جلاء.. ولكن؟
بقلم/ علي المحطوري
بالنظر إلى تطورات الأحداث ومآلات الأمور ما بعد يوم الجلاء الـ 30 من شهر نوفمبر 1967، وحتى اليوم، – ثمانية وأربعون عاما- يتبين بجلاء أن ما تحقق في ذلك اليوم بتضحيات أبطال تلك الحقبة النضالية – بحاجة إلى أن تتجدد – كما نراها اليوم- بعد أن خبت جذوتُها، وتلاشت إنجازاتُها، وعاد “المستعمر” من الباب الذي خرج منه على أكتاف خليج طالما شكل عائقا حقيقا لنهضة الأمة العربية.
نعم، لم تعد بريطانيا بنفسها، ولم تأت أمريكا بمارينزها كما أتت العراق وأفغانستان، ولكنها مدّت الخليج بما يريد، ودفعته لشن عدوان على اليمن انتقاما من ثورة 21 سبتمبر 2014، والتي مثلت رافعة سياسية شعبية واعدة باستعادة اليمن بعضا من المكانة كمقدمة لاستعادة كامل السيادة والاستقلال.
والآن ومع يوم الجلاء، تتجلى الكثير من الحقائق منها:
– وقوع جنوب اليمن في قبضة الاستعمار من جديد، واجتياح عدن من قبل القوات الإماراتية واستقدام سودانيين وعصابات من أمريكا اللاتينية إنما تم بتخطيط وإسناد أمريكي بريطاني.
– دور مشيخات الخليج في فرض سلطة سياسية عميلة في عدن ليس بالضرورة عنوان قوة لتلك المشيخات، بقدر ما هو مؤشر ضعف لقوى الاستعمار نفسها، حيث لم تعد قادرة على نشر قواتها كما كان في السابق.
– انتهاء الخليج الشقيق، وانكشافه عن خليج معادٍ، خصوصا المشيخات التي شاركت في العدوان على اليمن، وأنها ليست سوى مخالب استعمار.
– لا استقرار في اليمن حتى ينكسر النظام السعودي، ويحترم بالقوة العسكرية إرادة الشعب اليمني.
– الصراع القائم هو حول “العقيدة القتالية”، وبقية العناوين تفاصيل، فرؤية اليمن السياسية للمشكلات والأزمات في المنطقة تختلف جذريا عن رؤية الخليج الحاضن للوهابية، والمؤمن بالتعايش مع “إسرائيل”.
– قوة اليمن نابعة من إيمان شعبه بثقافته العربية الإسلامية، وفكره السياسي الثوري وقيمه الإنسانية، فيما الخليج ينام على “حماية الآخرين” والركون إلى بوارجهم، وهو يعيش الخوف من تراجع الولايات المتحدة عن موقعها الأول في النظام الدولي، كما عبر عن ذلك نفسه محمد بن سلمان، وأبدى خشيته من تخلي أمريكا عن المنطقة. وذلك في حوار نشرته صحيفة نيويورك تايمز.
– لا قيام لأي دولة في اليمن مستقرة، وذات سيادة مقبولة ما لم يتراجع نفوذ النظام السعودي، وبقية أطراف الخليج.
– لا تعايش داخل الجزيرة العربية طالما ظل النظام السعودي على أوهام قيادة الأمة العربية، وأنها قد آلت إليه بعد انهيار العراق وسوريا، وترنّح مصر.
– هزيمة اليمن تعني اندلاع حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.
– أي ضعف لليمن سيؤدي إلى استفحال آفة “التكفير”، وسيطرة الجماعات الإجرامية التكفيرية الإرهابية وتحكمها برقاب الشعب.
– أي انكسار لليمن لا سمح الله فهو يعني أن تخسر القضية الفلسطينية بلدا عربيا واعدا بمدِّها بعوامل القوة والبقاء والصمود، أبرزها أن يساهم من خلال إطلالته على باب المندب في تغيير مسار الصراع العربي الإسرائيلي لمصلحة ثورة الشعب الفلسطيني.
وفي الأخير لا جلاء إلا بانجلاء الغُمّة السعودية، وانقشاع المظلة الأمريكية، وإلى ذلك الحين فلا خيار أمام الشعب اليمني سوى مواصلة معركته الوطنية على كافة الصعد والمستويات، حيث آفاق الانتصار فيها ستنقل اليمن إن شاء اللهُ إلى موقع أفضل في عالم لا يحترم سوى الأقوياء.