جامعة الدول العربية.. مواقفُ مخزيةٌ وسقوطٌ مريع في مستنقع التطبيع
|| صحافة ||
تواصِلُ جامعةُ الدول العربية من يوم إلى آخر السقوطَ المريعَ، وبدلاً عن الانتصار للمواقف العربية والإسلامية باتت اليوم أكثر ولاء وقرباً للأمريكيين والصهاينة.
وخيبت الجامعة يوم الأربعاء الماضي آمال السلطة الفلسطينية حين طالبت في اجتماعٍ عقده وزراءُ خارجية الدول العربية بإدانة التطبيع الإماراتي مع إسرائيل، لتجد السلطة الفلسطينية نفسَها محشورةً في زاوية ضَيِّقةٍ، بعد تكالُبِ دول الإمارات والأردن ومصر ورفضها السريع والقاطع لهذا الأمر.
ومع المجاهرة الأردنية والإماراتية والمصرية بالتطبيع وعدم تبني مواقفَ مناهضة له، وقفت بعضُ الدول العربية في موقف الحياد، ومنها الجزائر ولبنان وتونس والعراق، وهي مواقفُ تُظهِرُ للعلن مدى الانبطاح الذي وصلت إليه الدول العربية في مناصَرتها للقضية الفلسطينية، بل والمجاهرة “الوقحة” في التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وتعد هذه المواقف العربية هي الأسوأَ عبر التاريخ، وَهي تعكسُ حجمَ الهوان والخزي الذي وصلت إليه الدول العربية في مواقفها المناصرة للقضية الفلسطينية، بعكس المواقفِ القديمة التي كانت أكثرَ جرأةً على مواجهة إسرائيلَ حتى ولو بالموقف، فمثلاً العراق وتونس وبقية الدول العربية كانت لها ردودٌ غاضبةٌ تجاه عملية السلام المصرية الإسرائيلية في كامب ديفيد عام 1978، حيث تم نقل مقر الجامعة من مصر إلى تونس وتم تجميد عضوية مصر فيها؛ رداً على المعاهدة وذلك في الدورة التي عقدت في بغداد عام 1979م، كما تم سحبُ سفراء جميع الدول العربية من مصر، والتوصية بقطع العلاقات السياسية الدبلوماسية مع الحكومة المصرية، وحظر تقديم أية مساعدات اقتصادية للحكومة المصرية.
مواقفُ ثابتةٌ ومساندة
وعلى عكس المواقف المنبطحة للوزراء العرب، فقد أعلنت صنعاءُ موقفَها الرافضَ للذل والانبطاح، مؤكّـدةً تمسكها بالمبدأ الثابت في مناصرة القضية الفلسطينية والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني.
وعبّر عن هذا الموقف بيان صادر عن وزارة الخارجية في حكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء، التي أكّـدت فشلَ جامعة الدول العربية المستمر في دعم القضية الفلسطينية، وآخرها فشلها الذريع في تبني مشروع قرار يدينُ تطبيعَ الإمارات مع الكيان الصهيوني، وذلك خلال الدورة العادية 154 لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية.
وأكّـدت وزارة الخارجية أن جامعةَ الدول العربية عجزت خلال العقود الماضية عن تحقيق الأهداف التي أُنشئت مِن أجلِها، ولم تتمكّن من تقديم أي دعم حقيقي أَو مواقفَ مشرفة إزاء القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية، مشيرة إلى أن مواقف الجامعة العربية اقتصرت طوال الفترات الماضية على بيانات الإدانة والاستنكار، ومما يبعث على الاستياء أنه حتى هذه المواقفُ الشكلية لم يعد في مقدور الجامعة أن تبديَها، في دلالة واضحة على مستوى الانحسار القيمي المتردي والمخيف والهوة السحيقة التي باتت تفصل بين هذه الجامعة وثوابت الأُمَّــة وشعوبها.
وأكّـدت الخارجية أن جامعة الدول العربية أصبحت مصدرَ إعاقة وإحباط لشعوب الأُمَّــة وبؤرة تثبيط وتشويش لكل ما تبقى من مواقف وتوجّـهات مضيئة في أوساطها المنكوبة بحكومات بعيدة كُـلَّ البُعد عن كُـلّ ما يجسد آمالها، مطالبةً بضرورة أن يكون للشعوب العربية صوتٌ مرفوعٌ وكلمة مسموعة تضع حداً لكل هذه الانحرافات الخطيرة عن الثوابت، خَاصَّةً في ظل التوجّـهات والمشاريع الرامية إلى تصفية قضية المسلمين الأولى.
ولفت بيانُ الوزارة إلى أن هذا الموقف السلبي للجامعة العربية جاء في سياق تماهي الكثير من مكونات الموقف العربي مع هذه المشاريع العدائية التي بات العدوّ الصهيوني يطرحُها بكل جرأة ومن دون أي خوف أَو قلق، ويعمل على تسويقها بأساليبَ مستفزة لمشاعر الأُمَّــة وبشكل ينطوي على الكثير من الاحتقار والإهانة حتى لتلك الحكومات التي قرّرت أن تسلك مسالك التطبيع والخضوع والانبطاح.
ودعت وزارة الخارجية إلى العملِ والضغط باتّجاه إصلاحات حقيقية في سياسات ومواقف الجامعة العربية، بما يكفل إعادة ضبط البوصلة باتّجاه الأهداف التي أُنشئت؛ مِن أجلِها، وبما يصون ثوابت الأُمَّــة وقضاياها الكبرى، ويجعلها تعبر عن آمال وأخلاق الشعوب العربية ومصالحها الحقيقية.
وأكّـد البيان استعدادَ الجمهورية اليمنية للإسهام في كُـلّ الإصلاحات المطلوبة لإنقاذ سُمعة ومكانة الجامعة العربية، ودعم كُـلّ الجهود الرامية إلى رأب الصدع العربي.
وجددت وزارةُ الخارجية التأكيدَ على موقف الجمهورية اليمنية الثابت والمبدئي من مظلومية فلسطين الشقيقة بكل ما يقتضيه هذا الموقفُ من الرفضِ المطلَقِ لكافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني والوقوف التام لليمن -حكومةً وشعباً- إلى جانبِ الشعب الفلسطيني الشقيقِ في جميع نضالاته المحقة والمشروعة حتى تحرير فلسطين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وُصُـولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
سقوطٌ مريع
وإذا كان هذا هو الموقف الرسمي لحكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء من تماهي جامعة الدول العربية وانحدارها نحو مستنقع التطبيع، فَإنَّ موقفَ أنصار الله لا يختلفُ كَثيراً في الدفاع عن فلسطين والقضية الفلسطينية.
وقال رئيسُ الوفد الوطني المتحدث باسم أنصار الله، محمد عبد السلام: إن جامعةَ الدول العربية إذَا لم تستطع أن تفعل شيئاً في الميدان أو حتى أن تحافظ على موقفها الأدنى بالرفض والتنديد على الأقل.
وعبّر عبدالسلام للمسيرة عن استنكار اليمن لهذا السقوط المريع لجامعة الدول العربية التي وصل بها الحال أن تتنكرَ للقضية التي أُسِّست مِن أجلِها وهي قضية فلسطين، مُشيراً إلى أنه كان يفترض أن تأتي فلسطين لتطالب ببيان إدانة من الجامعة العربية ولا تستطيع أن تخرج به.. فنحن نعتقد أن هذه الجامعة يجب أن تدفن.
وحذر الناطق الرسمي لأنصار الله الفلسطينيين من تحول الجامعة العربية إلى جلاد يستهدفهم.. بالقول: من خلال تجربتنا لا نستبعدُ أن تشُنَّ الجامعة العربية حرباً عسكريةً يسبقُها اعتقالاتٌ بحق الفلسطينيين، داعياً الفلسطينيين إلى حزم أمتعتهم من هذه الجامعة بعد تحولها إلى جامعة صهيونية تخدُمُ المشروعَ الأمريكي.
وهاجم عبدالسلام خطيبَ المسجد الحرام بالقول: من المفارقات العجيبة أن يتكلمَ خطيبُ الحرمين من منبر يُفترَضُ أن يصدعَ بالحق بخطابٍ مليء بالتضليل والكذب والخداع ويتكلم عن مصالح شرعية مع الكيان الصهيوني.
وأكّـد ناطقُ أنصار الله أن شعوبَ المنطقة حيةٌ وحركات المقاومة والدول التي رفضت هذا الموقف واستنكرته داخل الجامعة هي المعوَّل عليها، وأن التعويل الحقيقي على الشعوب وحركات المقاومة والعالم الإسلامي في دعم القضية الفلسطينية.
وقال عبدالسلام: نتشرَّفُ أننا في طليعة الأحرار لرفع راية القرآن في مواجهة أعداء الإسلام.
من جانبه، أدان المكتب السياسي لأنصار الله موقفَ الجامعة العربية من التطبيع الإمارات، مُشيراً إلى أن ما نجم عن مجلس الجامعة العربية برفضه إدانةَ التطبيع الإماراتي مع العدوّ الإسرائيلي يفقد ما تبقى لتلك الهيئة من قيمة لدى الشعوب العربية”.
وأشَارَ البيان إلى أن الجامعة العربية وبعد وقوعها في دائرة النفوذ السعودي الإماراتي حكمت على نفسها بالإعدام السياسي وتحولت إلى مُجَـرّد بوق من أبواق الدعاية الرخيصة لأبو ظبي والرياض؛ لتنفيذ أجندة مشبوهة لا تَمُتُّ بصلة إلى العروبة.
وأكّـد أنه أمام هذا السقوط الرسمي للنظام العربي يظل الرهانُ على صحوة الشعوب العربية لتصحيح المسار بإعادة الاعتبار لقضية فلسطين على المستويات كافة.
مؤامرةٌ أمريكيةٌ و”إسرائيلية”
المواقفُ المندّدةُ برفض جامعة الدول العربية إدانة التطبيع مع إسرائيل لم تقتصر على أنصار الله فحسب، بل شملت الأحزاب السياسية في صنعاء، وعلى رأسها أحزاب اللقاء المشترك، والتي اعتبرت هذا الموقف “خيانة فاضحة للقيم والمبادئ التي مِن أجلِها أُسِّست جامعة الدول العربية.
واعتبرت أحزابُ المشترك في بيان لها رفضَ الجامعة العربية إدانة التطبيع، انزلاقاً ضمن المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة وارتهاناً لمشروعهما الذي يستهدف الشعوب وقضاياها وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مشيرة إلى أن سقوط جامعة الدول العربية يفقدها أيةَ مشروعية ويؤكّـد خضوعَها وتمثيلَها للإرادَة السعودية والإماراتية وليس للشعوب العربية، وهذا ما يكشفه موقفُها من العدوان على اليمن وسوريا وغيره من المواقف السلبية التي تجعلُها غيرَ مؤهلة للتحدُّثِ باسم الأُمَّــة.
المسيرة- أحمد داوود