موقع أنصار الله . تقرير | وديع العبسي
(22) شهرا، من العدوان الإسرائيلي السافر على قطاع غزة، ومن مقاومة باسلة للفصائل الفلسطينية ومحور الإسناد، نسفت حصيلة عقود من عمل اللوبي الصهيوني لترسيخ فكرة "البعبع" الإسرائيلي. عقود مضت وآلة الإعلام الصهيونية تلعب دورا حيويا في معركة الإرهاب وفرض الهيمنة على المنطقة العربية والإسلامية.. وبتنفيذ ملحمة "طوفان الأقصى"، انهار كل ذلك الاشتغال الذي كان يدرك أن الإعلام أول الأسلحة نفاذا إلى تحقيق الأهداف، لتُمثِل ملحمة الطوفان منعطفا واقعيا تبعته خلال عامين، الكثير من الشواهد التي بددت كل ما سوّقه الإعلام الصهيوني بشأن قوة الكيان.
وبينما كان يقال إن الكيان الصهيوني صاحب أعتى ترسانة عسكرية وأنه رابع أقوى جيش في العالم، اتضح بالوقائع أنه ليس أكثر من جماعة مسلحة تسيطر عليها "عقدة الخوف"، وأنه الوحيد بلا منازع الذي يلجأ للأساليب الرخيصة في المواجهة.
في كل حروبه منذ زرعته القوى الاستعمارية في فلسطين المحتلة، كان العدو الصهيوني يفتقر إلى أخلاق الشجعان، لذلك اعتمد الوحشية، وتجاوز قاعدة التناسب، والاستهداف العشوائي للتجمعات السكانية ومخيمات النازحين في غزة، دون مراعاة لأدنى مستوى من الضوابط التي تمنع الفرار من مواجهة المقاتلين إلى قصف النساء والأطفال أو تدمير وسائلهم في الحياة من بنية تحتية، أو منع وصول الغذاء والدواء إليهم.

عقدة خوف وانتصارات وهمية


خلال (22) شهرا أكد العدوان الصهيوني المستمر على أهالي غزة أن الكيان الإسرائيلي بكل تركيبته المتنافرة، يعيش فعليا عقدة خوف مزمنة، وهي من توجه سلوكه لفرض حالة وهمية من القدرة على هزيمة الآخرين، وفي تفاصيل العدوان الوحشي على الفلسطينيين في غزة ودلالاته، ما يؤكد هذه الحقيقة التي طالما توارت خلف ضجيج إعلامي موجّه بخاصة للأمة العربية والإسلامية.
فخلال (22) شهرا وعصابة الهاجانا الصهيونية لا تقتل سوى الأطفال والنساء والمسنين، ثم تقوم بمحاصرة من تبقى منهم، وتمنع عنهم كل وسائل الحياة، حد موت البعض جوعا بسبب منع الغذاء. وموت البعض الآخر ألماً بسبب منع الدواء. ورغم الآثار الإنسانية الكارثية التي ولّدتها هذه الممارسات الوحشية، استمر العدو في منهجيته في القتل غير المبرر. وخلال هذه الفترة عجز عن تحقيق أي هدف احتلالي يتماشى مع طموحه التوسعي وإبادة من هم حوله.
في هذا الوقت لم يُظهر العدو الإسرائيلي أي علامات تدل على شجاعة أو قوة أو ثقة بالذات، وأخلاقيات الحروب وحتى الخصومة تُنكر اللجوء إلى وسائل رخيصة كما وتُنكر استعاضة مواجهة الأبطال بقتل الأطفال والنساء بذريعة ممارسة الضغط على المقاومة، مع ذلك فإن استمراره، يشير إلى رغبة في التخلص من كل الشعب الفلسطيني الذي يخيفه ولعجزه عن مواجهته، فشعب يصمد رغم كل هذا الاجرام الذي يكاد يُنطق الحجر، لا يبدو من السهولة السيطرة عليه.
 صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية نقلت ، اليوم، عن قسم التأهيل في "وزارة حرب" العدو أن القسم يتعامل حاليًا مع نحو 80 ألف مصاب من "الجيش الإسرائيلي" وأكثر من 26 ألفًا من المصابين يعانون من مشاكل نفسية واضطراب ما بعد الصدمة، فيما يشكل مصابو اضطراب ما بعد الصدمة أكثر من 33% من متلقي خدمات القسم. مضيفا أن القسم يخصص أكثر من نصف ميزانيته السنوية، حوالي 4.2 مليارات لخدمات مقدمة لمرضى القسم. مؤكدا أن عدد المصابين وتفشي الانتحار بين العسكريين يمثلان "تحديا وطنيا كبيرا".

جحيم المقاومة من بين الانقاض


وبالمفردة البسيطة، العدو الإسرائيلي ليس أكثر من كائن جبان. وفي شكل هجماته يميل كثيرا إلى استخدام المدفعية إو الصواريخ والطائرات الحاملة للقنابل، لإدراكه بأنه غير أهل للمواجهة المباشرة، وهو ما يزيد يقينه فيه يوما بعد يوم، بعد أن قرر دخول غزة بريّا، فإلى جانب عودة الكثير من مجنديه أشلاء أو جثث محترقة بفضل ضربات المقاومة القاتلة، غامر بسمعته فتَبَيّن للجميع أنه بالفعل أوهن من خيط العنكبوت.. يدخل المجند منهم مدججا بالسلاح والسترات الواقية من الرصاص فيصرعه مقاوم بسلاح بسيط بلا أي سترات.. لا يقاتل المجند الصهيوني إلا في ظروف يضمن فيها توفر أعلى نسبة أمان، بينما يقاتل البطل الفلسطيني من بين الانقاض، متوكلا على الله ومؤمنا بالانتصار إما بدحر العدو أو الشهادة.
من مظاهر 'عقدة الخوف" لدى الكيان، لجوئه المستمر بلا أي سبب إلى عمليات الاقتحام للبيوت سواء في غزة أو الضفة والتنكيل بالأطفال والنساء فالجميع يخيفونه، حتى ذوي الاحتياجات الخاصة لا يسلمون من فعله الناجم عن عقدة الخوف التي تسيطر عليه، فيرى فيهم أشباحا تحاصره من كل مكان.
 

تصنيع للسلاح وتنفيذ للعمليات رغم الحصار 


أدرك العالم هذه المرة في عدوان الـ(22) شهرا، وبشكل أوضح، أن العدو الصهيوني لا يقاتل بأخلاق أو شجاعة وإنما بغريزة حيوانية، وقد تأكد للعالم ذلك وهو يرى ما تسببت به آلة الإجرام من كارثة لشعب أعزل محاصر، مع ذلك يستمر هذه العدو في القتل والحصار. ويدرك العالم ذلك أيضا من تيقنه بأن المقاومة ظهرت في هذه الجولة من المواجهة أقوى، إذ أن المجاهدين لا يزالون حتى اليوم يقاتلون العدو وينكلون بمجنديه، بينما لا يزالون يدهشون الأمم باستمرار امتلاك السلاح والذخيرة وهم المحاصرين من كل شيء، يقاتلون وهم جوعى كباقي الفلسطينيين، بينما جسور إمداد الكيان الصهيوني بالسلاح متواصل منذ (22) شهرا سواء من راعية الإرهاب أمريكا، أو أذيالها بريطانيا وألمانيا وفرنسا وباقي الاتباع، كما تظهر المقاومة بعمليات نوعية تشير إلى الأريحية التي هي عليها في التخطيط وتنفيذ الهجمات، وتشير من جهة ثانية إلى ما يتمتع به المقاومون من نباهة وسرعة بديهة، إذ يرسمون خطة النيل من العدو في لحظة ظهور مفاجئة له أو دخوله منطقة معينة. وكل تلك شواهد موضوعية عززت من تنامي "عقدة الخوف" وعدم الثقة لدى مجندي الهاجانا.
"عقدة الخوف" وانعدام الشعور بالثقة، يعكسه أيضا ما تحدثه صافرات الإنذار من رعب حين تطلق محذرة الغاصبين من صاروخ يمني أو طائرة مسيرة فتراهم بكل فئاتهم يتدافعون بالملايين في اتجاه الملاجئ والمباني المحصنة، تسبقهم قناعاتهم بعجز دفاعاتهم الجوية عن فعل شيء يمنع عنهم الخطر ولا يضطرهم لمغادرة منازلهم خوفا على حياتهم، كما تسبقهم قناعتهم بأن الأمان لا يزال مفقودا على الأراضي المحتلة ليتخذوا قرار الهجرة العكسية.

استسلام لصفعات اليمن والجمهورية الإسلامية


في حرب الـ(12) مع الجمهورية الإسلامية، لم يكن هناك شيئا بمقدوره منع المقذوفات الإيرانية من الوصول إلى عقر العدو، ونشر الخراب والدمار في كل مكان واستهداف أهم قلاعه الإستراتيجية، حينها كانت كل التكوينات الصهيونية في الملاجئ إلا البعض ممن هم على أجهزة إطلاق الدفاعات الجوية والتي غالبا ما كانت تعود لتسقط على رؤوس الصهاينة. ضربت الجمهورية الإسلامية ضربتها وحققت الهدف لتزيد مع وضوحية أن الكيان ليس إلا فقاعة إعلامية.
وحين قرر اليمن كذلك تنفيذ عمليات الإسناد، كانت مفاجئة العالم أكبر، فالدولة التي أنهكتها الحروب، والمصنفة بأنها أضعف وأفقر دولة، نجحت في تجاوز كل عوامل الاعاقة ووصلت إلى عمق العدو وضربت غطرسته. وزاد اليمن من اثبات أن العملية ليست صدفة أو ضربة حظ من خلال تصاعد هجماته بشكل لافت خلال مراحل تصعيد ثم فرض حصار بري وبحري على أهم مطاراته وموانئه، وهو ما أكد من أن انتصارات العدو في حروب سابقة إنما كانت تعتمد إما على الحظ أو على الآخرين، فهو بمفرده ليس بمقدوره حتى السيطرة على عصابات الجريمة داخل كيانه.