادة المركزية الأميركية جوزيف فوتيل إلى عدن، والتقى هناك قيادة القوات الموالية للرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي. وعقب انطلاق المعركة، كشفت وسائل إعلام غربية أن ضباطاً أميركيين أشرفوا على هندسة الخطة الجديدة لإسقاط الحديدة في الرياض، في وقت سلّمت فيه الولايات المتحدة السعودية طائرتَي استطلاع جديدتين، وزوّدتها بمعلومات «حيوية» للهجوم.

ولم تقتصر المشاركة الأميركية على الجانب العسكري، بل تعدّته إلى المجال الاقتصادي الذي تولّى المحاربة فيه سفير الولايات المتحدة لدى اليمن. في مفاوضات الكويت الأخيرة، هدّد تولر وفد صنعاء بتشديد الخناق الاقتصادي في حال رفض التوقيع على اتفاق يمنح «التحالف» نصراً ديبلوماسي، وهو ما قوبل بالرفض، ليعقب ذلك إغلاق مطار صنعاء، ونقل البنك المركزي إلى عدن، وتجميد احتياطاته النقدية في البنوك الدولية، والتضييق على حركة الملاحة البحرية في الحديدة.

العدوانية الأميركية تجاه اليمن لم تكن وليدة «عاصفة الحزم» بل هي متقادمة قِدَم ما سُمّيت «ثورة الشباب» التي أطاحت الرئيس السابق علي عبد الله صالح. قبل العدوان بعدة سنوات، ومنذ صعود هادي كرئيس انتقالي لعامين وفقاً للمبادرة الخليجية، عملت الولايات المتحدة على تنفيذ أجندة خفية محورها تفكيك المنظومة الصاروخية اليمنية. ووفقاً لمعلومات توافرت لـ«الأخبار»، فإن السفير الأميركي السابق في اليمن، جيرالد فايرستاين، أشرف بنفسه على هذه الأجندة تحت لافتة دعم عملية إعادة الهيكلة التي أطلقها هادي. وتفيد المعلومات بأن الولايات المتحدة حوّلت سفارتها في صنعاء إلى غرفة عمليات عسكرية، واستحدثت غرفة أخرى في جبل نقم شرق العاصمة، واستقدمت ما يزيد على 300 جندي وخبير عسكري تحت ذريعة حماية السفارة. وبحسب المصدر نفسه، فإن «القوات الأميركية، التي وصلت قاعدة العند العسكرية عام 2012 تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، أقدمت على تفجير 1500 صاروخ أرض ـــ جو روسية الصنع، وعطّلت رادارات القاعدة الجوية، فيما أشرف خبراء أميركيون على تفجير مئات الصواريخ الحرارية التي تُستخدم ضد الطائرات المعادية». ويضيف المصدر أن «السفير الأميركي السابق فرض نفسه وصياً على اليمن، ونفّذ الكثير من الأجندة الأميركية بتنسيق كامل مع السعودية وسفيرها في صنعاء، وتحت غطاء تنفيذ المبادرة الخليجية».

«أنصار الله»: الحرب أميركية بامتياز

يؤكد عضو المكتب السياسي في «أنصار الله»، سليم المغلس، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الحرب على اليمن أميركية بامتياز، من صناعة قرارها وتوفير غطائها الدولي، إلى توفير سلاحها، إلى تخطيطها وإدارتها العملياتية والاستخبارية المباشرة، إلى المشاركة التنفيذية في قواتها». ويقول المغلس إنه «لا خلاف على أن قرار العدوان على اليمن هو قرار أميركي، وأن الحرب الدائرة على اليمن اليوم هي حرب المحور الأميركي ـــ الإسرائيلي، وتنفيذاً لأجندتهما، سواء مباشرة أو عبر أدواتهما التنفيذية»، مضيفاً أن «هذا واضح منذ اليوم الأول لإعلان العدوان، والذي حصل من واشنطن بلسان وزير الخارجية السعودي، حيث أوضح أن قرار الحرب أميركي بامتياز، وتحت غطاء واشنطن الدولي قامت السعودية بدور المتصدّر والمتبنّي لهذا العدوان».

ويشير المغلس إلى أن «أميركا لم تكتفِ بصناعة قرار الحرب، وتوفير الغطاء السياسي الدولي لها، بل قامت بتوفير الأسلحة اللازمة، وشاركت في الإدارة العملياتية المباشرة عن طريق خبرائها العسكريين، كما باشرت التخطيط والمراقبة جواً، وجمع المعلومات الاستخبارية، والدعم الطبي، والتزويد بالوقود، والاعتراض البحري»، متابعاً أن «ذلك الدور وكل تلك الجرائم التي ارتكبتها أميركا بحق الشعب اليمني لم تكن كافية لواشنطن خلال السنوات الماضية من العدوان، بل شاركت مشاركة تنفيذية بقواتها، وقامت بتنفيذ عمليات عسكرية مباشرة، سواء بحرية في الساحل الغربي، أو ضربات جوية، أو مشاركة برية في بعض الجبهات كجبهات الحدود». ويؤكد المغلس أن «جرائم أميركا بحق الشعب اليمني لن تسقط بالتقادم، ولا مناص من تحمّل أميركا مسؤولية العدوان إلى جانب أدواتها في المنطقة، وهي شريكة في شكل رئيسي في كل الجرائم التي ارتُكبت بحق أبناء شعبنا قراراً وسلاحاً وإدارةً وتنفيذاً».

قد يعجبك ايضا