غايات الرسالة الالهية
من غايات الرسالة الإلهية :
• إقامة القسط
بداية الحديث هو عن موضوع مهم، هو عن الغاية والهدف من إرسال الرسل وإنزال الكتب، والغاية من دين الله، فلماذا أرسل الله محمداً؟ ما هي مهمة النبي محمد؟ ما هو دوره؟ وعلى أي أساس أتى؟ وماذا يهمنا من شأنه؟.
عند العودة إلى القرآن الكريم نعرف أن الهدف من ذلك هو الخير للناس، هو لمصلحتهم، هو لسعادتهم، هو لإنقاذهم، هو لصلاحهم وفلاحهم، يقول الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}(الحديد: 25) ومن مفاهيم القسط هو العدل، {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحديد: 25)، فالله جل شأنه رحيم بعباده يريد سعادتهم، يريد فلاحهم، يريد لهم الخير، يريد لهم ألاَّ يُظلموا، ألاَّ يُقهروا، ألاَّ يُستذلوا، ألاَّ يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله، فأرسل رسله، وأنزل كتبه التي فيها هديه وتعاليمه العظيمة ودينه القيم، هذا كله من أجل الناس ليقوم العدل فيهم وليعم الصلاح وليعم الخير، يترتب على ذلك كله زوال الظلم وزوال الفساد وزوال الشر، وكل هذه الثلاثيات يعاني منها الناس في حياتهم [الظلم، والفساد، والشر].
إذا عدنا – أيها الإخوة المؤمنون – إلى واقع الأمة الإسلامية في هذا العصر ونظرنا إلى ما هي عليه، وما يلحق بها من ظلم وإذلال وقهر، وما هي فيه من شتات وفرقة وانحطاط وتخلف، نعرف مدى خسارتها حين أضاعت مسؤوليتها في التمسك برسالة الله وإقامة دينه الذي يكفل لها قيام العدل؛ فلنفهم أن طريق الخلاص من الظلم والهوان لكل شعوب أمتنا، والطريق إلى تحقيق العدل، وإزالة الظلم، وتعميم الخير، وإبعاد الشر، وتحقيق السعادة، الطريق إلى ذلك هو إقامة رسالة الله التي تتمثل بكتابه ودينه.
خطاب السيد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة المولد النبوي الشريف للعام الهجري 1430هـ
• التحرر من عبادة الطاغوت
غاية أخرى لرسالة الله ورسوله ذكرها الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}(النحل:36). إذاً فمن الأهداف الأساسية لرسالات الله عبر كل الأمم وإلى هذه الأمة خاتمة الأمم، ورسولها ونبيها خاتم الأنبياء، من الأهداف الأساسية والغايات الأساسية لرسالات الله ورسله وكتبه دفع الناس إلى التزام العبودية لله من خلال طاعته, واتباع هديه, والتزام أوامره، والانتهاء عن نواهيه, وتطبيق نظامه في الحياة، وتحرير العباد من الطاغوت بما يترتب على هيمنة الطاغوت من استعباد للناس وظلم لهم، وشر وفساد كبير.
والطاغوت هو عندما يتحكم على الناس طاغية يفرض عليهم ما يشاءه ويريده على هواء نفسه بعيداً عن دين الله وعن طاعة الله وعن كتاب الله، أو يُفرض عليهم نظام أو قانون يخالف الله ويتعارض مع دينه وهديه، وهذا من دلائل رحمة الله بعباده، ففي هديه ودينه وما بلَّغ به رسله الخير للناس والسعادة والعدل، أما الطاغوت فشر وظلم وضلال وخسران مبين.
نصل إلى نتيجة مهمة، إنه يتحقق للناس من خلال اتباع الرسول والقرآن التحرر من عبودية الطاغوت المذلة والسيئة والتي هي شر محض، ويتحقق لهم عبادة الله بشكل صحيح في إقامة دينه متكاملاً بما يحقق الخير لهم والعزة والفلاح، ولا يمكن أن يقبل الله من عباده أن يطيعوه في بعض الأمور المحدودة وما تبقى من أمورهم للطاغوت، كما يتصور البعض – وهم مخطئون – أنه يكفي من حياتنا خمس خصال لله والباقي من كل شؤون حياتنا ومواقفنا تكون على ما يريد الطاغوت، هذا خطأ كبير.
فالله جل شأنه يقول في القرآن الكريم: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا}(البقرة:256), ومن خلال هذه الآية القرآنية المباركة يتضح أنه لا يتحقق الإيمان بالله إلا بالكفر بالطاغوت، ومن هذا المنطلق بعث الله خاتم رسله وأنبيائه محمد (صلى الله عليه وآله) بمشروع متكامل عظيم مرتبط بملك الله ورحمته؛ لإصلاح البشرية ودفعها إلى عبادة الله, وإنقاذها من الطاغوت والظلم والهوان، ولتحقيق العدل، وإتمام مكارم الأخلاق، والسمو بالإنسان ليقوم بمسؤوليته في الحياة مع مبدإ الثواب والعقاب، كما يقول الله جل شأنه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً}(الأحزاب: 45-48).
خطاب السيد بمناسبة المولد النبوي الشريف 1431هـ
• إصلاح الإنسان وتربيته
غاية أخرى من الرسالة الإلهية هي إصلاح الإنسان وتربيته والارتقاء به وتكريمه وهدايته؛ ولذلك يذكِّرنا الله بعظيم النعمة علينا – نحن العرب – حينما يقول: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(الجمعة: 2-4) ولأن أمتنا في هذا العصر فقدت تفاعلها مع رسالة الله ودينه ونبيه فقد خسرت العدل، وغرقت في الظلم، وفقدت زكاء النفوس وكان البديل هو الانحطاط والسوء، وفقدت الحكمة وكان البديل هو الغباء والتخبط في المواقف والعشوائية في العمل واللغو في الكلام.
خطاب السيد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة المولد النبوي الشريف للعام الهجري 1430هـ