معارك جنوب اليمن: وكلاء التحالف في دوّامة الاستنزاف
|| صحافة ||
لا تزال المعارك في اليمن تدور منذ عشرة أيام في محافظة أبين (جنوب) بين ما يسمّى فريق «الشرعية» (حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، مدعوماًَ من حزب «التجمّع اليمني للإصلاح» ــــ «الإخوان المسلمون» في اليمن)، المموّلة من السعودية، وبين «المجلس الانتقالي الجنوبي» المموّل من الإمارات. في الأيام الماضية، تحوّلت المعارك إلى عمليات كر وفر، وأخذت طابع الاستنزاف، مخلّفة الكثير من الخسائر البشرية والمادية. وقد تركزت في سلسلة جبال العرقوب ومنطقتي الشيخ سالم وقرن الكلاسي، الواقعتين بين مدينة شقرة، الخاضعة لقوات هادي، ومدينة زنجبار مركز المحافظة الخاضعة لميليشيات «الانتقالي»، وكذلك في منطقة الطرية، حيث تحاول قوات هادي التقدّم إلى مدينة جعار الخاضعة للمجلس.
يدّعي كل طرف تحقيق إنجازات على الطرف الآخر. والحقيقة أن أياً منهما لم يتمكّن من حسم المعركة، ولا تزال الهجمات المتبادلة مستمرّة. ومن غير المتوقّع أن تغيّر المعارك الحالية في الموازين السياسية أو العسكرية على الساحة الجنوبية. وهنا يطرح السؤال: لماذا يتقاتل الوكلاء («الشرعية» و«الانتقالي»)، بينما العاصمتان الراعيتان لهما، الرياض وأبو ظبي، تنصرفان إلى اهتمامات أخرى ولم يصدر عنهما أي تعليق حول اندلاع الاشتباكات؟ الدماء التي تنزف يمنية، فلا يشكّل سقوطها أي ضغط على السعوديين والإماراتيين. وعليه، لم يبذل البلدان الخليجيان أي جهود للتوسط أو العمل على وقف نزف الدماء بين وكلائهما، سواء من القيادة السياسية للبلدين أو قيادة عمليات «التحالف» في عدن.
تتزامن معارك أبين مع ادعاء السعودية وقف نار مؤقّتاً مع صنعاء لأسبوعين، تم تمديده لشهر إضافي، بزعم إفساح المجال للتصدي لفيروس كورونا، في وقت تجتاح فيه عدن، «عاصمة» الجنوب، الأوبئة (كورونا، الملاريا، الشيكونغونيا أو الطاعون الرئوي، الضنك). وتعيش المدينة وضعاً صحياً كارثياً لم تشهد له مثيلاً من قبل، إذ تعاني من انعدام مقومات الحياة، وقد انهارت المنظومة الصحية كما البنية التحتية، وبات الكادر الطبي يواجه الخطر، وتوفي العديد من الأطباء. وقد أحصي أكثر من 500 حالة وفاة خلال الأسبوعين الماضيين. وفيما أعلنت مدينة عدن موبوءة، تكرّرت المناشدات من الجهاز الطبي لـ«التحالف» السعودي ــــ الإماراتي بضرورة التدخّل لإنقاذ المدينة، لكن المناشدات لم تلق آذاناً صاغية.
لن يؤدّي صراع النفوذ بين الوكلاء إلى فتح الصراع بين الرياض وأبو ظبي
وجاءت اشتباكات أبين عقب خسارة حكومة هادي، و«الإصلاح» بالتحديد، النفوذ في الشمال أمام حركة «أنصار الله»، إذ فقد هذا الفريق في الأسابيع الأخيرة فرضة نهم ومحافظة الجوف وعدداً من مديريات مأرب. وبات يخشى بعد هزائم الشمال أن تنتفي موجبات وجوده بفعل الأمر الواقع المستجد، فأسرع إلى نقل المعركة إلى المحافظات الجنوبية في وقت مبكر، وقبل الانتهاء من حسم معركة مأرب للتعويض عن خسارته في الشمال (ينحصر وجود فريق هادي ــــ «الإصلاح» في الشمال في مأرب وأجزاء من تعز). ومعلوم أن حكومة هادي تتشكّل من منظومة محلية مؤلفة من شخصيات سياسية سابقة، ومما يطلق عليهم أيتام علي عبد الله صالح، وأحزاب فاقدة للحيثية الشعبية، وشيوخ قبائل… تعتاش هذه المنظومة على الحروب التي توفر لها ثروات هائلة، من استمرار النزاعات، والإمساك بموارد الدولة، واحتكار التجارة، ويطلق على هذه الشخصيات في اليمن صفة «تجار الحروب».
ما تقدّم ينطبق على «الانتقالي» الذي معظم قياداته، أو بالأحرى كلهم، من الشخصيات المغمورة وغير المعروفة سابقاً، ولم تمتلك حيثية قيادية أو تاريخية، وقد صعّدتهم الإمارات إلى قمّة الهرم في الجنوب (عيدروس الزبيدي، هاني بن بريك،…)، وكل همّهم الاحتفاظ بمواقعهم التي أكسبتهم إياها أبو ظبي مقابل تنفيذ أجندتها. كما أن معظم قيادات الصفّين الأوّل والثاني في المجلس موجودون مع عائلاتهم في الإمارات. وثمّة رأي عند بعض المراقبين يقول إن «التحالف» والأطراف المحلية في الجنوب يحاولون الهرب من الاستحقاقات الكبيرة التي تتهدّد المحافظات الجنوبية باستمرار فتح الصراعات لإشغال الناس عن المطالبة بحقوقهم وقضاياهم في ظل الفشل الكبير لإدارة الملف الإنمائي وانقطاع الكهرباء وتلف البنية التحتية وانتشار الأوبئة والكوارث الطبيعة، وخصوصاً أن الإحصاءات اليومية للوفيات في عدن تنذر بكارثة محققة.
صراع النفوذ بين وكلاء العدوان لن يؤدي إلى فتح الصراع بين كل من الرياض وأبو ظبي، لأن المصالح بينهما أكبر من أن تتهدّدها الإنجازات الضيّقة في الحرب على اليمن. والخسارة في الشمال تشمل الجانبين السعودي والإماراتي، كما أن البلدين يشتركان في المصالح على مستوى الإقليم والعالم، فضلاً عن أن كلاً منهما مرتبط عضوياً بالتحالف مع الولايات المتحدة التي تمسك العصا من الوسط، وهي مستفيدة من استمرار الحرب ومن تباين مصالح حلفائها. كما أن واشنطن لا تزال تنظر إلى استمرار الحرب على أنها حاجة لها، لسببين: أولاً الحفاظ على نفوذها في الإقليم، في حين أن هزيمة حلفائها تعني خسارة لها، ثانياً تسويق وبيع السلاح والذخائر للسعودية والإمارات.
الاخبار اللبنانية: لقمان عبد الله