ورشة البحرين من مخطط تصفوي الى فرصة تاريخية
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || العهد الاخباري: جهاد حيدر
لم يتبلور قرار عقد ورشة البحرين من قبل الادارة الاميركية إلا بعد سلسلة محطات مرت بها القضية الفلسطينية خلصت الى فرملة عملية التسوية وتصاعد منطق المقاومة داخل فلسطين. وايضا بعد سلسلة تحولات مرت بها البيئة الاقليمية انتهت الى تصاعد محور المقاومة الذي حقق انتصارات غيرت مجرى التاريخ. أدرك المعسكر المعادي الذي تترأسه الولايات المتحدة الاميركية خطورة هذا المشهد فعمد الى بلورة تحالف يستند الى بيع فلسطين، وبهدف احتواء مفاعيل هذه الانتصارات ومواجهة محور المقاومة في المنطقة.
منذ ما بعد اتفاقية اوسلو؟ لم تنجح “اسرائيل” في فرض صيغة تسوية نهائية على الشعب الفلسطيني، وهو ما أدى الى حالة من المراوحة والجمود على صعيد التسوية. في المقابل، واصلت “اسرائيل” في ظل اتفاق اوسلو مخطط التوسع الاستيطاني فضاعفت أعداد مستوطنيها من 110 الاف في الضفة ومثيلهم في القدس الشرقية، الى أكثر من 800 ألف.
مع ذلك، لم تنجح “اسرائيل” في مخططاتها للقضاء على المقاومة في قلب فلسطين، وفشلت في انتزاع شرعنة الاحتلال من الشعب الفلسطيني. أدى ذلك الى الحفاظ على ديمومة المقاومة وروح الثورة التي بلغت مرحلة تمكنت فيها المقاومة من فرض معادلات اضطر معها العدو حتى الان الى التسليم بها. انعكس ذلك في وعي القادة الاسرائيليين باليأس من امكانية الحسم العسكري، ومن الحسم ايضا على مستوى الوعي والارادة.
بالموازاة شهدت المنطقة خلال السنوات الماضية، صعود محور المقاومة في كل ساحاته بدءًا من ايران مروراً بالعراق وسوريا وصولا الى لبنان. (الى جانب واقع المقاومة في فلسطين كما أشرنا). هذا المسار التصاعدي رأت فيه واشنطن و”تل ابيب” مصدر تهديد للنفوذ الاميركي وللامن القومي الاسرائيلي.
أدرك الطرفان الاميركي والاسرائيلي من موقع تجربة العقود السابقة أن بقاء قضية فلسطين حية في نفوس الشعوب العربية، والحفاظ على جذوة النضال والمقاومة في فلسطين، ينطوي على تهديد دائم: الاول أنه يخدم محور المقاومة الذي يوحد الامة وشعوب المنطقة على قاعدة تحرير فلسطين، والثاني أنه يشكل سداً أمام الانظمة العميلة والخاضعة والضعيفة، للانخراط في تحالفات علنية مع اسرائيل. وهكذا اكتشف اعداء الامة وفلسطين ضرورة تصفية القضية الفلسطينية.
لكن هذا المخطط دونه تحديات وعقبات، من ضمنها ما ينبع من اسرائيل نفسها، كونها غير مستعدة لتقديم تسهيلات للطرف العربي كي يتمكن من تسويقها داخل الشعب الفلسطيني والعربي، وانما ارادت تحالفاً علنياً من دون أي “تنازلات” في الارض. وهكذا يكون كيان العدو انتزع – بحسب المخطط – شرعنة احتلاله لفلسطين، وتحويله الى كيان طبيعي له الحق بالوجود الآمن، وتحولت بموجب ذلك، دول وأحزاب وشخصيات عربية الى أدوات لمواجهة محور المقاومة.
انطلاقا من هذه الرؤية، تبلورت الصيغة الجديدة لتصفية القضية الفلسطينية. ومما ساهم في رفع منسوب الرهان على الدفع بهذا المخطط، وصول دونالد ترامب الى رئاسة الولايات المتحدة والذي تبنى بالكامل المطلب الصهيوني ازاء فلسطين وقضايا المنطقة.
منذ ما بعد توليه منصبه في الرئاسة اعلن ترامب عن عزمه تسوية القضية الفلسطينية، فكشف عن معالم الصفقة التي يريد فرضها على الشعب الفلسطيني، بشكل عملي. فبدأ بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الاميركية اليها، ثم انتقل الى الاعتراف بالجولان، وبادر الى خطوات عطلت دور الاونروا في تعبير عن توجهه لحذف قضية اللاجئين. ويتم التمهيد الان للاعتراف بمستوطنات الضفة الغربية كجزء من اسرائيل، وهو ما كشف بشكل جلي معالم الصفقة التي يريد طرحها على الاطراف العربية.
الصفعة الاولى التي تلقاها هذا المخطط تمثلت بالاجماع الفلسطيني على رفضه، وانسحب ذلك على تكتل قوى المقاومة بكل تياراتها وفصائلها التي ازدادت التحاما لمواجهة هذا المخطط. تزامن ذلك مع تطورات داخلية اسرائيلية، أدت الى تأجيل اعلان الصفقة مرارا، الى أن تم ابتكار صيغة ورشة البحرين التي تُمثل الجانب الاقتصادي من الصفقة.
أيا كانت منطلقات خطة الفصل بين الورشة الاقتصادية والصيغة السياسية للصفقة، فقد اعلن مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، جاريد كوشنير، عن استثمارات قدرها 50 مليار دولار سيمتد انفاقها على مدى عشر سنوات، نصفها للاراضي الفلسطينية والنصف الباقي موزع على مصر والأردن ولبنان. وهكذا لم تهتم ادارة ترامب ومسؤولوها، بأن تبدو هذه العروض على أنها رشوى من أجل بيع فلسطين، ومع ذلك ستبقى هذه الرشى حبراً على ورق الى حين الالتزام بالتنفيذ.
مع ذلك، عندما يكون هناك رشوى، يعني هناك بضاعة أو خدمة في المقابل، ومن يرِدْ هذه الخدمة يدفع الرشوى، إلا أن المعادلة في قضية فلسطين مختلفة. فمن سيقبض هو العدو الصهيوني من خلال الاعتراف بشرعية احتلاله، لكن من سيدفع هم العرب (اغلب المبلغ).
تأتي ورشة المنامة ترجمة لمخطط نتنياهو الذي سبق أن روَّج له منذ سنوات تحت عنوان السلام الاقتصادي باعتباره المدخل للحل السياسي. ولم يجد معهد ابحاث الامن القومي في تل ابيب حرجاً من أن يسمي المبلغ الذي اعلنه كوشنير على أنه طعم للفلسطينيين للتنازل في قضايا أخرى مرتبطة بتطلعاتهم القومية. والملفت في هذا المسار، أن هناك اصراراً على طرح الصفقة، رغم كل المؤشرات التي تتوالى على فشلها. حتى أن الكثير من الخبراء في كيان العدو لا يخفون تشاؤمهم من امكانية نجاحها.
مع ذلك، تبقى حقيقة ينبغي التذكير بها وهي أن المخططات لا تفشل من تلقاء نفسها. وتجارب الماضي القريب تؤكد على ذلك. لكن ما يبعث على الثقة بالمستقبل، لم يعد فقط معتقدات وآمالاً، بل ايضا بالاستناد الى انتصارات تاريخية صنعتها المقاومة في لبنان وفلسطين، وصولا الى سوريا والعراق، والى محور ما زال يتمدد ويتصاعد وصولا الى اليمن. وعلى ذلك، لن يكون مفاجئاً أن ينجح محور المقاومة في تحويل التهديد الذي تشكله صفقة القرن الى فرصة تاريخية تتوحد فيها شعوب المنطقة على شعار واحد “تحرير فلسطين من البحر الى النهر”.