تأملات في محراب ثائر مران

|| صحافة ||

“قلنا لهم في اليوم الأول من أيام الحرب، عندما اتصلوا بنا وهددونا، وقالوا لنا إنّ مصيرنا، أن يقتلونا، وأن ينهوا وجودنا، ككيان إيماني قرآني: الأرض لله، إنّها له، وهو من يقرر ما يجري عليها” .. السيد عبدالملك الحوثي.

ما بين الإيمان المطلق بالله، والإيمان الراسخ بالأرض، كان التمكين الإلهي، لحركة انطلقت مسيرتها القرآنية من منطقة لم يسمع عنها العالم، على يد ثلة قليلة من المؤمنين مستضعفة ومطاردة، يقودهم شاب لم يكمل بعد عقده الرابع، شاب فاق أبناء جيله في العلم والوعي والحكمة والرزانة والنقاء والطهر والبساطة والبصيرة والكرم والبذل والعطاء والسخاء ودماثة الأخــلاق والتعقل والصبر وسعــة الصدر والتواضع والشجاعة والعزة والإباء والنجدة ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف والرحمة، والإحساس بالأمة، واستشعار المسؤولية الدينية والوطنية تجاه بلده وأمته، ورفض الضيم والذل والخنوع والقهر، شاب لم يكن يدور في خَلَد أحد من أبناء جيله أن فكره سيغير وجه اليمن والمنطقة ذات يوم، وسيكون لأتباعه دور محوري في رسم سياسات وتفاعلات المنطقة، وتقرير مصيرها، والتحكم في مسارها.

إنه السيد العلامة الحجة حسين بدرالدين أميرالدين الحوثي، تحفه قلة قليلة من المؤمنين الصابرين المحتسبين، في قرية لا تتجاوز مساحتها بضعة كيلو مترات، ونظام يترصد كل حركاتهم وأنفاسهم، وقوى أمنية تبطش بكل المتعاطفين، ولا ترعى حرمة لصغير أو كبير، فإذا بهذه الثلة القليلة من المجاهدين المخلصين بعد عقد ونيف من الزمن يغيرون وجه اليمن والمنطقة، ويصبحون في سنوات معدودة رقماً سياسياً لم يعد بمقدور أحد من الفاعلين السياسيين في اليمن والإقليم تجاهله أو تجاوزه.

 

* التحصيل العلمي:

“عاش مع القرآن منذ نعومة أظافره، وتربى في بيتٍ من بيوت القرآن، وفي مرحلة من مراحله العمرية هيأ اللهُ له بعض الأسباب ليعيش مع القرآن الكريم، عيش المتأمل الواعي، والمتدبر الخاشع، الذي يتألم لواقع الأمة، وينشد الحل”.

مولده في قرية الرويس ببني بحر وفي رواية بقرية آل الصيفي من مديرية حيدان بصعدة، وتراوحت الآراء حول سنة ميلاده ما بين 1956 و20 أغسطس 1959 وشعبان 1379هـ/ فبراير 1960، والأخير هو الأرجح.

ينحدر من أسرة علمية كريمة، وهي من الأسر الهاشمية العلوية المشار اليها بالبنان في اليمن، وجُل أبنائها من علماء الدين، وأجدادهم من المراجع الدينية المعتبرة في التاريخ اليمني.

نشأ وترعرع في كنف والده السيد العلامة الحجة بدرالدين بن أميرالدين الحوثي، أحد مراجع الزيدية المعتبرة بصعدة الى جانب السيد العلامة الحجة مجدالدين المؤيدي رحمة الله عليهم، ونهل من والده وكوكبة من علماء الزيدية مختلف علوم الشريعة حتى صار الغرة الشاذخة في أعيان زمانه، وهو لا يزال في العقد الثالث من عمره، وأُجيز من كبار علماء الزيدية، ولازم والده في حِلِه وترحاله، وتشرّب منه محامد الأخلاق وجميل الفضائل، وحصد من صفات وسمات الكمال ما لم يحصده غيره من الأتراب والأقران.

ولم يكتفِ بتحصيل العلوم الشرعية، فالتحق بالتعليم النظامي بمراحله المختلفة، وحصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة والقانون من جامعة صنعاء، وشهادة الماجستير في علوم القرآن من السودان عام 2000، وتحدثت بعض المصادر عن حصوله على درجة الدكتوراه في علوم القرآن الكريم، وتعمق رحمة الله عليه في دراسة أصول المذهب الزيدي وعلومه الشرعية وتاريخه السياسي في اليمن.

وخلال دراسته الجامعية بالسودان، كان له بصماته الإيمانية وحضوره المهيب ومداخلاته ومطارحاته العلمية الرصينة، ويشهد له زملاؤه وأساتذته وأصدقاؤه بالذكاء والتفوق والتوسع في الدراسات الاسلامية والمذهبية، وكان مثار إعجاب وثناء الدكاترة والطلاب، وحظي بمكانة مرموقة وشعبية كبيرة بين أوساط المثقفين.

انخرط بعد عام 1994 في منتدى الشباب المؤمن مدرساً ومحاضراً ومديراً، وقد تشرفت بحضور بعض محاضراته خلال العام 1995 بالمعهد العالي في مدينة صعدة ومدرسة الإمام الهادي في بني معاذ بمنطقة سحار، وبعد خروجه من مجلس النواب 1997 تفرغ لنشر أفكاره ومعتقداته من خلال الدروس والمحاضرات والخروج الدعوي إلى المناطق، وفي العام 2000 قرر مغادرة المنتدى والتوجه لتشكيل نواة الثقافة القرآنية حسب اجتهاداته، ونشر فكرها النوراني، وتأسيس المدارس الخاصة بالمسيرة القرآنية في محافظة صعدة وبعض المحافظات المجاورة.

 

* التفاعل السياسي:

كان له إسهام بارز في تأسيس حزب الحق عام 1990والفوز بأحد المقعدين التي حصدها الحزب في الانتخابات البرلمانية لعام 1993، ممثلاً لمديرية حيدان في محافظة صعده للفترة النيابية 1993 – 1997 .

ومن الأشياء اللافتة للمتابعين حينها، العبارة التي أطلقها السيد خلال فترة الانتخابات: “أنا لا أعدكم بشيئ، ولكني أعدكم أن لا أمثلكم في باطل”، وهي تختلف كليةً عن سائر العبارات التي نقرأها أو نسمع عنها في أي انتخابات تُقام، وخاصة عند احتدام التنافس يبن المرشحين، بما تخفيه في ثناياها من المعاني والقيم الصادقة والواقعية، ومن النادر أن نجدها فيمن يمثلون الناس في السلطات التشريعية اليوم.

وكان له اسهام بارز خلال تواجده بالبرلمان في سن القوانين ومحاربة الفساد المتفشي داخل السلطة، وعُرف بين زملائه برؤيته الحكيمة وبُعد النظر وقدرته الخطابية وبلاغته العالية وجرأته في مواجهة الباطل وقول كلمة الحق.

ومما يُحسب له خلال فترة تواجده بالبرلمان عدم توقيعه على القروض الخارجية المقدمة لليمن، والتي تم رفعها الى البرلمان للمصادقة، لعلمه المسبق بأن هذه القروض تذهب إلى جيوب المتنفذين داخل النظام، وأنها لا تعني الشعب لا من قريب ولا من بعيد، وهذا الموقف المشرف للسيد من الأشياء التي لا يمكن للشعب أن ينساها.

والى جانب عمله البرلماني كانت له بصماته الإنسانية والاجتماعية، من أبرزها انشاء جمعية مران الاجتماعية الخيرية، ومن خلالها قدم السيد العديد من المشاريــع الخدمية لأبناء دائرته والمناطق المجاورة من مدارس وشق طرق ومراكز صحية وكهرباء وبناء مصلى للعيد بمنطقة مران، وتلمس معاناة الناس وتقديم المساعدات لهم، في ظل غياب تام للدولة ومؤسساتها .. ألخ.

 

* حرب صيف 94:

لم يمنعه تواجده في مجلس النواب من الوقوف في وجه الباطل ورفض الضيم والظلم، حتى ولو كانت الدولة التي يمثلها مصدر هذا الظلم، ومما يذكره له اليمنيون وتحديدا أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، موقفه النبيل والشجاع من حرب صيف عام 1994 ووقوفه الى جانب الحزب الاشتراكي، ورفضه عدوان قوات الرئيس اليمني حينها علي عبدالله صالح وميليشيات حزب الإصلاح على المحافظات الجنوبية والشرقية، ما جعل الاشتراكي يومها يُفَضِّل الانفصال على البقاء تحت مظلة وحدة تحكم بالقوة والإكراه.

وانطلاقاً من استشعار المسؤولية الوطنية والدينية، حاول السيد في بادئ الأمر السعي لإصلاح ذات البين ورأب الصدع بين قادة طرفي الصراع، من خلال موقعه في عضوية لجنة المصالحة، وعندما وجد أن الأمور تتجه نحو الحرب، خصوصا بعد انكشاف خديعة دعوة صالح للبيض لعقد لقاء في الجند، ونكث صالح بما تم الاتفاق عليه في الأردن/ وثيقة العهد والاتفاق، أعلن السيد رفضه الواضح والصريح لاجتياح قوات صالح وميليشيات الاصلاح للمحافظات الجنوبية والشرقية، وقرر مغادرة صنعاء للتعبير عن رفضه، رغم توجيه صالح بمنع مغادرة أعضاء مجلس النواب العاصمة صنعاء؛ من أجل إضفاء الشرعية على تلك الحرب الجائرة، ونظم العديد من المظاهرات الرافضة للحرب بصعدة، ما دفع نظام صالح الى اتهامه بمساندة الانفصال ومناصرة قوات الحزب الاشتراكي اليمني.

بعد انتهاء الحرب لصالح صنعاء، لم يُخفِ نظام صالح غضبه من السيد وأنصاره في صعدة وهمدان، فأرسل حملات عسكرية كبيرة الى مران وهمدان في 16 يونيو 1994، وشن حملة اعتقالات واسعة في أوساط أبناء مران، وقام بتدمير منزل السيد بدرالدين الحوثي وبيت السيد حسين الحوثي في 27 أغسطس 1994، وإبقاء بعض المعتقلين في السجن لأكثر من عام، دون محاكمة.

مثّل هذا الموقف الوطني والديني والأخلاقي والإنساني نقطة تحول فارقة في حياة السيد، وفي علاقته مع النظام الحاكم وعلاقة النظام معه، فمن جهة زادت قوة وعزيمة السيد في مواصلة دوره الجهادي في مقارعة ظلم النظام وتعرية الفاسدين في أروقة الدولة، ومن جهة زادت كراهية وحقد ونقمة النظام على هذا الثائر القادم من مران، بعد عقود من حياة النعام، ومحاولة تصفيته أكثر من مرة بصنعاء، إلى أن تم لهم ما أرادوه في 10 سبتمبر 2004، ففاز بالشهادة، وفازت مسيرته بالقيادة والريادة بعد عقد ونصف من الزمن فقط، فأين هو اليوم وأين قتلته، إنها عدالة الله ووعده لعباده المستضعفين.

 

* صرخة المستضعفين:

تمتاز الزيدية عن غيرها من المذاهب الاسلامية بالخروج على الحاكم الظالم ومقارعته مهما كانت الأثمان، ولذا فهي حركة فكرية ثورية، ثورية ضد الظلم بتلاوينه، وثورية ضد الانغلاق الفكري، وثورية ضد جمود الخطاب الديني، وهو ما جعلها على الدوام محل غضب ونقمة الحُكام، وليست مدرسة المسيرة القرآنية سوى قبس من نورها، لما أحدثته من ثورة جذرية في تجديد الخطاب الديني، وإعادة الأمة الى قرآنها في كافة مناشط حياتها، بعد طول سبات، وثورة على الظلم السلطوي والهيمنة الإقليمية والاستباحة الأميركية للسيادة الوطنية.

وتعود بداية محاولات النظام للتصادم مع الفكر الزيدي في عرينه، إلى العام 1979، عندما قام بنقل الشيخ السلفي المتشدد “مقبل بن هادي الوادعي الصيلمي” ومن فر معه بعد فتنة جهيمان الشهيرة بالحرم المكي الى منطقة دماج بصعدة، وكان هدف النظام من هكذا خطوة القضاء على الزيدية في مهدها، ومعها بدأ الخطاب الديني التكفيري التصادمي ضد أبناء الزيدية يجتاح المساجد ووسائل الإعلام اليمنية، وينتزع منابرها ومساجدها التاريخية، ولم يقتصر الأمر على الزيدية فقط، بل وطالت شظاياه أتباع الشافعية والصوفية والإسماعيلية، وقد شهدنا وعايشنا شيئاً من ذلك في تسعينيات القرن الماضي.

وعززت السلطة هذا التوجه القمعي باعتقال عدد من علماء الزيدية، والحكم على بعضهم بالإعدام، ونفي بعضهم الى خارج الوطن، كما جرى للسيد العلامة الحجة بدرالدين الحوثي والسيد حسين الحوثي، ومنع إحياء مناسبة الغدير، والحديث عنها في المساجد، خصوصاً في نهاية تسعينيات القرن الماضي وسنة 2004 وما تلاها من أحداث.

بعد موقف السيد من حرب 1994 بدأ النظام يشعر بالخوف من هذا الرجل، بسبب تزايد قاعدته الشعبية في أوساط الناس والنخب، وجرأته في قول كلمة الحق، ومقارعة الباطل، وتعرية فساد النظام، والتصدي لمحاولات التماهي مع سياسات الهيمنة والغطرسة الأميركية في المنطقة.

وزاد من مخاوف النظام، إطلاق السيد بعد عودته من الخارج مباشرة 17 يناير 2002 صرخة الحق والعزة الكرامة في وجه المستكبرين من الأميركان والصهاينة ومن سار في فلكهم من المطبعين والمنبطحين العرب، بالتوازي مع تزايد الانتشار الأميركي في المنطقة، وتزايد التشبيكات الأمنية العربية مع الأميركان للمشاركة في يسمى بمحاربة الإرهاب، وفي مقدمتها النظام اليمني.

وهو ما تسبب في اثارة غضب النظام اليمني وسفير واشنطن بصنعاء “أدموند هول”، المبادر من فوره بإجراء بعض الجولات الميدانية في صعدة وصنعاء، واللقاء بالمشائخ، دون إي اعتبار للدولة وسيادتها، وتحريضهم ضد السيد وطلابه، والتوجيه بسحب الأسلحة من سوق الطلح، وخدش الشعار من على جدران محافظة صعدة، وبعض مديرياتها، وقال يومها بوضوح أن عداء الشعب العربي لأميركا قد تحول إلى عداء ديني، وأن حكومة بلاده تستشعر ما يشكله “حسين بدرالدين الحوثي” من خطر على مصالحها في المنطقة.

بالتوازي مع زيادة الضغط الأميركي على نظام صنعاء، ومطالبته بملاحقة واعتقال مرددي الصرخة في صنعاء وصعدة وحجة وغيرها من المناطق اليمنية التي يتواجد فيها أتباع السيد، وتكثيف حملات التشويه لصورة السيد والفكر القرآني في وسائل الإعلام ومنابر المساجد، وتسويق سيل كبير من الاتهامات والأباطيل ضد السيد والحركة القرآنية، وفصل العديد من موظفي الدولة بتهمة التعاطف مع فكر المسيرة القرآنية.

ولم تكن تلك الحملة المسعورة سوى مقدمة لتبرير وشرعنة العمل العسكري، ليأتي الانفجار الكبير في منتصف 2004.

بعد احتلال أميركا للعراق في أبريل 2003 زادت تحركات السيد الرافضة للهيمنة الأميركية في المنطقة، ما جعل النظام في موقف محرج أمام واشنطن، ومعها بدأ التخطيط لعمل عسكري ضد السيد وأتباعه، موضع بحث في أروقة النظام، ومع حلفائه في واشنطن والرياض.

وفي 2003 قرر صالح الذهاب إلى الحج براً، وتوقف أثناء مروره بمدينة صعدة بجامع الإمام الهادي لأداء صلاة الجمعة، ليتفاجأ بعد الفراغ من الصلاة، بالمصلين يصرخون بالشعار، على إثرها اعتقل النظام أكثر من 600 شخص، ورفض اطلاق صراحهم رغم الوساطات المتعددة.

ويومها أحس صالح بخطورة السيد والمسيرة على حكمه، في وقت كان يعمل فيه جاهداً على تهيئة البيئة السياسية، لتوريث الحكم لإبنه أحمد، وبما أن السيد كان خطه ونهجه واضح في مقارعة أطماع الإمبريالية الأميركية وأذيالها الصهيونية في المشرق العربي، حاول صالح استغلال انخراطه مع أميركا في مكافحة الإرهاب لصالح تمرير مشروع التوريث، وبذلك يتمكن من تحقيق عدة أهداف بضربة واحدة، أهما الحصول على الدعم الخارجي لإبنه، وتصفية خصوم الداخل بما فيهم المعارضين لولايته، وشرعنة أي عمل عسكري ضد السيد وأتباعه، أمام أميركا بذريعة تشكيل السيد وأتباعه خطراً على مصالحها في المنطقة، وأمام الشعب اليمني بدعوى سعي السيد لإسقاط الجمهورية وإعلان نفسه إماماً، رغم تأكيد السيد في أكثر من خطاب ومقابلة على احترامه للدستور والقانون والنظام الجمهوري، وتوضيحه المتكرر بأن سبب خلافه مع النظام هو موالات صالح لأميركا والسعودية.

اتسعت الهوة بين النظام والسيد في العام 2004، واتسعت معها قائمة الاتهامات للسيد، بما فيها من تناقض فاضح عجل بانكشاف زيفها وتهاويها، وزادت الاعتقالات في أوساط طلاب السيد لتصل في يونيو 2004 فقط الى 640 معتقل، وأوقف النظام مرتبات المدرسين الحكوميين المشاركين في الأنشطة التي نظمها السيد، وأرسل الى السيد سيل من رسائل التهديد والوعيد بتسليط “من لا يرحم” إذا لم يتخلَّ السيد عن الشعار، وبالفعل تم انتداب الجنرال “علي محسن الأحمر”، لإتمام مهمة الجنرال “شمر بن ذي الجوشن”.

 

* أيقونة الشهادة:

قرر النظام في 17 يونيو 2004 شن الحرب على السيد وأتباعه في معقله بصعدة، بعد فشل عدة محاولات لتصفيته في صنعاء، وفشل محاولات اعتقاله، ورصد مبلغ قدره 55 ألف دولار، لمن يدلي بمعلومات تساعد على اعتقاله.

شارك في هذه المهمة الإجرامية أكثر من 30 ألفاً من الجيش النظامي و14 ألفاً من ميليشيات حزب الاصلاح والجماعات التكفيرية، مدججين بمختلف أنواع الأسلحة، مقابل بضع مئات من الطلاب والمواطنين العُزّل، وعلى مدى 90 يوماً من القصف والتدمير للمنازل، والحصار الخانق، فشلوا في اقتحام مران وكسر شوكة أهلها، ما دفع النظام الى استخدام الغازات المحرمة دولياً.

وفاق ما صبّه الطيران الحربي على أبناء مران في يوم واحد فقط، أضعاف ما صبّه العدوان الأميركي على حيٍ من أحياء بغداد أو الفلوجة من نيران العذاب، كما أخبر السيد في اتصال له مع شبكة البي بي سي البريطانية.

بعد 90 يوماً من المقاومة والصمود والاستبسال لأبناء مران وما جاورها، تمكنت قوات صالح وميليشيات الإصلاح والجماعات التكفيرية، من محاصرة السيد وأطفاله ونسائه وعدد من المجاهدين في “جرف سلمان”، وقاموا بوضع قنابل كبيرة في فتحة الجرف من الأعلى، وصب البترول فيه، ومحاولة إشعاله، في وحشية أعادة الى الأذهان ما جرى للإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وأطفاله ونسائه وأهل بيته وأصحابه في كربلاء العراق.

واقتربوا من السيد، وكان مُثخناً بالجراح، وأمطروه برصاصات الحقد والكراهية اليزيدية، لتصعد روحه الطاهرة الى بارئها في يوم الجمعة 25 رجب 1425 الموافق 10 سبتمبر 2004، ولسانه يتمتم: “اللهم ثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة”.

ولم يكتفوا بقتله، بل ومارسوا حفلة الزار اليزيدية بحق جثمانه الطاهر، فقاموا بسحله في الشوارع، والتمثيل به، والتباهي بابتذالهم على وسائل إعلامهم، ورفض تسليم الجثمان لذويه، وإخفاء مكان دفنه لأكثر من 9 سنوات.

استشهد في تلك الحرب الظالمة نحو 473 من المواطنين الأبرياء، ومقتل 2588 من قوات صالح وميليشيات الإصلاح والجماعات التكفيرية، وبلغت خسائرها المادية 274 مليون دولار بحسب التقرير المرفوع من جهاز الأمن القومي في نظام صالح الى مجلسي النواب والشورى في 10 نوفمبر 2007.

وبعد تسع سنوات من استشهاده، واخفاء جثمانه عن ذويه وطلابه ومحبيه، سلم النظام الجثمان الطاهر في 5 يونيو 2013، واعترفت حكومة صنعاء رسمياً في 21 أغسطس 2013 بأن الحروب التي شنها نظام علي عبدالله صالح على صعدة، كانت حروب ظالمة وغير مشروعة، وقدمت اعتذار رسمي لأنصار الله، وأعلنت اعتذارها الرسمي لكل أبناء محافظة صعدة والمناطق المجاورة لها عن تلك الحروب الظالمة.

 

مركز البحوث والمعلومات/ زيد المحبشي

 

قد يعجبك ايضا