ما وراء لعبة المستشارين الأميركيين على الأرض السورية ؟!

 

 
في إطار إستراتيجية المراوغة والكذب والسعي لتدمير المنطقة وتشريد شعوبها وتحقيق أعلى درجات الأمن والأمان للكيان الإسرائيلي العنصري أعلنت الولايات المتحدة منذ أيام أن الرئيس باراك أوباما أعطى الإذن بنشر عدد قليل من قوات العمليات الخاصة الأميركية (أقل من خمسين مستشاراً) في شمال سورية ؛ للعمل مع قوى معارضة سورية تحت بند الاعتدال حد قوله ، وتزامن ذلك الإعلان مع اختراع منتج أميركي جديد تحت مسمى (قوات سورية الديمقراطية لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي ).‏

لكن السؤال الجوهري الذي يلقي بظلاله على بوصلة الخطوة الأميركية المخالفة لقواعد القانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة هو إذا كانت أميركا قد أخفقت حتى الآن في حربها المزعومة على داعش المتطرف وأسست التحالف الدولي لهذه الغاية وقامت بأكثر من تسعة آلاف طلعة جوية ولم تثمر عن شيء فكيف سيتمكن مستشاروها الخمسون من تبديل المشهد ؟ وإذا كانت طائراتها قد دمرت كما زعمت حتى الآن آلاف الأهداف للتنظيم الإرهابي فما الحاجة لهذا العدد المحدود من المعتدلين المزعومين ومن مستشاريهم ؟!.‏

إن الحقيقة الوحيدة التي يمكن البوح بها ، ومن غير تردد ، هي أن الخطوة الأميركية المراوغة تأتي لوضع قدم على الأرض بعد التدخل الروسي الذي جاء بطلب من الحكومة السورية كي تتمكن أميركا من المشاغبة على الدور الروسي ومحاولة إفشاله أو وضع العراقيل والعصي في عجلاته .‏

وما يؤكد هذا الأمر التصريحات الأميركية المتناقضة حول مهمة المستشارين المذكورين والتي تأتي عبر توزيع الأدوار بين أقطاب البيت الأبيض والبنتاغون والسي آي إيه فمرة يقولون إنهم جاؤوا لدعم المعتدلين فقط ومرة لإعطاء الاستشارات لمحاربة داعش ومرة ثالثة ينفي المسؤولون في البيت الأبيض أن قوات العمليات الخاصة ستنشر في الخطوط الأمامية للقتال ضد داعش بينما يقول بعض الجنرالات أن وجودهم هناك سيشكل خطراً على حياتهم أو أن وجود قوات أميركية خاصة في منطقة القتال الساخنة سيمنحهم الحق في الدفاع عن أنفسهم إذا ما تعرّضوا للهجوم.‏

والدليل الآخر على تلك التصريحات الغامضة والمتناقضة ما قاله جوش إرنست ، الناطق باسم البيت الأبيض، حين شدّد على أن قرار إرسال قوات عمليات خاصة لسورية لا يتضمّن انخراط تلك القوات في عمليات قتالية، بل ستقتصر مهمتها على دعم بناء قدرات القوات المحلية على الأرض وتقديم المشورة والنصح ولا ندري لمن النصح وضد من وإذا كان النصح لداعش فكيف سيستقيم الأمر مع محاربة التنظيم ؟!.‏

ما يثير السخرية في تصريحات الناطق باسم البيت الأبيض أنه رفض وصف هذه الخطوة بأنها تغيير في السياسة الأميركية وتراجع عن تصريحات سابقة للرئيس أوباما قال فيها إنه لن يرسل جنودًا للقتال على الأرض. فالناطق يزعم أن إستراتيجية بلاده لم تتغير في سورية، فقد قرر الرئيس حسب زعمه تعزيز الجهد بإرسال القوات الخاصة إلى سورية لتوفير الدعم للعمليات ضد داعش وهي لن تؤدي مهامًا قتالية.‏

أكثر من ذلك يقر إرنست بوجود مخاطر تواجهها القوات الأميركية الخاصة مع وجودهم عند خطوط القتال الأمامية لكن مسؤوليتهم كما يقول ألا ينخرطوا في الجهد القتالي، بل تقديم الدعم للقوات المحلية ثم يناقض نفسه قائلاً إننا نؤمن بأنه لا يوجد حل عسكري للأزمة في سورية، ولقد وضعنا استراتيجية متعددة الجوانب تتضمن جانبًا عسكرياً ونعلم أننا نحتاج لعملية انتقال سياسي في سورية ، فكيف يستقيم الجمع بين عدم المشاركة في القتال مع تقديم الدعم لمقاتلين على الأرض مع دعم الحل السياسي مع تضمين كل ذلك مع جانب عسكري .. لا أحد يدري !.‏

والواقع فإن هذا التناقض في السياسة وهو تناقض مقصود ومبرمج أصبح مكشوفاً للقاصي والداني وبات انتقاد سلوك الولايات المتحدة الأميركية يأتي ليس من أعدائها بل من عقر دارها لجهة انخراطها المباشر مع حلفائها بدعم وتسليح الإرهابيين في سورية وهاهو السيناتور الأميركي الجمهوري لولاية فرجينيا (ديك بلاك) إن ما تقوم بلاده مع تركيا و السعودية يفاقم الوضع تعقيداً في الأزمة في سورية وأن التسلل والانخراط الأميركي في الشرق الأوسط كان سبباً لظهور الإرهابيين .‏

ولم يكتف بلاك بمهاجمة سياسة إدارة أوباما بل إنه دعا إلى أن تستيقظ الولايات المتحدة وأن تفهم أن الساعة قد حانت لوضع حد لهذه المجازر ولوقف إسقاط الأنظمة , ووقف حمامات الدم في المنطقة برمتها‏ معتبراً أن ترنح واشنطن السياسي وتخبطها جعلها تطلق مجموعة تصريحات متناقضة فيما يخص برنامج تدريب إرهابييها المعتدلين فتارة تنعيه وتارة تنفخ في جسده الميت دون أن تراجع حساباتها .‏


دينا الحمد *موقع العهد الاخباري

قد يعجبك ايضا