أكاديميون وسياسيون ومثقفون وإعلاميون: العدوان الأمريكي على اليمن.. المشهد الآخر من مظلومية كربلاء

|| صحافة ||

يعيشُ اليمنيون للعام السادس على التوالي وعلى مدى الساعات كربلاءَ متواصلةً، فكربلاءُ العصر كما يقول السيد حسن نصر الله –الأمين العام لحزب الله اللبناني- هي التي تجري الآن في اليمن بكل ما للكلمة من معنى.

ويقولُ السيدُ حسن في إحدى خطاباته: “ولأنك في معركة اليمن عند هذا الشعب المظلوم، ستجد مظلومية كربلاء وغربة كربلاء وحصار كربلاء وعطش كربلاء وحصار العالم لكربلاء وتخلي الأُمَّــة عن كربلاء، وهذا هو الذي يجري اليوم في اليمن”، مُضيفاً بقوله: “المشهد الآخر من كربلاء الصلابة، والشهامة، والشجاعة، والبطولة، والصبر، والثبات، أَيْـضاً تجده في اليمن”.

وبالتزامن مع هذه الذكرى الخالدة، فإن اليمنيين يحيونها في ظل معاناة قاسية، مستلهمين منها الدروسَ والعِبَر في مواجهة قوى الطاغوت اليزيدي المعاصر.

وفي خطابه الذي ألقاه بهذه المناسبة في العام الهجري 1441هـ، يؤكّـد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أن الشعب اليمني الذي يعتز بهُويته الإيمانية، ويرتبط من خلاله في علاقته بسبط رسول الله، سيِّد الشهداء الإمَام الحُسَين -عليه السلام-، قد حسم قراره في التمسك بالإسلام في أصالته، ومبادئه، وقيمه، وأخلاقه العظيمة، الإسلام الذي يحرّرنا من كُـلّ طاغيةٍ وطاغوت، والإيمان الذي يمنحنا الله به العزة، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: من الآية8]، ومهما سعت قوى الطاغوت والاستكبار بقيادة أمريكا وإسرائيل، وبعملائها المنافقين، كالنظامين السعودي والإماراتي لإخضاعنا وإذلالنا والسيطرة علينا -كما يقول قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي- فإننا وبعون الله وبتوفيقه سنتمسك بالإسلام في موقفه الذي أعلنه الإمَام الحُسَين -عليه السلام- يوم العاشر من شهر محرم قائلاً: (أَلَا وَإِنَّ الدَّعِي بنَ الدَّعِي قَد رَكَزَ بَينَ اثنَتِين: بَينَ السِّلَّةِ، وَبَينَ الذِّلَّة، وَهَيهَات مِنَّا الذِّلَّة، يَأبَى اللُه لَنَا ذَلِكَ، وَرَسُولُه، وَالمُؤمِنُون)، وحينما قال: (لَا وَاللهِ لَا أُعطِيهِم بِيَدِي إعطاء الذَّلِيل، وَلَا أُقِرُّ إقرارَ العَبِيد).

 

مظلومية اليمنيين امتداد لمظلومية الحسين

ويقول العلامة فؤاد ناجي -نائب وزير الأوقاف والإرشاد-: إن الشعب اليمني يحيي فعاليات عاشوراء على خلاف بقية دول العالم، فاليمنيون وعلى مدى 6 سنوات يعيشون كربلاء وعاشوراء، فهم يحاصرون كما حُوصر الحسين، ويقتلون كما قتل الحسين، وكل الإجرام الذي ارتكبه الطاغية يزيد يرتكبه العدوان بقيادة السعودية اليوم، كما أن الشعب اليمني يحمل اليوم مبادئ الإمَام الحُسَين من خلال هتافات الحرية “هيهاتَ منا الذلةُ”، ومظلومية الشعب اليمني هي امتداد لمظلومية الإمَام الحُسَين -عليه السلام-.

وأشَارَ العلامة فؤاد ناجي في حوار مقتضب مع وكالة يونيوز إلى أن اليمنيين استلهموا من سيرته الإمَام الحُسَين الكثير من الدروس والعبر، وما مواجهتهم للطغيان السعودي إلا نتاجاً لذلك.

 

إعادةُ الاعتبار لرسالة القرآن

وعلى صعيد متصل، يؤكّـد الباحثُ الأكاديمي الدكتور حمود الأهنومي، أن الاحتفال بثورة الإمَام الحُسَين -عليه السلام- يعني إبلاغ رسالة الإمَام الحُسَين التي هي في الأَسَاس رسالة القرآن والإسلام إلى الأجيال، بأنه لا ينال الظالمون عهداً من الله، ولا ولاية لهم على الأُمَّــة، في كُـلّ زمان ومكان.

ويقول الدكتور الأهنومي في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”: إن الاحتفال يعني أن نحيي الحسين وقيمه وتضحياته وجهاده وعلمه ومنهجه الثوري في أنفسنا أولاً، ثم في أسرنا، وواقعنا، ومجتمعاتنا، وأن نميتَ يزيد ومنهجه وفساده وانحرافه وظلمه في أنفسنا أولاً، وفي أسرنا وواقعنا ومجتمعاتنا.

ويتابع الدكتور الأهنومي بالقول: “إنه في هذه الذكرى يتم رفض ولاية اليزيديين الجدد، المتمثلين في أمريكا وإسرائيل وأوليائهم المنافقين، مثل النظام الإماراتي والسعودي وعملائهم المرتزِقة، وأن نعيش أعزاء كرماء لا نقبل الإذلال والاستعباد من أية طاغية على هذا الكون”.

ويشير الباحث الأهنومي، إلى أنه في ذكرى حادثة كربلاء، إعادة الاعتبار لرسالة القرآن ومنهج الإسلام في واقعنا، وأن نرفض الزيف، والتحريف، والانحراف، والفساد، والظلم، وأن نحييَ قيم العدل، والحرية، والعزة، والكرامة، والجهاد في سبيل الله، واسترخاص دمائنا وأموالنا في سبيل الله والجهاد لأعدائه، مؤكّـداً أن من أعظم مصاديق الاحتفاء بثورة الإمَام الحُسَين هي في جهاد المجاهدين ورباط المرابطين واستشهاد الشهداء المخلصين ومصابرة الجرحى والأسرى وذوي الشهداء وجميع المتضررين في هذا الشعب من العدوان السعودي الأمريكي، حيث بات اليمنيون يعيشون كربلاء بكل دروسها وأمجادها وعزتها وتضحيتها وجهادها.

من جهته، يقول الكاتب الصحفي عبد الفتاح حيدرة: إن مواجهة الحسين -عليه السلام- ليزيد، أرسى قاعدةَ أن الدم أقوى من السيف، والحق يتعاظم بينما تتقهقر القوة وتتراجع، وأن النضال في وجه الحاكم الظالم فريضة إنسانية وشريعة دينية، وأن النصر والهزيمة مسألتان مقيدتان بحكمة الله.

ويشير حيدرة في تصريح لصحيفة “المسيرة”، إلى نسب معاوية بن أبي سفيان وأقاربه وتاريخهم الأسود الممتلئ بالظلم والجور والأفعال المنكرة والدنيئة، لافتاً إلى أن قوة الحق التي تغلب الباطل مهما كان مستوى الظلم والبطش والغطرسة.

أما الناشط السياسي حسين اليامي، فيقول إنه في كُـلّ عام نتذكر ونحيي كربلاء لنستلهم الدروس والعبر التي صدرها الإمَام الحُسَين وخروجه بثورة ضد الظالمين، مُشيراً إلى مأساة الحادثة، وَأنها غرست في الأمم مشروعاً عظيماً، وهو مناهضة غطرسة الظالمين والمستكبرين.

ويضيف اليامي أن هذه الحادثة فيها الكثير من العبر في السعي لفرض الإصلاح والتغير في الواقع الذي عاشته الأمة تحت رحمة الطاغية يزيد، ومواقف الحسين المرتبطة برسول الله ومنهجه الذي فيها انطلق ولا يخاف لومة لائم ولا حتى الموت، لافتاً إلى أن الإمَام الحُسَين -عليه السلام- قدّم أعظم درس في تحمل المسؤولية مهما كانت التضحيات جسيمة، واستعداده للتضحية ورفض خيارات الاستسلام والذل والهوان.

ويؤكّـد اليامي أننا اليوم بحاجة ماسة إلى الاستفادة من هذه الحادثة أكثر وأكثر، والأخذ بمواقف الحسين وأصحابه بكل بسالة وشجاعة.

 

الصراعُ مع الباطل يفرز الصادقين من المنافقين

الناشطُ السياسي عبد العزيز أبو طالب، من جهته يقول: إن ثورة الإمَام الحُسَين قامت على إعلاء المبادئ الدينية والقيم الأخلاقية والثوابت الإسلامية، موضحًا أن ثورة الإمَام الحُسَين أبعد ما تكون عن ممارسة السياسة التي اعتادها طلاب الملك والصاعدون على أكتاف الشعارات غير الصادقة.

ويضيف أبو طالب في تصريح خاص للمسيرة: ‘‘الإمَام الحُسَين لم يقبل المساومة أَو المراوغة للتخلص من حالة مأزق ليلتف من جديد كما هي أسس السياسة المعهودة’’، مبينًا أنه كان ينظر إلى أن الحق والعدالة وإعلاء كلمة الله ونصرة المستضعفين ثوابت ترخص معها النفوس والتضحيات.

وَأَضَـافَ: “في وقتنا الحاضر نعيش منذ أكثر من خمس سنوات عدواناً غاشماً وحصاراً ظالماً على بلدنا اليمن الحبيب، وقبله عقود من المؤامرات والدسائس من قبل النظام السعودي ومن وراءه الأمريكي والصهيوني، في مظلمة حسينية جديدة يتمثل فيها الطغاة في بني سلول وأولاد زائد وأسيادهم، والضحية في الشعب اليمني المظلوم”.

وأكّـد أبو طالب أن الأُمَّــةَ الإسلاميةَ بعصرنا الحالي بحاجة ماسة لاستلهام الدروس والعبر من ثورة الإمَام الحُسَين، وشعاره الخالد “هيهاتَ منا الذلةُ”.

واعتبر أبو طالب الإخلاص في العمل، وأن يكون لوجه الله ولإعلاء كلمة الله، وألا يكون ذلك أشراً ولا بطراً وإنما للإصلاح في أُمَّـة محمد -صلى الله عليه وَآله وَسلّم-، ثمرة من ثمار ثورة الإمَام الحُسَين.

وأشَارَ إلى أن الإيمان بعدالة القضية يجعلنا نقدم أنفسنا وأبناءَنا في مقدمة المعركة، وأن طلاب الملك يحتفظون بأنفسهم وأبنائهم للتربع على عرش السلطة.

واعتبر أبو طالب الثباتَ على المواقف والالتزام بالمبادئ القرآنية وعدم التهاون في مواجهة الباطل أَسَاساً من أَسَاسيات ثورة الإمَام الحُسَين وأن المساومة وَالحصول على مكاسب دنيوية يفرغ الثورة من قيمتها وعظمتها.

وأكّـد أن الشهادة في سبيل الله تعني انتصاراً، وأن حسم المعركة لصالح الباطل لا يعني القضاءَ على الفكر والمنهج، مستشهداً بثورة كربلاء وكيف تخلدت عبر التاريخ في الوقت الذي طوى يزيد وقادته وجيشه.

وتطرق أبو طالب إلى ضرورة التوكل على الله في مواجهة الباطل بشجاعة والعمل بقوله تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)، وأن الموازين في المعركة تقاس بالمنظور الإيماني وَالارتباط بالله وليس بالإمْكَانيات المادية.

وأشَارَ إلى أن الصراع مع الباطل يغربل المجتمعات ويفرز الصادقين من المنافقين، مبينًا أن التخاذُلَ عن نُصرةِ الحق؛ خوفاً من القتل أَو الترهيب يوقع الأُمَّــة في المحذور.

بدوره، يوضح الناشطُ الإعلامي أنس القاضي، أن ثورة الإمَام الحُسَين حاضرة في عصرنا، وأنها معبّرة عن موقف الحق والعدل.

ويؤكّـد القاضي في تصريح خاص للمسيرة، أن ما يجري في بلادنا وفي الوطن العربي والعالم الإسلامي من حرب عدوانية ومفصلية بين قوى المقاومة والتحرّر من جهة وبين قوى الاستكبار والطغيان ممثلة بأمريكا وإسرائيل من جهة أُخرى، دليل فعلي وامتداد تاريخي لطبيعة الصراع بين الحق والباطل، قائلاً: “نتعلم من صلابة موقف الحسين البراءة من الطغاة والعدوانيين، كالتزام شرعي وأخلاقي وإنساني”.

وَأَضَـافَ القاضي أن التضحية إذَا لم نبذلها في موقف حسيني ونجني منها العزة والكرامة والنصر، سنبذلها في حالة خوف وموقف ضعف بسواطير داعش وعبواتهم الناسفة.

وعن الوضع الإقليمي، اعتبر القاضي اهتداء حزب الله اللبناني بنهج الإمَام الحُسَين، مرحلة فارقة في تاريخ المقاومة اللبنانية ضد الكيان الصهيوني، مُشيراً إلى أن الإيمانَ العميق الذي تحلى به المجاهدون في لبنان، والاستعداد الدائم للتضحية والصمود في أقسى الظروف، وأن الروحية الحسينية أجبرت قوات الاحتلال الإسرائيلية أن تغادر لبنان في حرب تموز، بعد هزيمة منكرة وخسائر فادحة لحقت بهم.

الناشطُ الثقافي الدكتور همدان عسكر القاضي، من جانبه أكّد في تصريح لصحيفة المسيرة، أن في هذه الذكرى نستلهم منها الكثير من الدروس والعبر والتي منها أن الإمَام الحُسَين في خروجه واستشهاده عاش كما يعيش الشعبُ اليمنيُّ اليوم متمثلة في جانبين، وهما (جانب المظلومية والخذلان والتفريط) الذي اقترفته الأُمَّــة في حق ابن بنت رسول الله، (وجانب الانتصار والصمود والثبات على الحق والاستعداد الكامل للتضحية في سبيل الله ومن أجل دين الله).

ويشير الدكتور همدان إلى أن خروج الإمَام الحُسَين إلى كربلاء، كان خروجاً واعياً ومدروساً قام به؛ لأَنَّه يعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقارعة الظالمين هو جزء لا يتجزأ من مسؤوليته وواجب من واجباته من موقعه كحفيد لرسول الأُمَّــة محمد -صلوات الله عليه وآله-، موضحًا أن من يظن أن خروج الإمَام الحُسَين كانت غلطة بما قاله الإمَام الحُسَين: (واللهِ ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمَّـة جدي).

ويوضح الناشط الثقافي، أن الإمَام الحُسَين أراد بخروجه أن يرى الأُمَّــة أن هناك معالم ومبادئ وأَسَاسيات في الدين لا يجوز أن تضيع على أيدي الظلمة والفاسقين حتى لو بذلنا في سبيل ذلك أنفسنا وأهلينا وأموالنا، وهذا ما جسّده الإمَام الحُسَين ويجسده اليوم المجاهدون المؤمنون الصابرون في اليمن وغير اليمن تحت قيادة أعلام الهدى لهذا الزمان.

ويضيف: “نكرّر ما قاله الإمام الخميني -عليه السلام- حين قال: (كل ما نحن فيه، إنما هو من بركات الإمَام الحُسَين…)، ونحن نقول: إن ما نعيشه اليوم كشعب يمني تحت قيادة علم الزمان من عزة وغلبة وانتصارات وثبات، إنما هو بركة من بركات الإمَام الحُسَين -عليه السلام- وثمرة من ثمار استذكارنا لثورته واستلهامنا للدروس والعبر من مواقفة الشامخة وكلماته العظيمة وشعاراته الخالدة التي أطلقها في كربلاء”.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا