تخاصم أهل النار.. وضعية أهل جهنم تتجسد في واقع المنافقين في جبهة قانية
|| عين القرآن وعين على الأحداث ||
عراك بالأيدي يعقبها ترك للأسلحة والفرار من المعركة
صفة أو وضعية تحدث عنها القرآن الكريم بشكل كبير كونها الوضعية الأبرز التي يبدو عليها أهل النار وهم يتلقون صنوف العذاب في جهنم نتيجة اعراضهم عن ذكر الله تعالى وهديه والسير وراء المجرمين والمستكبرين.
لكن هذه الصفة رأيناها عيانا تتجسد هنا في الدنيا في جبهة البيضاء وبالتحديد في قانية حيث وزوع الإعلام الحربي قبل عدة أيام مشاهد لمشادات كلامية وعراك بالأيدي بين المنافقين أثناء محاولتهم الزحف على أحد مواقع الجيش واللجان الشعبية.
المشاهد التي وزعها الإعلام الحربي وثقت لحظات محاولة المنافقين التقدم وما أن وصلوا إلى نقطة معينة بدأ الجيش واللجان الشعبية للفتك بهم بشكل جماعي بمختلف الأسلحة وضربات مسددة وقاتلة خلفت أعداد كبيرة من المنافقين بين قتيل وجريح وكبدتهم خسائر كبيرة أصابتهم بالهلع والرعب وجعلتهم يعيدون حساباتهم وهم يشاهدون أن لا خيار أمامهم سوى القتل.
الحالة التي عليها المنافقون أوصلهم إلى التخاصم وإلقاء التهم على بعضهم البعض بالزج يهم في محارق جماعية دون اكتراث لمصيرهم وبالفعل بدأ العراك بالأيدي فيما بينهم ليتم بعد ذلك مغادرة المعركة فيما ألقى بعض المنافقين بأسلحتهم تاركين متارسهم تسودهم حالة اليأس والإحباط من وضعيتهم التي أوصلوا أنفسهم إليها بشكل يثبت مجددا أن أغلب المقاتلين في صفوف العدوان يدفع بهم إلى محارق الموت بعد أن يتم استغلال وضعهم المادي والتضليل عليهم بالثقافات المغلوطة.
طيران العدوان لم ينتظر طويلا أمام نزاع مرتزقته وأنهى عملية التخاصم بطريقته الخاصة حيث استهدفهم بعدد من الغارات الجوية حولتهم إلى أشلاء متناثرة في أرض المعركة ليؤكد أن مقاتليه ليسوا سوى عبيد مستأجرين لا قيمة لهم، متى ما عجزا عن تنفيذ مهمتهم يتخلص منهم وبأي طريقة كانت، فهل يعي المنافقون هذه الحقيقة، وهل وصلوا إلى قناعة أنهم مجرد أدوات فقط وأن ما يدعيه العدوان مجرد سراب لا وجود له في أرض الواقع خاصة وأن هذه ليست الأولى التي يستهدف فيها العدوان مرتزقته بل سبقها عشرات المرات في نهم والجوف وتعز وجبهات عسير وغيرها من المناطق.
عندما نأتي إلى القرآن الكريم فهو يقو(كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) هكذا يصبح أهل النار حياتهم فيها حياة اللعن لبعضهم بعض، أصبحوا هناك عاقلين، أصبحوا فاهمين، أصبحوا كتلاً من الحقد على بعضهم بعض خاصة الضعاف المستضعفين، تكون حسراتهم أشد، العذاب النفسي يكون عليهم أشد.
والقرآن الكريم عرض ما يتعلق بالمستضعفين من الناس هؤلاء العوام، عامة الناس، البسطاء، هم أكثر الناس عذاباً نفسياً، تألم وحسرات هم لهم عذاب لكن الحسرات التي تقطع القلوب تكون على المستضعفين، على الأتباع، على المساكين فيما يتعلق بالمقارنة بين الكبار والصغار.
لاحظ ما الذي سينفعهم في النار؟ هذا الكلام: أنهم عرفوا أن أولئك هم الذين أضلوهم فأصبحوا يلعنونهم وأصبحوا يطلبون من الله بإلحاح أن يزيدهم عذاباً فوق عذابهم، هل سينفع هؤلاء المساكين؟.
هذه الآيات توحي لنا بأنه هنا في الدنيا، في الدنيا، إلعن أولئك الذين أضلونا، إلعن أولئك الذين أضلوا الأمة من سابقين أو من لاحقين، إن لعنتهم هنا في الدنيا هي التي ستجدي، أن تفضحهم هنا في الدنيا، وأن تطلب من الله أن يخزيهم وأن يخزي من يسير على نهجهم، هنا في الدنيا سينفع.
{قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ}(الأعراف: من الآية38) هم لهم ضعف من العذاب؛ لأنهم أضلوا وزينوا الضلال، وروجوا للضلال، وأنتم لكم أضعاف؛ لأنكم قبلتم، لأنكم لم تكونوا مستبصرين، لم تفهموا، لم تتبينوا، لم تتحققوا، كنتم تصمون آذانكم عن دعاة الحق، كنتم تعرضون بوجوهكم عن أعلام الحق والهدى! لكم أضعاف, وهم لهم أضعاف {لِكُلٍّ ضِعْفٌ} للأولين وللآخرين.
هذه القضية بالذات بدت في القرآن الكريم في أكثر من آية تنبه الناس على أنهم في الآخرة – هؤلاء الضالين والمضلين الكبار والأتباع سيكونون في الدنيا – تتجلى الحقائق فيرون أنفسهم كيف ارتكبوا خطئاً كبيراً أودى بهم إلى تلك العاقبة السيئة سواءً كانوا بشكل أمم، أمة تلعن أمة، أو شخص يلعن شخصاً كان في الدنيا يضله، أو فئة تلعن فئة، أو مرؤوس يلعن رئيساً، أو مواطن يلعن كبيره.
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} (الفرقان:27) أليس هذا يحكي كلام الظالم في الآخرة، في يوم الحساب {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً}(الفرقان:28) أليس هو يتلهف ويتحسر على تلك الصداقة التي أقامها مع فلان في الدنيا؟ وكان ممن يضله {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي}(الفرقان: من الآية29) أليست هذه حسرة شديدة؟. تصور لو أن الإنسان الواحد منا يتصور أنه هو من يقول هذا. أليست هذه ندامة شديدة وحسرة كبرى؟.
لكن كل صداقتك ستتحول إلى عداء يوم القيامة، كل ولاء، كل تقديس في هذه الدنيا، وكل تصفيق، وكل تأييد سيتحول – إذا لم يكن هنا في الدنيا على حق – سيتحول كله في الآخرة إلى عداء {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} (الزخرف:36- 38). قل هنا في الدنيا، لا تنتظر حتى تقول هذه يوم القيامة: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} ليت أني لم أعرفك، ليت أن بيني وبينك بعد المشرقين، بعد ما بين المغرب والمشرق فلا أعرفك ولا تعرفني، فبئس القرين، بئس القرين، لكن {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} (الزخرف:39) ما ينفعك [لا أن تقول: ليت إن كانك وليت إن كنا..] كلها انتهت، أصبحتم مشتركين في العذاب جميعاً. فهذا التمني لا يخفف شيئا من آلامك، وهذا التمني لا يزيد في عذاب قرينك الذي أضلك.
{قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (قّ:27- 29). أن تجلس أنت وقرينك [هو الذي أضلني، هو الذي كذا، هو الذي كذا] هذا ليس وقته الآن، {قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} كان اعرف وأنت ما زلت في الدنيا، اعرف كيف تختار القرين الصالح الذي لا يضلك، الذي سيقودك إلى الهدى. ماذا سينفعك أن تقول: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}(الزخرف: من الآية38) لا تنفعك في الآخرة، هنا في الدنيا ستنفعك، أن تبتعد عن قرناء السوء وجلساء السوء كالبعد ما بين المشرق والمغرب.
صوَّر القرآن الكريم هـذه الحالة وهـي من أسـوأ الحالات بصور متعددة وشخصها تشخيصاً واضحـاً نجد صورة منها فيما بين القرناء كأفراد، وفيما بين الفرقاء، فريق المستكبرين وفريق المستضعفين الذين كانوا أتباعاً {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ}(غافر: من الآية47) يتخاصمون ويتجادلون، وكـل شخص يحاول أن يحج الآخر أو كـل فئة تحاول أن تحج الأخرى فتثبت أنها هي السبب فيما وصل إليه الجميع.
{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ} لكن أين يتحاجون؟ في النار, قد هم كلهم في النار. {فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}(غافر: من الآية47) الضعفاء: الأتباع الذين كانوا يؤيدون ويصفقون ويباركون للمستكبرين للكبار من زعماء السوء، من المضلين {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً}(غافر: من الآية47) نحن كنا أتباع لكم في الدنيا، وكنا نفديكم بأرواحنا, وكنا نعمل لكم كذا وكذا وكنا وكنا.. إلى آخره {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ}(غافر: من الآية47) تدفعون عنا نصيباً من النار، أو تحاولون بأي طريقة أن يحصل تخفيف علينا من النار {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا}(غافر: من الآية48) ماذا نعمل لكم، كلنا الآن قد أصبحنا فيها {إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ}(غافر: من الآية48).
يقول الناس أيضاً ممن لا يحققون لأنفسهم صحة ولائهم هنا في الدنيا، فيتأثرون بالدعايات، يتأثرون بالتطبيل، يتأثرون بتنميق القول، بزخرفة الآخرين فيتولون هكذا ويتبعون هكذا إتباعاً عشوائياً: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} (الأحزاب:67) وجهاءنا، مشائخنا، زعماءنا، الذين كانوا مضلين, نحن أطعناهم في الدنيا فأضلونا السبيلا ولكنا أصبحنا لا نملك شيئاً، لا نملك إلا أن نقول لشدة ألمنا مما وقعنا فيه، وحسرتنا التي نعاني منها، إذا كان بالإمكان: يا ربنا أنْ {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} (الأحزاب:68).
لاحظوا في أكثر من آية، ليس أمامهم إلا أن يطلبوا أن يزيد الله تلك الطائفة التي أضلتهم، أو ذلك الشخص الذي أضلهم، أو ذلك القرين الذي أضله أن يزيده عذاباً، يقول له: المسألة واحدة: {لِكُلٍّ ضِعْفٌ} {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ} أعطهم مثلنا مرتين أو أكثر {وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً}.
أليسوا أولئك الذين قالوا عنهم: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً} هم من كانوا يؤيدونهم، هم من كانوا يدافعون عنهم، هم من كانوا قد لا يسمحون بالسب لهم ولا يسمحون لأحد أن ينالهم بكلمة جارحة، هم من كانوا ينطلقون جواسيس لهم في الدنيا، أولئك لشدة حسرتهم هم من سيقولون: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} هنا في الدنيا إلعنهم هنا في الدنيا تبرأ منهم, هنا في الدنيا إبتعد عنهم.
كل هذه الآيات تنبهنا على أن نصحح موقفنا هنا في الدنيا؛ لأن من المحتمل أن يكون هذا أو هذا أنت أو أنت أو ذاك، أن يكون ممن يقول هذا: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً}، لأن سادتنا وكبراءنا هي تبدأ من عند الوجيه الذي في قريتك، من عند عميد أسرتك، كبير قريتك، كبير القبيلة، كبير الشعب الذي أنت فيه، كبير الأمة التي أنت منها. هم سادتنا وكبراؤنا، هم أضلونا السبيلا.
هل تحدث الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات عن أنه قبل عذراً؟ [نحن لم نكن نفهم، لم نكن ندري، لم نكن، لم نكن….] إلى آخره، الضال والمضل كلهم في جهنم. حول هذه الآية: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}(الأعراف: من الآية38) ثم قوله: {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا} مع هذه الآيات الأخرى ونحن لم نستكمل نقل الآيات الأخرى، هي كلها، كلها تنبيه لكل واحد منا: أن تلك الصرامة التي ستبدو منه في الآخرة، وذلك الوعي الذي سيبدو منه في ذلك اليوم في أرض المحشر أو في قعر جهنم فليبدو منك الآن في الدنيا، وعيك، صرامتك، موقفك القوي، تلعن الضال، تبتعد عنه، لا تؤيده، تعمل على قهره هنا في الدنيا وإلا فستكون أنت من يقول هذه العبارات: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ} تلعنهم حيث لا ينفع.