مولدُ النور
موقع أنصار الله || مقالات || خلود الشرفي
في خضم الأحداث الرهيبة، وَالانتصارات العظيمة، التي مَنَّ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بها على شعبنا العزيز الصامد الصابر، تأتي أعظمُ مناسبة في تاريخ البشرية أجمع، وَعلى طول التاريخ، وَبلا منازع..
مناسبةٌ عظيمةٌ تملأ الأكوانَ بشائر، يفوحُ من ذكرها مسكُ عاطر، مولد أعظم رجل عرفته البشريةُ، وَأقرب أنبياء الله إلى ربِّ البرية، محمد رسول الله -صلواتُ الله عليه وَعلى آله-، ذلك الإنسانُ العظيم بكلِّ معاني العظمة وَالشموخ، ذلك الإنسان العظيم الذي جسّد مكارمَ الأخلاق على أرقى مستوى، وَفاق فلاسفةَ العصر، وَعلماء الزمان، كيف لا وَهو رسولٌ من عند رب العالمين؟! تخرُّ له الملوكُ، وَتحنو له الجباه، ذلك هو رسول الإنسانية، وَعظيم البشرية وَالذي نراه في قمة ذلك العز الشامخ المنيف، وَالعلم الباذخ الحصيف الذي أعطاه الله إياه.. نجده يقول: “إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ”.
نعم، لقد لخّص الرسولُ الأعظمُ -صلوات الله عليه وَعلى آله- حياتَه في هذه الكلمات البسيطة: “إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ” تواضع جم، وَأخلاق راقية، وَسلوك فريد، يعلمنا إياه رسولنا الحبيبُ -صلواتُ الله عليه وَعلى آله-.
وَمن طيات التاريخ، وَعثرات الزمان، يأتي المنقذُ الوحيد للبشرية من ما وقعت فيه من الظلم وَالظلمات، يأتي إلينا؛ ليخرجنا من الظلمات إلى النور، وَمن ذلِّ الحياة إلى عزّها، وَيحرّر بني الإنسان من العبودية للإنسان الآخر إلى العبودية المطلقة لله ربِّ العالمين وحده لا شريكَ له (وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
وَفي ظل تزاحم التجهيزات للاحتفال بمولد الرسول الأعظم -صلواتُ الله عليه وَعلى آله- تأتينا أخبار تُثلج صدورنا، وَتبرّد قلوبنا، وَتقر بها أعيننا، انتصارات عظيمة متوالية، أحداث جسيمة متعاقبة، تبشّر بالنصر الكبير الذي تنتظرُه الأمةُ، بعد زمن طويل من الانحرافات عن خطِّ الهداية الذي رسمه لها سيّدُ البشرية -صلواتُ الله عليه وَعلى آله-.
هناك أحداث وَدروس، حِكَم وَعبَر نستلهمها من مولد النور الأغر، وَصاحب الحوض وَالكوثر، الذي ربانا على العزّة وَالشموخ، وَالبذل وَالعطاء، وَالتضحية وَالانتصار (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) وصف دقيق من ربِّ العزة وَالجلال -سبحانه وَتعالى- لما ينبغي أن يكونَ عليه كُـلُّ من اتبع الرسولَ الأعظم -صلواتُ الله عليه وَعلى آله-.
الموالاةُ وَالمعاداة أهَمُّ مبدأ من مبادئ الإيمان العظيم (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ، رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) صفتان متضادتان، الشدّة على الكفار الظالمين، وَالرحمة وَحسن التعامل فيما بين المؤمنين، وصف راقٍ، وَإيجاز دقيق من ربِّ العزة -سبحانه وَتعالى-، وَقاعدة عظيمة يسير على ضوئها المستنيرون المهتدون، هذه القاعدة التي انطلق منها رسولُ الرحمة -صلواتُ الله عليه وَعلى آله- كمبدأ ثابت لا يمكن التنازل عنه، أَو المسّ به، فمن المنطقي جِـدًّا الشدة مع الكفار وَالظالمين؛ لإرغامهم على الاستسلام وَالخضوع، وَمنعهم من ظلم الناس، وَبثِّ هيبة المؤمنين في قلوبهم، وَهذه القاعدة العظيمة المتمثلة بثلاث كلماتٍ (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) قاعدة هامة انطلق منها الرسولُ الأعظم -صلواتُ الله عليه وَعلى آله- مع علمة المسبق بأنها كفيلة بالنهوض بالإمة؛ لبثِّ هيبة المسلمين في أعين الكفار المعتدين، وَقطع أيديهم عن إفساد البلاد وَالعباد، وَالتطاول على الناس بغير الحقِّ.
وَهو ما نشاهده اليوم من امتداد أيدي الكفر إلى بلدان المسلمين، وَتطلّعهم بعين الشر إلى ما في أيديهم؛ حسداً وَبغياً وَعدواناً؛ لكي لا تقوم لنا قائمة، وَلكن (يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) وَها نحن نرى أضواء النصر تبرق في كُـلّ مكان، وَبيارق العز تبرز في كُـلّ زمان، ليقول للتاريخ: قفْ يا زمن.. فهنا أسطورة النصر، وَعباقرة بني الإنسان.