مملكةٌ على الرمال، وأحلافٌ على الورق!
أمين أبوراشد / موقع المنار
طبيعة ونمط عيش بعض شعوب الدول الخليجية، جعلت جيوش هذه الدول منذ تأسيسها تعتمد على تجنيد رعايا من دول الجوار الفقيرة نسبياً، بحيث أن الرتباء والأفراد هم من جنسيات عُمانية ويمنية وباكستانية وأردنية، ويحتفظ المواطنون الأصليون بمراتب الضباط تماماً كما الوظائف الحكومية العليا، أما أن تلجأ إحدى دول التحالف السعودي في الحرب على اليمن، الى استيراد مئات المقاتلين من المرتزقة الكولومبيين، كما أوردت وكالة الأنباء الفرنسية منذ أيام، للقتال بدلاً عن جيشها في اليمن، فإن المسألة باتت إستيراد دواعش تحت الطلب.
ويذكر المصدر نفسه، أن الدولة صاحبة العلاقة خططت في البداية لإستجلاب 800 كولومبي، إلا أن المجنَّدين رفضوا ذلك، واشتكوا من أن القتال في اليمن يتجاوز شروط عقودهم الأصلية، وليسوا على استعداد للقتال في حروبٍ خارج حدود الدولة المتعاقدة معهم بالنيابة عن جيشها، واستمر 500 منهم على رفضهم، رغم إغرائهم باقتصار مناوباتهم على ثلاثة أشهر وعرض دفع 120 دولاراً كعلاوة إضافية عن كل يوم قتال.
وإذا كانت الجيوش الخليجية نتيجة الخسائر الفادحة التي حلَّت بها خاصة في محافظة مأرب، فضَّلت الجنود الكولومبيين السابقين عن سواهم، فلأن لديهم الخبرة في قتال المنظمات اليسارية ومهربيّ وتجار المخدرات في بلدهم، ما شجَّع على الاستعانة بهم نظرا لأن بعض الجيوش الخليجية تفتقر الى الخبرة القتالية في المواجهات المباشرة.
واستيراد مرتزقة للقتال بالإنابة على أرض اليمن، يكشف حجم الدواعش الذين تستوردهم السعودية أو قطر أو سواهما من دول الخليج، سواء الى سوريا أو العراق أو ليبيا ومن ثم اليمن، وأن الدول الخليجية باتت تعتمد أسلوب السياسة الأميركية في الحرب بالكفوف البيضاء، طالما المال يشتري “دواعشاً”، وقد صرَّح الأمير السعودي المعارض تركي الفيصل من مقر إقامته في سويسرا منذ عدة أشهر، أن النظام السعودي يعتمد في الحرب على اليمن على طيارين هنود وباكستانيين وبريطانيين.
وإذا كان قوام الجيش الإماراتي كما هو واضح 65000 جندي، والجيش السعودي 234000، فما هي فعالية 300 مرتزق كولومبي في الحرب على اليمن وقبلهم مئات من السودان، لو لم تكن دول التحالف مُحرجة من أعداد الضحايا التي تسقط، والتململ داخل قواتها وفي داخلها الشعبي، وتريد تقطيع الوقت بالتي هي أحسن للخروج بأدنى حدّ من الخسائر البشرية بانتظار انتهاء المفاوضات اليمنية – اليمنية بنتائج إيجابية في سويسرا.
وإذا كان تأسيس “القوة العربية المشتركة”، قد تمّ بموجب بروتوكول وقرارات رسمية ومباركة الجامعة العربية وبقي حبراً على ورق، لأن العرب مختلفون أصلاً على تصنيف الإرهاب والمنظمات الإرهابية وفق أجندات كل دولة عربية، فقد جاء تأسيس “التحالف العسكري الإسلامي” ليكشف التخبُّط السعودي، نتيجة ضغوط الغرف السوداء في البيت الأبيض الأميركي لإعطاء “شرعية إسلامية رسمية” للعدوان، لدرجة أن وزير الدفاع محمد بن سلمان، “أسَّس” هذا الحلف عبر اتصالات هاتفية مع بعض الدول، فيما دول أخرى أبدت استهجانها من ضمِّها الى الحلف دون علمها، ثم توالت الإنسحابات ورسائل عدم الرغبة بالمشاركة، وردود الفعل المستنكرة لتحالفٍ “إسلاميٍّ” فضفاض يضم أكثر من 4 ملايين جندي وليست فلسطين وجهته حتماً، وورد فيه حزب الله ضمن المنظمات الإرهابية، وتزامن إعلان هذا الحلف، مع الحملة الأميركية الدولية على الحزب والمقاومة في لبنان، وفرض قيود فوقية على المصارف بذريعة واهية كاذبة أن بعض المصارف تتم عبرها تحويلات مالية الى الحزب، وهذا ما ردَّ عليه بالتفصيل سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وأنكر جملة وتفصيلا اعتماد الحزب في أموره المالية على المصارف.
محلل استراتيجي عربي علَّق على إنشاء “التحالف العسكري الإسلامي” قائلاً: هذا مشروع أميركي نتيجة الخيبات الأميركية في المنطقة، وهو أيضاً حلقة من مسلسل التنافس العائلي الذي تعيشه المملكة داخلياً في صراعٍ بين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف، بعد نجاح الأخير في ضبط الأمن الداخلي بمواجهة الإرهاب، مما اعتبره سلمان إنجازاً محسوباً لـ بن نايف، وأراد من فكرة إعلان التحالف بهذه السرعة، إثبات وجوده المستقبلي على العرش أمام بن نايف أولاً وأمام الخارج وفي طليعته أميركا ثانياً بعد التخبُّط الذي تعيشه السعودية في حروبها الخارجية خاصة في اليمن، وارتدادات العدوان السعودي على جنوب المملكة الذي باتت قرى بكاملها فيه تحت السيطرة اليمنية.
محللٌ آخر أبدى خشيته، من سياسة التهوّر التي تنتهجها المملكة في إقامة الأحلاف وقال: كان سعر برميل النفط يتراوح ما بين 100 و 110 دولار أميركي في بدايات العام 2011 عند انطلاق ثورات “الربيع العربي” وتورُّط السعودية فيها، وسعر البرميل اليوم هو 35 دولاراً وقد يتدنى الى 30، وصندوق النقد الدولي سبق له وحذَّر السعودية بأن أي سعر دون 106.7 دولار للبرميل، هو خسارة لها بالقياس الى موازنتها الضخمة، مما يعني أن انهيار سعر النفط بنسبة الثلثين، وبدء المملكة بالسحب من احتياطها النقدي في غياب صناعات وقطاعات إنتاجية تعوِّض الخسائر في النفط، والتي سوف تستمر مدى العامين المُقبلين، ما يعني بداية انهيار مالي قد يُقارب الإفلاس خلال خمس سنوات، في حال لم تخفف المملكة من التورُّط الخارجي والبذخ المفرط في شراء الأسلحة، وإذا لم تنكمش ضمن حدودها لترتيب وضعها الداخلي ومواجهة تداعيات التورط، لأن كل دول هذا التحالف الورقي غير قادرة على إنقاذها من انهيارٍ كامل …