التحدي الأكبر لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر
موقع أنصار الله || مقالات || شهيد عبدالله الحوثي
في ثورةٍ كبيرةٍ احتوت كُـلَّ أبناء شعبنا اليمني العظيم، خرج الثوارُ ونصبوا الخيام لثورةٍ مباركة ثورةٍ متميزة في الأداء والتنظيم والرحمةِ حتى للخصوم، فلم تُنصب في هذه الثورة المشانق، ولم يُعدَم ببابِ اليمن الكثير ممن نصبوا للثورةِ العداء، لم تتعرض مؤسّسات الدولة والكثير من المَحال التجارية للسلبِ والنهب.
ثورة أسقطت أكابر المجرمين في هذا البلد وبأقل التضحيات وبعدم إسالة الكثيرِ من الدماء؛ لأَنَّ ذلك كان بعين قائد الثورة حين صرّح أنهُ لن يفرط في دماء الثوار ولن ينتظر تكريراً من مثل مجزرة الكرامة أَو غيرها، وتعهدَ بحمايتهِ للثوار وقالها بالحرف الواحد للسلطة الظالمةِ آنذاك: (الدمُ اليمني من بعدِ الآن لم يُصبح دماً رخيصاً، وصعبٌ عليكم كَثيراً استباحته).
قبل أن نعرف مكاسب ثورة 21 سبتمبر وما حقّقته للوطن والمواطن من إنجازات، علينا أن نعود بالذكرياتِ قليلاً إلى الوضعِ المُعاش سابقًا، فما قبل الثورة كان الوضع مختلفاً كان الوضع مزرياً ومخيفاً، كان المشهدُ ضبابياً مُعتِماً.
لم يُرد لليمن أن تكون حديقةً خلفية لأعدائها فحسب، بل أراد لها أعداؤها أن تكون مزبلة وبرميل قمامة يقذِفُ فيها الأعداء كُـلّ قاذورتِهم ويُجَرِّبُون فيها مختلف أنواع أسلحتهم المحرمة، وأرادوا نهبَ وسلبَ الوطن والمواطن حريتهُ واستقلالهُ وكرامته، وبالتالي نهب ثروتهِ البِكر وما أودعهُ الله من خير في أرضهِ الطيبة.
فلولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر، لكان السفير الأمريكي الآن داعساً على كُـلّ مسؤولي الدولة من رئيسٍ ومرؤوس، ومبدداً لكل أحلام الشعب وآماله وتطلعاته لبناء دولةٍ مدينةٍ عادلة.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر، لكان المارينز الأمريكي يعجُ بالتواجد له في قواعد عسكرية كثيرة بِأرضِ السَعيدة.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر، لكان الدمُ اليمني رخيصاً جِـدًّا، ولم يَعُد له حُرمة حتى كحُرمةِ الكلب الذي في السفارة الأمريكية، وكان الكلبُ الأمريكي آنذاك يُعاملُ باحترام لا يحظى بمثله أكبر مسؤولي الدولة.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لكانت كُـلّ معلوماتنا الشخصية من رجالٍ ونساء بحوزة ضباط المخابرات الأمريكية، وفي أدراج السفارة الأمريكية بصنعاء، وفي حالةٍ رهيبة من الاختراق.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لكانت سماؤنا مُجَـرّد نزهة للطيران الأمريكي وللتجسس على هذا البلد، وبالأخير شن الكثير من غارات الطائرات بلا طيار على أبنائه الضعفاء وتحت غطاء ملاحقة الإرهابيين.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لكانت مياهُنا الإقليمية تحتلُّها عاهرات أميركا وبريطانيا، يقعُدن مُرابِطات على سواحلنا الحيوية ومواقعنا الجغرافية المهمة.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لكانت جمهوريتنا ووحدتنا الآن موزعةً في أقاليمَ عديدة وكنتوناتٍ صغيرة.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لكانت أرضُنا الخِصبة الآن ووفرة مياهِنا ومناخنا المتنوع ينعم بهِ ويستثمِرهُ الأجانب، ونحن فقط مُجَـرّد عمال لا أقل ولا أكثر.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لم يتبقَّ لنا من الدين إلا اسمُه ومن القرآن إلا رسمُه، وكنت ستقرأ وتتعلم إسلاماً غير إسلام مُحمد، إسلاماً بريطانياً وهَّـابياً عميلاً ينخرُ جسدَ هذهِ الأُمَّــة ويصنع فيها الكثير والكثير من عواملِ الضعفِ والتفرُقة.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لكان الجيش اليمني قد تفككَ وتهيكل وكُسرت عِظامهُ عظمة عظمة، وبالكادِ يستطيعُ الوقوف على قدميه.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لكانت وزارة الدفاع بصنعاء عرضةً لاقتحامها من عددٍ قليلٍ من التكفيريين المنافقين وفي أيِّ وقتٍ شاءوا.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لكانت تشكو بيوتُ صنعاءَ من سقوط الطائرات عليها (الطائرات صاحبة الخلل الفني المُتَعمد).
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لكان أصحاب الرايات يوزعون الموت في كُـلّ قريةٍ وعلى كُـلّ قارعةِ طريق، وستُسجل مئات الجرائم ضد مجهول.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لم يستطع المسافرون التنقل مع أسرهم لمختلف المناطق؛ لأَنَّه عند مرورهم بنقاط آل الأحمر سيقتلون وينهبون بحسب الهُوية، فهذا هاشمي وذاك من أبناء الجنوب.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لكانت القاعدةَ وداعش تُفجّر بيوت الله وتُحطم كُـلّ تُراث اليمن واليمنيين بحجّـة الشرك والشركيات، ولكان هؤلاء يُقَدِّمون من يُعارضهم للذبح سواء من الأمامِ أَو الخلف مع اختلافهم الفقهي في ذلك، كان سيُحرّر الكثير ممن هم محسوبون عليهم في سجونِ الدولة والمرتكبين أبشع الجرائم الإرهابية، سيُحرّرون بتواطؤٍ من الدولة نفسها، ثم ليعود هؤلاء المجرمون أبطالاً بين جماعاتهم ويرتكبون من جديد أبشع الجرائم الوحشية.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لمُلئت صُحُفُنا اليومية بِأخبار الاغتيالاتِ المُتكرّرة وتفجيرات العبوات الناسفة بالمارةِ على الطريق وأمام المدارس وداخلَ الأسواق.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لكانت شبكات الدعارة الخليجية والأمريكية تقضي على قيم المجتمع وتمسكه بهُويته الإيمانية.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لكانت المدارس ستُحوّل إلى متارس، وتعمُ الفوضى مساحة كبيرة من البلد، وتُشتَعلُ في تلك المناطق الكثير من الحروب والأزمات.
لولا ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لأصبح شعبُنا شعباً مُتَسوِّلاً، همهُ الوحيد البحث عن لقمةِ عيشه ولو من فتات وبقايا موائد دول الخليج الدسمة.
لكنَّ ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر وقفت حَجر عثرةٍ أمام العدوّ وأفشلت مخطّطاته وأربكته، واستغل الثوارُ الفرصة السانحة لهم للتغيير نحو الأفضل وعاشوا مع ثورتهم تفاعلاً كَبيراً وهمةً عالية وبكلِّ جدٍّ ودونَ ملل، ولم تُساورهم الظنونُ بالعودةِ والتراجع إلى البيوت، بل وقدّموا الكثيرَ من قوافل الكرم ِ والعطاء لإمدَاد ثورتِهم بأنفسهم من دون تلقي تمويل أجنبي أَو من أية دولةٍ عربيةٍ كانت، وأذهلوا بتحَرّكهم هذا الصديق قبل العدوّ.
وأكبر مكسب حقّقه الثوار والثمرة الطيبة التي جنوها من بستان ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر هو (الحرية والاستقلال)، استقلال هذا الشعب في قراره وتسنيه لتحديد مصيره بيده، حيث أصبح هذا الشعب حُرًّا في كُـلّ ما يقرّره وأصبح مسؤولاً عن نفسه، وليس متروكاً أمرُهُ للإملاءات الخارجية والوصايةِ الأجنبية.
حيث كانت السعودية تتدخل تدخلاً سافِراً في شؤون هذا البلد، فلا يتم تعيين مدير أمن للمديرية مثلاً إلا بموافقةِ وعلمِ أصغر أميرٍ من أمراء المملكة، وكان لهؤلاء الأمراء سلطة كبيرة في الجانب الرسمي وسلطة كبيرة على مشايخ البلد مقابل ما يعطونهم من الريال السعودي.
فبعد فشل هؤلاء القوم وخروج البلد من سيطرتهم، اضطروا إلى أن يتدخلوا عسكريًّا بعد أخذهم الأذنَ من أسيادهم الأمريكان، وهنا دخلت ثورة الواحد والشعرين من سبتمبر في التحدي الأكبر.
التحدي هذا لم يكُن في صبر المتظاهرين في الخيام دون الإصابة بحالةِ الملل أَو الفتور، ولم يكن بمواجهتهم لمسيلات الدموع والمياه المُتدفعة نحوهم بقوة، ولم يكن بمواجهتهم لقليل من التكفيريين المُستَجلبين أمام بوابة رئاسة الوزراء أَو في خط المطار وليس باقتحام معسكر الفرقة الأولى مدرع.
هذا التحدي يواجه فيه أبناءُ هذا الشعب وثوارهُ الأحرار عدواناً كَبيراً تحالف فيه أكثر من سبعةَ عشر دولة تشترك بالغطاء السياسي تشترك بالدعم العسكري والمشاركة بالقتال، تشترك بالدعم لوجستياً ومخابراتياً عبر أقمارها الصناعية، تشترك ببيع الكثير من الأسلحة المحرمة لقتلِ أبناء هذا الشعب.
تحدٍّ كبيرٌ لحصارٍ جائر طال عمره ألفي يوم، حصار ضاق به الشعب ذرعاً، حصار بري وجوي وبحري، حصار في إدخَال المشتقات النفطية وحصار في إدخَال القليل من الدواء وإخراج المرضى لتلقي العلاج بالخارج، حصار في إغلاق مطار صنعاء نهائياً لخلق عزلة موحشة لأكثر من خمسة وعشرين مليوناً من سكان هذا البلد.
فعندما ينتصر شعبنا في هذا التحدي ويجتازهُ بنجاح، كُـلّ ذلك مع الصبر والجهاد وتقديم التضحيات بالتأكيد سيكون وضعُ البلد مختلفاً وضعهُ سيكون بأحسنِ حالٍ مما مضى، ستُفتح الأبواب المؤصدة بوجهه وستُسجل باسمه الكثيرُ من المشاريعِ العمالقةِ والبناءة، سيعيش هذا الشعب في رَغدٍ من العيش وسَعةٍ من الرزق، وسيحل التبادل التجاري مع علاقاتٍ كثيرة لمختلفِ بلدان هذا العالم الذي ستتسابق سباقاً لذلك الشيء.
عندها نستطيعَ القول وبالفمِ المليان، بأن الثورةَ نجحت بتحقيقِ كاملِ أهدافها وسنرى الثوار يتنقلونَ من بستانٍ إلى آخر يجنون الثمار الطيبة يهدوها إلى الأمِّ الحبيبة (اليمن).
عندها تسقطُ الجرعةُ حقًّا وترجِعُ قيمة الدبة البترول كما عهدناها سابقًا، ومع مراعاةٍ للتخفيض أَيْـضاً، وعندها يتم تبديل حتى حكومة الإنقاذ بحكومةِ نزاهةٍ وكفاءات تعلن أشد المحاربة للفساد والمفسدين، وتُنفذ مخرجات الحوار الوطني بحذافيره.
بإذن اللهِ تعالى سيكون ذلك عمَّا قريب، ونحن نحتسي البن اليماني الأصيل في مقهى (سمسرة وردة) بصنعاء القديمة، عندها نسمع صوت المذياع يُخبرُ بوقف إطلاق النار في اليمن وعودة العدوان مهزوماً خائباً يجرُّ أذيال الهزيمةِ من ورائه، وسنذهب للبيت لنأكل الكعك التي أعدته نساؤنا بتلك المناسبة، وسينهض موظفو الدولة منذ الصباح الباكر ليتبادلوا التهاني وتوزيع الحلوى، وستدق طبول البرعة اليمنية في جميع أرجاء محافظات الجمهورية اليمنية وفي ميدان التحرير بصنعاء، وهناك نستقبل أبطال الجبهات ونلتقط صور السِلفي معهُم، وبداخلنا كثير من الفرح والسرور، وإن موعدنا الصُبح، أليس الصبحُ بقريب.