أستاذ الأحرار وإمامهم
موقع أنصار الله || مقالات || د. حمود الأهنومي
في مقام الإمام الحسين وثورته الخالدة يجدر بهذه الأمة أن تستمع للدروس الرائدة التي استلهمتها من كربلاء عبر أثيرها الخالد المتضوِّع بمسك دماء السبط الشهيد سلام الله عليه، والتي يتردد صداها في كل زمان ومكان؛ إذ يفترض أنه حينما يكون هناك ظلم وانحراف فإنه بالضرورة الحسينية يجب أن يكون هناك ثورة، وحيثما يكون هناك يزيد فيجب أن يكون هناك الحسين.
إن الاستفادة من التاريخ عظةٌ قرآنية، وهديٌ إلهي، أما إذا كان استحضار شخصية تاريخية بحجم الحسين لتأخذ منه الأمة ذلك العزم الذي ظهر به وحيدا يتحدّى جحافل الطغيان والجبروت ليكونوا على شاكلته في قضاياهم المعاصرة، وليكون لنا حسينيون في مواجهة مشاريع الاستكبار والاستبداد فإن ذلك هو الدرس الذي يجب أن نهدي أنفسنا وأجيالنا إلى الاستماع إليه بإنصات ووقار وحسن استجابة.
الحسين سلام الله عليه وثورته الخالدة دروس لا تنتهي، فكل موقفٍ وقفه يمكن الإفادة منه، وكل كلمة نطقها تهدي أمما كثيرة، وكل صرخة لوّح بها ضد الظالمين تهزِم كلَّ غليظ متكبر.
مشكلة المسلمين أنه ينقصهم الوعي بالتاريخ، وقدّر لهذه الأمة من ذاتها مَنْ يجلد ظهرها بسياط التبديع والتضليل إن احتفت بشهيد، أو احتفلت بعيد. ولعل تحرك المبدِّعين والمضللين لمن يحتفل بأعلام الأمة كان يإيعازٍ من طغاة الأمة؛ حيث هم المتضررون من أي احتفاء واحتفال وتذكّر ذكرى.
منهج الظالمين لا يختلف زمانا عن زمان، ولا مكانا عن مكان، وقوة الحق الجبارة والخالدة لا تقف عند أي منهما، والظالم اليوم الذي تواجهه الأمة تحت أي مسمى هو ذلك الظالم الذي واجهه الحسين، فإما أن نستدعي الحسين معلما يلقننا مبادئ العزة والكرامة وأخلاق العظماء، وعطاء الشهداء، فندخرها لمواجهة المستبدين، وتدمير الظالمين، وإما أن نذهب نحو أساتذة الفراغ، واللامبالاة، واللاموقف فنكون أشباههم، ونسخا على منوالهم، يعبث بنا الظالمون كيفما أرادوا.
لقد ظل الحسين عليه السلام يشكِّل الهوية الحقيقية للإسلام المحمدي الأصيل، حينما أثخن الأمويون الجراح في جسد الإسلام واستعادوه مصلوبا على أعواد الجاهلية – بعث الحسينُ ومبادئُه وأخلاقُه وثورتُه الحيويةَ المطلوبةَ لاستعادة الدين والإسلام في صورته الناصعة والقوية، كان لا بد إذًا من زلزلة مجتمعية تفضح الفكر المهادن للظالمين، كان لا بد من صوتٍ عالٍ يُسْكِت كل ذلك الصخب الذي شوّش على صوت الفطرة الإسلامية، وإن كان ثمنه رأس الحسين يتلعّب به سفهاء الأمة من بلد إلى بلد.
الأمة اليوم وقد أذاقها المستبدون الداخليون والمستعمرون الخارجيون ألوان العذاب، ما أحراها أن تصلي في محراب الحسين، وأن تستمع للحسين وهو يخطب في عزتها، ويستثير نخوتها، ويستنبت مجدها، ويدلها على خير دينها ودنياها. وإذا كانت مشكلة الأمة وزعاماتها هو فقدان الثقة بذاتها وبحضارتها أمام المستعمرين الجدد، حيث المشكلة تربوية نفسية، بسبب ضعف المناهج الدراسية التي بعمد عامد تتنكّب سبيل العظماء أمثال الحسين وزيد والنفس الزكية، فما أجدر بها أن تأخذ تلك الدروس المفقودة من ثبات الحسين وكبريائه وعظمته أمام أولئك الطغاة المذنبين، ما أجدر بنا أن نستخرج أولئك العظماء ذوي الثقات العالية ليفيضوا علينا مما آتاهم الله من فضله .
طالما شكّل الإمامُ الحسينُ وأهلُ بيته الثوار الأحرار، وأولهم حفيده الإمام زيد بن علي النهر المتدفق بالعطاء الذي ليس وراءه ولا مثله عطاء، فأصبحوا القدوات لكل الثوار الأحرار في العالم، وكانوا منارات هتاف الحرية ونداء القوة الناصع.
هذا الصوت الحسيني (هيهات منا الذلة) صنَعَ أمما لا يشق لها غبار، وخرج من ظلاله أسود لا يرهبون الطغيان، كان الحسين إمامهم وقدوتهم، وشعاره شعارهم، أعجزوا الاستبداد والاحتلال، ودوّخوا الاستكبار والعمالة.
لم يعد الحسين إماما للشيعة، بل هو قبلة لكل الأحرار الثوار المسلمين، بل إنه قبلة كل الذين يريدون تناول النصر من قوة الصبر، ألم يقل زعيم الهند ومحررها (غاندي): “على الهند إذا أرادت أن تنتصر أن تقتدي بالحسين”.