غزّة تكسر نتنياهو وصفقة القرن
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
لم تكن الانتقادات التي تلقّاها نتنياهو، فور الإعلان عن وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، أقلّ قساوةً من صواريخ المقاومة.
نتنياهو الذي انتظر طويلاً قبل الانتخابات فرصة الهجوم على غزّة، تجنب الحديث عن وقف لإطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية في غزة وقوات الاحتلال لإدراكه تبعات هذه النهاية.
لم تكن العملية الإسرائيلية مستبعدةً، ولاسيّما بعد المواجهة الأخيرة قبيل أيام من الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وفي ظل إصرار الجانب الإسرائيلي على خنق قطاع غزة والضغط على سكانه لإخضاعهم.
ردود أفعال
بعيداً عن المواقف الفلسطينية التي أكّدت قدرتها على الصمود والمقاومة، تكشف ردود الأفعال الإسرائيلية بعد سنوات من “الصبر”، وفق التعبير الإسرائيلي، حجم الفشل الإسرائيلي حيث أجمعت ردود الأفعال على أن ما حصل خضوع للمقاومة الفلسطينية وحركة حماس تحديداً، رغم ذلك يخشى نتنياهو من المضيّ في العدوان خشية النتائج الكارثيّة، لماذا؟ لأن النتائج ستكون أكثر كارثيّة.
وفي حين اعتبر عضو الكنيست عن حزب الليكود غدعون ساعر أن “انتهاء الجولة الحالية ضد حماس بهذا الإعلان يعني أن “إسرائيل” لم تحقق إنجازات جدية، في ضوء أن الفترات الزمنية بين كل جولة تصعيدية وأخرى باتت أقصر من السابق، في حين أن الفصائل الفلسطينية آخذة بالتقوي مع مرور الوقت”، قال منافس نتنياهو في الانتخابات زعيم تحالف أزرق-أبيض الجنرال بيني غانتس إن “الأيام الأخيرة شهدت سقوط 700 قذيفة صاروخية باتجاه المناطق الإسرائيلية، وأسفرت عن سقوط قتلى ومصابين كثر نتيجة فقدان إسرائيل لقوة الردع، وانتهت كما رأينا صباح اليوم بخضوع جديد أمام ابتزاز حماس”.
أبعاد ودلالات
يحمل العدوان الأخير، وفشل نتنياهو في تحقيق أهدافه المرسومة جملة من الأبعاد والدلالات، نذكر منها:
أوّلاً: مرّة جديدة تثبت فصائل المقاومة أنها من يحدّد قواعد الاشتباك، لا الطرف الإسرائيلي الذي بات مجبراً على استقبال مئات الآلاف من المستوطنين الهاربين من الجنوب والمتّجهين إلى المركز وحتى الشمال، وهم يقولون للتلفزيون العبريّ بصريح العبارة إنّهم هربوا من الجحيم، ووصلوا إلى الشمال للبحث عن الهدوء وراحة البال.
يعلّق الجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي غرشون هكوهين، والباحث في مركز (بيغن السادات للدراسات الاستراتيجيّة) على ما حدث بالقول: حركة حماس هي ليست تنظيماً إرهابياً.. الحديث يدور عن جيشِ نظاميٍّ بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ، ليمعن الجنرال الإسرائيلي في الحديث عن الأجهزة والأدوات المُتقدّمة والمُتطورّة جداً التي تملكها حماس، تماماً كأيّ جيشِ نظاميٍّ في الدول الغربيّة، بالإضافة إلى الصواريخ الدقيقة وبعيدة المدى التي تُهدّد مركز الدولة العبريّة وحتى حيفا في الشمال.
ثانياً: أثبت العدوان الأخير نجاح المقاومة في بناء ترسانتها الصاروخية طوال السنوات الماضية من جهة، وفشل القبّة الحديدية من جهة أخرى.
شكّل نجاح المقاومة في إطلاق 150 صاروخاً في دقائق خلال الرشقة الأولى ردّاً على العدوان رسالة قوية للكيان الإسرائيلي الذي لم يجد سبيلاً سوى استهداف الأبنية والمدنيين.
القناة الثانية العبرية علّقت بالقول إن “مقاتلي حركة حماس احتالوا على منظومة القبة الحديدية خلال الجولة الأخيرة من القتال وأضعفوا من فاعليتها”.
ثالثاً: تُرخي هذه المواجهة بظلالها على صفقة القرن المرتقبة حيث يتوحّد الشعب الفلسطيني في مواجهة أي عدوان عسكري وسياسي. بدا لافتاً حجم التنسيق بين فصائل المقاومة في غزّة، إعلامياً وعسكريّاً وسياسياً وهذا ما سنشاهده أمام أي استحقاق سياسي يرقى لمستوى العدوان، كما هو الحال في صفقة القرن.
رابعاً: أثبت الكيان الإسرائيلي لجوءه إلى استهداف المدنيين كورقة ضغط على فصائل المقاومة، كما أثبت نتنياهو مجدداً أنه وجيشه إرهابيون من الطراز الأول، فقد استشهد أكثر من 30 فلسطينياً بينهم نساء حوامل، وأطفال ورضّع.
يعتقد نتنياهو أنه من خلال عمليات القصف هذه يمكنه الضغط على الشعب الغزّي، لكن الدعم الشعبي الذي شاهدنا يؤكد رسالة أبناء غزّة ومقاوميها للمحتل “لن تنعموا بالأمن طالما افتقدناه هنا”.
ما أثبته هذا العدوان أن الكيان الإسرائيلي غير قادر على الصبر والعيش تحت نيران المقاومة، لم تكسر المقاومة الكثير من الخطوط الحمراء، لكن دائرة النيران التي توسّعت عن العام 2014، ستتسّع في أي مواجهة مقبلة، ولا شكّ أنها ستعبر تل أبيب، ليس بصاروخ أو اثنين بل بالعشرات، وربّما المئات.
خامساً: لا شكّ أن ما حصل في غزّة يمثّل تجربة ثمينة لبقية قوى المقاومة في المنطقة، هذه القوى، وفي مقدّمتها حزب الله، ستستفيد من هذه التجارب، لاسيّما تلك المرتبطة بالقبة الحديدة.
بدا لافتاً غياب أي توجّه إسرائيلي للتقدّم البرّي نظراً للتبعات الكارثية، لذلك لا نستبعد أن نكون أمام معادلة شبيهة بمعادلة الجليل التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ولكن في الجنوب وغلاف غزّة.
في الختام.. مرّة جديدة تنجح فصائل المقاومة في كسر الكيان الإسرائيلي، وكل محاولاته الرامية لفرض معادلات ردع تطلق يده في مواجهة غزة.
نجاح جديد يسجّل للمقاومة التي تسعى لمنع العدو من التمادي في استهداف شعبها، وإفشال سياسة الابتزاز يعتمدها، لكنّ أهمية هذا النجاح لا تقتصر على نوعيّته فحسب، بل توقيته أيضاً كونه يأتي قبل فترة وجيزة من موعد الإعلان عن صفقة القرن المشؤومة.