ثورات واشنطن من طهران وبغداد إلى بيروت

|| صحافة ||

تحولت منطقة الشرق الاوسط في السنوات الأخيرة إلى ميدان اختبار للجغرافيا السياسية الأميركية، استخدمت فيها إدارة الرئيس دونالد ترامب أدواتها المتنوعة لنشر الفوضى. المنطقة التي وجدت نفسها، بعد سنوات من الانتصار على الإرهاب، مجددا على خط الزلازل السياسية والأمنية، لم تعد مشاهد عواصمها المشتعلة منفصلة عن بعضها بعضاً، من بيروت إلى بغداد وصولا إلى طهران.

ما اجمع عليه الكثيرون خلال الفورات الأخيرة في العواصم الثلاث، مسألة الركوب الأميركي لـ موجة “الثورات” أو المطالب الشعبية من أجل تحقيق أجندة وغايات معيّنة، وهذا ما تكشفه شهادات عدة لمسؤولين أميركيين فضحوا نوايا واشنطن، فهناك من اعترف بشكل واضح ان المقصود في لبنان “نزع سلاح حزب الله على المدى الطويل” وهناك من أكد ان التوتر في إيران يقع في سياق “سياسة الضغوط الاميركية القصوى”، فيما أقر آخر بأنه يهدف إلى التخلص مما اسماه “النفوذ الإيراني” في العراق.

العراق.. فوضى تُفيد أميركا

حفلة الإجرام الجنونية التي شهدتها ساحة الوثبة وساحات اخرى في العراق خلال الأيام الماضية، أعادت إلى العالم المشاهد الدموية التي بثها تنظيم “داعش” الإرهابي قبل هزيمته، لتؤكد أن الميول الوحشية لا تزال تعيش في نفوس المندسين ممن ادخلتهم أميركا الى موجة الحراك.

المنهج التخريبي الذي اتبعته الولايات المتحدة في العراق، الذي أدى إلى مقتل أكثر من أربعمئة عراقي وسقوط آلاف الجرحى، خلال أقل من شهرين من عمر حراك اختلط فيه السياسي بالاجتماعي، واضح وجلي، فاعتماد العنف منذ الأيام الأولى للمظاهرات واستهداف المندسين للقنصلية الإيرانية والمساجد في المدن العراقية تشير إلى مخطط يدار من أجل جر البلاد نحو الفوضى.

تصريحات المسؤولين الأميركيين لطالما أكدت نوايا الولايات المتحدة المشبوهة تجاه ما يجري في العراق، فقد قال وزير الخارجية مايك بومبيو في 17 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي إن إدارة بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه ما يجلب المعاناة للعراقيين، حسب زعمه، مشيرا إلى دعمه لما تسعى إلى تحقيقه التظاهرات اي التخلص من التدخل الإيراني.

بدورها، أشارت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن كيلي كرافت إلى ان “واشنطن ستبذل كافة الجهود الممكنة لـ”مساعدة” العراق، وقالت في المقابل إن “جيران العراق لا يجب ان يتدخلوا في شؤونه الداخلية”.

واضافت كرافت ان “السطات العراقية لا يحق لها استعمال العنف ضد المتظاهرين السلميين، وستكون لدينا جلسة طارئة حول العراق، ولن نقبل اي انتهاكات بحق المتظاهرين”.

كما أكدت كرافت ان رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي يجب ان يحاسب بعد استقالته، موضحة ان “هناك مشاورات بخصوص العراق، ومن المهم جداً ان نتحدث بصراحة ومن القلب عما يدور في العراق”، على حد قولها.

ولطالما شدّدت المرجعية الدينية في العراق على حرمة الاعتداء على المتظاهرين السلميين وتركهم عرضة لاعتداءات المندسين وأضرابهم.

إيران.. مخرّبون مدعومون أمريكيًا

في إيران، اندلعت احتجاجات حملت عنوان الاعتراض على رفع سعر البنزين في الظاهر، لكن سرعان ما ظهر وجهها التخريبي، ليتبيّن الدور الأميركي بشكل واضح، فبالإضافة إلى الاعتراف الأميركي بالدعم الذي قدم للمتظاهرين، عبر تصريحات عدد من مسؤولي الإدارة الأميركية، أوقفت قوات الأمن الإيرانية 40 شخصاً من مثيري أعمال الشغب متهمين بتنفيذ أفعال تخريب بعد أيام من اندلاع التظاهرات.

وحينها، أكدت وزارة ​الأمن​ الإيرانية أن التعامل مع كل العناصر المخلة بالأمن والاستقرار يجري بحزم، كاشفة عن مسببي الشغب الرئيسيين الذين اتخذت بحقهم الإجراءات المناسبة للتعامل معهم، وأضافت ان “أعداء إيران يعلقون آمالًا على هذه الاضطرابات لكنهم سيحبطون كما في الماضي”.

كما كشفت الوزارة عن شبكة جواسيس من 8 أشخاص كانوا يعملون لصالح وكالة المخابرات المركزية الأميركية، عبر جمع المعلومات عن الأحداث الأخيرة في إيران وإرسالها إلى جهات أجنبية تحت عنوان “صحافة المواطن”.

وقد قال آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي إن الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد كانت “مؤامرة كبيرة وخطيرة” وتم إفشالها من قبل الشعب الإيراني، فيما أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني ان الولايات المتحدة كانت تظن أن بلاده ستشهد حربا داخلية تستمر أشهرا عدة، مضيفا ان “واشنطن وظفت كافة إمكانياتها الإعلامية والمالية في الأحداث الأخيرة في إيران”.

في المقابل، كشف المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران براين هوك، في وقت سابق عن الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة للمتظاهرين الإيرانيين خلال الاحتجاجات الأخيرة، موضحا ان واشنطن قدمت “أدوات للمتظاهرين وصلوا عبرها لشبكة الإنترنت عندما جرى قطعها من قبل الدولة”.

وأكد هوك ان “عقوباتنا الاقتصادية موجعة للنظام الإيراني”، مدعيا أن “إيران دوما بحالة عداء مع الآخرين وتريد السيطرة على الشرق الأوسط والعالم”.

بدورها، قالت كرافت في وقت سابق إن التوتر في المنطقة سيبقى قائما ما دامت أميركا تنفذ “سياسة الضغط القصوى” التي تتخذها ضد ايران.

لبنان.. تورّط أمريكي في بعض التظاهرات

الدور الأميركي في الحراك الشعبي في لبنان، تؤكده شواهد عدة، إذ منحت الإدارة الأميركية لأعدائها مواد عدة تثبت دعمها لـ”الثورة” وركوبها موجة المطالب الشعبية، خصوصا بعد ان اكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وجود فئات تحركها جهات حزبية مرتبطة بسفارات وأجهزة مخابرات أجنبية وشخصيات، وجهات يتم استغلالها من أجل تحريكها خدمة لمشاريع سياسية خارجية.

شهادة السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان أمام “الكونغرس الأميركي”، خير دليل أيضًا على ضلوع واشنطن واجهزتها بهذا الحراك، إذ أكد ان الاحتجاجات الحالية في لبنان تتقاطع مع المصالح الأمريكية على مر السنين، واضعا اللبنانيين امام خيارين: إما الالتزام بسياسات واشنطن، او الانهيار.

فيلتمان، الذي كرر في شهادته كلمة حزب الله 49 مرة، فسّر سياسات واشنطن بـ”الوقوف في وجه حزب الله” و”إضعاف حلفائه في أي انتخابات مقبلة”، و”تأليف حكومة تكنوقراط”.

واستعرض فيلتمان مدى تأثير لبنان على المصالح الأميركية بطرق كبيرة، خصوصا المتعلقة بـ “إسقاط إيران لدورها الإقليمي الخبيث” من خلال “حزب الله” الذي يمتلك قدرات متقدمة لتهديد “إسرائيل” وغيرها من حلفاء واشنطن.

بدوره، عبر بومبيو في وقت سابق عن “حرصه” على ان يدرك اللبنانيين “الخطر الذي يمثله حزب الله على “حريتهم” و”قدرتهم على انقاذ نفسهم”، وقال: “نحن على استعداد تام لجعل العالم يفعل  اي شيء لمساعدة الشعب اللبناني”، وهو ما ورد في كلمة المندوبة الأميركية في مجلس الأمن كيلي كرافت حين قالت إن التوتر في المنطقة لا سيما في لبنان واليمن وسوريا سيبقى قائمًا ما دامت سياسة الضغط القصوى التي تتخذها أمريكا ضد ايران باقية دون الوصول الى نتيجة”.

 

العهد الاخباري

قد يعجبك ايضا