بلدة طيبة ورب غفور

|| تقارير ||  أحمد يحيى الديلمي

إن الجانب الزراعي مهمٌ جداً في استمرار حياة الإنسان، سواء أكان في حالة صراع وحرب، أو سِلم، فالله سبحانه وتعالى هيأ الأمور للنَّاس، حيث بسط الأرض، وجعلها قابلة للزراعة، وجعل في باطنها الماء الكثير، وينزل الغيث، ويتكفل برعاية المحصول الذي تم بذره في باطن التربة، حتى يصل إلى مرحلة الحصاد، فيجني الإنسان ثمرة الزراعة، ويضمن استمرار حياته، ومعيشته.

وتمثل الموارد المائية أهم المرتكزات التي تقوم عليها التنمية الزراعية، وعند الحديث عن تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء، فلابُد من الحديث عن توافر المياه الذي تعتبر صمام أمان للزراعة، فالاهتمام بالثروة المائية، والمحافظة عليها، وتنظيم استخداماتها، مسألة في غاية الأهميَّة؛ لأن المياه بالمحصلة تشكل عصب وشريان الحياة.

 وفي هذا الصدد، يُشخِّص الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” في درس (معرفة الله، نعم الله، الدرس، الخامس) قضيةٍ هامةٍ تكاد تكون غائبةً عن الكثير من عامة النَّاس، هي أن الحياة والرزق مُرتبط بالماء، وأن الله عزَّ وجلّ من منطلق رحمته بالنَّاس إنه متى ما رجعوا إلى الله عزَّ وجلّ فإنه سيسعفهم بجرعاتٍ اقتصاديةٍ تهيئي المعيشة بشكلٍ مؤقت، حتى يتمكن النَّاس من العودة إلى الوضع الطبيعي، والاعتماد على النفس، في توفير الغذاء، والحاجات الضرورية، يقول: “الحياة مرتبطة بالماء، الأرزاق مرتبطة بالماء، بل حريتنا مرتبطة بالماء، بل نصر ديننا مرتبط بالماء، والماء بيد من؟.

خزائنه بيد الله تعالى… فالله سبحانه وتعالى متى ما رجعنا إليه فهو رحيم بنا، هو من يرحمنا حتى ونحن في حالة الإعراض عنه فيسعفنا بجرعات اقتصادية، ليست كالجرعات الاقتصادية التي تأتي من قبل الحكومة كرفع أسعار ونحوها، بل يعطينا أشياء يهيئ لنا المعيشة بأشياء في حالة مؤقتة حتى نصحح وضعيتنا، وحتى يمكننا أن نعود إلى وضعنا الطبيعي، وضعنا الطبيعي الذي يمكِّننا من أن نعتمد على أنفسنا، فيما يتعلق بغذائنا، فيما يتعلق بحاجاتنا ـ ولو على الأقل ـ الضرورية”.

 وفي هذا السياق، يشخِّص الشهيد القائد في (الدرس التاسع من دروس شهر رمضان، سورة البقرة) مكامن الداء، ويُقدِّم الدواء المفُيد، ويُبيِّن أن مسألة النمو الاقتصادي هي قضيةٌ ليست مرتبطة بالأرض فقط، وإنما مرتبطة بعلاقة النَّاس مع الله عزَّ وجلّ، حيث يقول: “…إن مسألة النمو الإقتصادي هي قضية ليست كلها مرتبطة بالأرض فقط، أيضاً هي مرتبطة بعلاقة الناس مع الله {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(الأعراف:96).

ولو لم يكونوا إلا سكاناً قليلاً، وبلادهم واسعة جداً، تجد عندهم أزمات اقتصادية، تجد عندهم مجاعات، تجد عندهم سوء تغذية، تجد عندهم حالة سيئة”.

 ويُؤكّد الشهيد القائد في درس (معرفة الله، نعم الله، الدرس الخامس) أن السماء والأرض لم تعد تعطي بركاتها، وأن النَّاس أصبحوا غير مُتمكنين من زراعة الحبوب، والبقوليات الأُخرى، حتى يوفروا، ويؤمنِّوا الغذاء لأنفسهم، حيث يقول: “{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} (الروم: من الآية41) فلم ير الناس أنفسهم متمكنين من زراعة الحبوب، ومن زراعة البقوليات الأخرى حتى يوفروا أو يؤمنّوا غذاءهم لأنفسهم, يؤمنّوا لأنفسهم الغذاء. السماء لم تعد تعطي بركاتها، الأرض لم تعد تعطي بركاتها، فسدنا كلنا، كبيراً وصغيراً، كما قال الإمام علي (عليه السلام) ((إذا فسد السلطان فسد الزمان))”.

وفي خضمِّ ذلك، يُشير الشهيد القائد في درس (وعدة ووعيده، الدرس الرابع عشر) إلى النظرة المغلوطة لدى الآخرين من النَّاس في تقييم وتفسير سبب قلِّة المياه، وأن تحليلاتهم تفتقر إلى التذكير بالعودة إلى الله عزَّ وجلّ، الذي كرّر للنَّاس في القرآن الكريم بأن يفهموا أن معاناتهم في الدنيا هي بسبب إعراضهم عن ذكر الله، حيث يقول: “يأتي الآخرون ليحللوا لنا الأشياء سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة تحليلات لا تذكرنا بالعودة إلى الله، [اقتصدوا في استعمال الماء، كاد حوض صعدة أن ينتهي، [الصحنة] التي تحت صعدة لم يعد فيها إلا محط إصبعين ستنتهي، وهذا ما تجمع منذ آلاف السنين، اقتصدوا في استخدام الماء]. فنفكر كيف نقتصد في استخدام الماء. بل الماء هو الذي اقتصد من تلقاء نفسه، اقتصد هو من تلقاء نفسه، لم نعد بحاجة إلى أن ننظم استهلاك استخدام المياه، الماء هو الذي فرض علينا وضعية معينة فخفض من مستوى الأشجار التي نزرعها، ومن مستوى المساحة التي نزرعها، بل خفض من مستوى عدد المزارعين أيضا فالكثير منهم هجروا مزارعهم وغادروا وتركوا المضخات وتركوا الآبار، وتركوا الأشجار حطاما.

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} هل أولئك الذين يتجهون لبناء سدود لنا هم من سيأتون بماء معين؟ السدود على من تعتمد؟ أليست معتمدة على الأمطار؟ والأمطار هي ممن؟ من الذي ينزل من السماء ماء؟ هو الله. إذاً السدود نفسها ستلحق باطن الأرض، فحينها لا من باطن الأرض ولا من السماء {فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وكم كرر في القرآن للناس أن يفهموا: أن معاناتهم في الدنيا هي بسبب إعراضهم عن ذكر الله”.

 ويُضيفُ بالقول: “…لكن لا حكوماتنا تذكرنا بهذا، ولا كثير ممن ينطلقون لإرشادنا على منابرنا يذكروننا بهذا، ويرسمون لنا كيفية العودة إلى الله، أو متى ما انطلقوا ليذكرونا بالعودة إلى الله، بحثوا عن الأشياء السهلة وتركوا القضايا المهمة التي هي وراء كل مصيبة، التي تقصيرنا فيها هي وراء كل مصيبة نعاني منها، يوجهوننا للأشياء البسيطة التي لا تثير هذه السلطة ولا تثير أولئك الآخرين، ولا تكلف هذا، ولا تشق على هذا”.

ويضرب الشهيد القائد في درس (معرفة الله، نعم الله، الدرس الخامس ) بعض الأمثلة في أنه حتى لو سرى الاعتقاد بإمكانية الاستغناء عن المطر، وأن هناك مضخات فإن الماء في الأرض قد ضُرب؛ لأن الله عزَّ وجلّ بيده كل شيء، ويتساءل حيال ما يُمكن أن تعمله الحكومة، فإذا اتجهت إلى أن تعمل مضخات فإن الماء في الأرض مُشرف على الانتهاء، أو تعمل سدود مائية، فإن السدود تحتاج إلى أمطار، ليؤكّد أن لا مجال إلَّا العودة الصادقة إلى الله عزَّ وجلّ، يقول: “لو حاول الناس أن يزرعوا حبوباً من جديد، فحتى لو قلنا بالإمكان أن يكون هناك مضخات فالماء في الأرض قد ضرب أيضاً. الله بيده كل شيء، هو مالك الملك، إذا كنت تعتقد بأن بإمكانك أن تستغني عن المطر.. هي مؤشرات خطيرة، نقول للناس لا بد من عودة إلى الله، وحتى لو قلنا الحكومة نفسها تعمل شيئاً ماذا يمكن أن تعمل؟.

أن تعمل مضخات، الماء في الأرض مشرف على الانتهاء، تعمل سدوداً، السدود تحتاج إلى أمطار، ثم إذا جاء سد، يكون الناس بحاجة إلى اغترافه لبيوتهم ومواشيهم، بالدرجة التي لا يكادون يوفرون إلا القليل للزراعة، ثم في هذه الجبال الشاهقة أين مواقع السدود الكبيرة التي يمكن أن تكون سدوداً كبيرة تكفي لسقي المزارع وحاجات البيوت والمواشي؟.لا مجال إلا العودة إلى الله سبحانه وتعالى…”.

وهنا يتساءل الشهيد القائد: “من الذي يعطيكم بديلاً، هل أمريكا يمكن أن تعطينا ماء؟. أو اليابان أو الصين يمكن أن يعطونا ماء؟. مصانع تنتج ماء؟ لا.. هل تستطيع الدولة نفسها أن تعطينا ماء؟. هي تصيح على الناس المزارعين بأنه حاولوا أن تقللوا من استخدام المياه العشوائي، مخزون الماء معرض للانتهاء. ليس المخزون…”( ).

  وفي ضوء ذلك، يُؤكِّد الشهيد القائد في درس (معرفة الله، نعم الله، الدرس الخامس) أن المشكلة ليست في مخزون الماء وإنما في الأُمَّة، وأن مخزون العودة إلى الله في أنفس أبناء الأُمَّة هو الذي انتهى، حيث يقول: “مخزون العودة إلى الله قد انتهى، مخزون العودة إلى الله في أنفسنا هو الذي انتهى. نحن لو عدنا إلى الله لما خشينا؛ لأنه قال: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} (الجـن:16) فليكن من السماء وليكن من باطن الأرض”.

 ويُضيفُ بالقول: “نشكر الله سبحانه وتعالى عليها وفي نفس الوقت نحاول أن نهيئ أنفسنا بالشكل الذي نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يعيد علينا بركات السماء وبركات الأرض.. {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}(الأعراف: من الآية96) هذا وعد من الله سبحانه وتعالى {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً}(نوح:12) أليس هذا من وعود الله سبحانه وتعالى؟.{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} (الجـن: 16)”.

وبناءً على ذلك، وفي ظلِّ الحالة الخطيرة، والسيئة، التي تعيشها الأُمَّة، يشدُّ الشهيد القائد النَّاس إلى الله عزَّ وجلّ، ويُبيِّن أن لا مخرج من هذه الحالة، إلاَّ بالعودة الصادقة إلى الله، ويُؤكِّد على ضرورة اصلاح الوضع الداخلي للأُمَّة، حتى يُعيد الله بركات السماء، والأرض، يقول: “لنعد إلى أنفسنا فنصلحها، نصلح أوضاعنا، ليعيد الله سبحانه وتعالى بركات السماء والأرض إلينا من جديد”.

 ويضيف بالقول: “نعود إلى الله سبحانه وتعالى هو الذي وضع لنا حلاً {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} (الجـن:16) أليس هذا وعداً إلهياً؟”.

 وفي خضمَّ ذلك، يُحدد الشهيد القائد في درس (اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً ) نقطة البداية في قيام أبناء الأُمَّة بعرض أنفسهم لرحمة الله سبحانه وتعالى، حيث يقول: “نحن نريد أن نعرض أنفسنا لرحمة الله سبحانه وتعالى الذي يقول: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} (الجـن:16) نحن الذين يجب أن نبدأ، أن نعمل وإن تعبنا”.

   ويُضيف بالقول: “…هناك سيبدأ الله سبحانه وتعالى برحمته لنا {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} لقد وصلنا إلى وضعية لا بد في طريق التخلص منها أن نسير وأن نبدأ نحن ولو تعبنا، إن الله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد: من الآية11).فلا نتصور أنه – إذاً – إذا كان الله يريد منا أن نعمل عملاً ما، إذاً فليبدأ هو، لينزل علينا الأمطار، ويسبغ علينا النعم، فنرى أنفسنا نملك غذاءنا، ونرى بين أيدينا الحاجيات الضرورية من داخل بلادنا، ثم إذاً نحن مستعدون أن نعمل.. لا”.

وتصديقاً لقول الله عزَّ وجلَ في محكم كتابه: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، وكما قال تعالى: (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا) صدق الله العلي العظيم، تشهد معظم المحافظات اليمنية نزول الغيث المدرار بصورة شبه متواصلة، حيث أنعم الله عزَّ وجلّ على أغلب ربوع أرض اليمن الحبيب بغيث إلهي مبارك مدرار، وبصورة متواصلة، هو غيث إلهي مبارك يُحيّ به الله سبحانه وتعالى الارض الطيبة؛ لتؤتي أُكلها وريعها وخيراتها أبناء هذا البلد المظلوم والمُحاصر، شعب الايمان والحكمة، رحمة منه سبحانه وتعالى بعباده الصامدين، الصابرين، المجاهدين في سبيل الله، وليطهر الله ويُحيّ به ارواح وقلوب أبناء هذا الشعب المؤمن المجاهد المظلوم، وليثبت الله جل شانه بفضله ورحمته أقدامهم في مختلف ساحات القتال والصبر والاستبسال، وميادين الجهاد كافة، ومنها الميدان الاقتصادي، والذي يتطلب تحقيق الاكتفاء الذاتي في القوت الضروري لهذا الشعب المعطاء، وذلك لكي يعتمد على نفسه في قوته الضروري، ويتمكن من مواجهة حزب وقوى الشيطان وتحالفه الطواغيت.

فلله عزَّ وجلّ الحمد الدائم، وعظيم الثناء والشكر والمِّنة، اللهم اغفر لنا، وتب علينا، وارحمنا بواسع رحمتك، إنك أنت التواب الرحيم.

 

 

 

قد يعجبك ايضا