مأساةُ عاشوراء.. خلودٌ وانتصار
موقع أنصار الله || مقالات || منير الشامي
عاشوراء لم ولن تكون مُجَـرّد مأساة أَو ذكرى سنوية للبكاء والندب وإظهار الأحزان، ولو كانت كذلك لما خرج الإمام الحسين بن علي -عليهما السلام- ولا تحَرّك ليختار تلك النهاية الأليمة والمفجعة التي اختارها ومضى نحوها وهو يعلم مجرياتها قبل أن تكون.
بل هي فكر عظيم ومنهج قرآني جسده الإمام الحسين -عليه السلام- وخطه بدمه الزاكي ودماء من معه من الثائرين، وأسس قواعده بشجاعته وبأسه، وثبت أركانه بعلمه وإيمانه، وأنشأ بتضحيته أشهر أكاديمية تاريخية للبشرية في التضحية؛ مِن أجلِ الحق والعدالة؛ ومن أجل مبادئ العدل والحرية والمساواة، وفي سبيل الخلاص من الظلم والطغاة، ورسم لأمة جده معالم هذا الفكر ودرب هذا المنهج الثوري التحرّري، ومساره المستقيم لإعلاء كلمة الله ومواجهة كُـلّ طاغوت فرعوني في كُـلِّ زمان ومكان.
وهذا ما تؤكّـده أرض كربلاء التي تقدست من قداسته، وتخلدت من خلوده، وصارت من بعد ثورته -عليه السلام- قبلةً لكل أحرار وشرفاء العالم ومنهلاً لكل عشاق المبادئ والقيم، ولكل الثوار التواقين إلى رفع الظلم والجبروت عن الإنسانية، ومُثلاً أعلى لكل الأديان في العالم ولمختلف العقائد وشتى الملل المتواجدة على سطح الأرض.
يقصدونها ليتزودوا منها الشجاعة والإقدام، والتضحية والفداء، والإيثار والعطاء، وَيتعلموا منها كيف ينتصر الدمُ على السيف، وكيف يخلد العظماء، ويستلهموا منها خلود المبادئ الإنسانية واندثار الطواغيت والإجرام.
وهو ما جعل من هذه الملحمة الأُسطورية أكاديمية حسينية عُليا، يهتم بها ويدرسها كُـلُّ ثوار العالم وساسته وكل عظمائه ومؤرخيه، وكل كُتّابه وأُدبائه، وتحدثوا عنها بكل لغات العالم، وأُعجبوا بهذا السبط الثائر -عليه السلام- وتأثروا بشجاعته وتضحياته وبسالته وإيثاره، وتحَرّك الكثير منهم على دربه ولمثل أهدافه، وقالوا فيه أقوالاً صادقة بكل اللهجات، نذكر منها أقوال البعض ممن هم غير مسلمين كما يلي:-
المستشرق الألماني ماربين: قدّم الحسين للعالم درساً في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه، ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما، لقد أثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر أنّ الظلم والجور لا دوام له، وأنّ صرح الظلم مـهـما بدا راسخاً وهائلاً في الظاهر، إلّا أنّه لا يعدو أن يكون أمام الحقّ والحقيقة إلّا كريشة في مهب الريح.
الكاتبة الإنجليزية فريا ستارك: ليس من الممكن لمن يزور هذه المدن المقدسة أن يستفيد كَثيراً من زيارته ما لم يقف على شيء من هذه القصة؛ لأَنَّ مأساة الحسين تتغلغل في كُـلِّ شيء حتى تصل إلى الأسس، وهي من القصص القليلة التي لا أستطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء.
وليم لوفتس -عالم آثار إنجليزي-: لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية، وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة.
المفكر المسيحي انطوان بارا: لم يسجل التاريخ شبيهاً لاستشهاد الحسين في كربلاء، فاستشهاد الحسين وسيرته، عنوان صريح لقيمة الثبات على المبدأ ولعظمة المثالية في أخذ العقيدة وتمثلها؛ لذلك غدا حب الحسين الثائر واجباً علينا كبشر، وغدا حب الحسين الشهيد جزءاً من نفثات ضمائرنا، فقد جاءت صيحته -عليه السلام- نبراساً لبني الإنسان في كُـلِّ عصر ومصر، وتحت أية عقيدة انضوى، إذ أن أهداف الأديان هي المحبة والتمسك بالفضائل، والدعوة إلى التآخي البشري، لتنظيم علاقة الفرد بربه أولاً وبأخيه ثانياً.
كارلس ديكنز -الكاتب والمؤرخ الإنجليزي-: إن كان الإمام الحسين قد حارب؛ مِن أجلِ أهداف دنيوية، فإنني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال؟ إذن فالعقل يحكم أنه ضحّى فقط لأجل الإسلام.
جورج جرداق -العالم والأديب المسيحي-: بينما جند يزيد الذين خرجوا لقتل الحسين وإراقة الدماء، كانوا يقولون: كم تدفع لنا من المال؟ كان أنصار الحسين يقولون لو أننا نقتل سبعين مرة، فإننا على استعداد لأن نقاتل بين يديك ونقتل مرة أُخرى أَيْـضاً.
الزعيم الهندي غاندي: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فانتصر، لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء، واتّضح لي أنّ الهند إذَا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الإمام الحسين.
برسي سايكوس -مستشرق إنجليزي-: إن الإمام الحسين وعصبته القليلة المؤمنة، عزموا على الكفاح حتى الموت، وقاتلوا ببطولة وبسالة ظلت تتحدى إعجابنا وإكبارنا عبر القرون حتى يومنا هذا.
فيليب حتي -مستشرق أميركي-: أصبح اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي وهو العاشر من محرم، يوم حداد ونواح عند المسلمين، ففي مثل هذا اليوم من كُـلّ عام تمثل مأساة النضال الباسل والحدث المفجع الذي وقع للإمام الشهيد، وغدت كربلاء من الأماكن المقدسة في العالم، وأصبح يوم كربلاء وثأر الحسين صيحة الاستنفار في مناهضة الظلم.
وهذه الأقوال ليست سوى قطرة من فيض، ما يعني ويؤكّـد بحقٍّ أن مأساة عاشوراء كانت وما زالت وستظل انتصاراً وخلوداً وأكاديميةً تاريخيةً للبشرية تدفعها نحو التضحية للنهوض بالإنسانية والثورة ضد الطغاة والمستبدين، وتحثها على عدم الرضوخ لقوى لظلم والجبروت مهما كانت الظروف.