هدف “الثورة” يصيب الأمريكيين في مقتل
فيما كان السفير يعمل على تفريخ الكيانات وخلق القوى المتناقضة وتأجيج الصراعات في الواقع السياسي اليمني
|| صحافة ||
تحت مبرر مكافحة الإرهاب تعدت أمريكا مرحلة النفوذ السياسي إلى مرحلة الحضور العسكري
لم تقبل أمريكا ثورة 21سبتمبر الوليدة لقناعتها بأنها تصطدم مع طموحاتها في المنطقة
المتأمل لمساحة الحرية التي كان يتمتع بها السفير الأمريكي في اليمن قبيل ثورة 21 سبتمبر سيدرك أنه كان من الصعب عليها القبول بغير استمرار ذلك، ولذلك ظلت تحركات السفير الأمريكي في صنعاء تسير في اتجاه الإبقاء على حالة الشتات في الوسط السياسي اليمني وخلق أسباب السيطرة على قرار البلد، وابتداء من ثورة فبراير 2011م اخذ السفير الأمريكي على عاتقه مهمة تعطيل أي نقاش يمني- يمني يمكن أن يفضي إلى اتفاق لا يكون فيه لأمريكا دور منذ مفاوضات جنيف إلى ما تلته من مساع أممية للقاءات تجمع اليمنيين حول قضايا البلد.
الثورة / وديع العبسي
في وقت مبكر من العدوان، في أبريل من العام 2015م سفير أمريكا السابق في اليمن ستيفان سيش يقول لمحطة “سي إن إن”: لا يجب ترك العرب يقاتلون وحدهم وعلينا التدخل والتفاوض على مصالحنا.. وقال “لدينا مصالحنا ويجب أن نكون على الأرض بأنفسنا”.
عقب التدخلات الأمريكية في مجريات المشاورات اليمنية انطلاقا من جنيف 1 وجنيف 2 ثم مشاورات الكويت خرج اليمنيون منتصف يوليو من العام 2016م في العاصمة صنعاء، فيما المشاورات لا تزال مستمرة للتنديد بـ”المواقف الأمريكية المعرقلة للحوار والحلول السلمية في اليمن”، بالتزامن مع دخول الجولة الثانية من مشاورات الكويت يومها الثالث دون تحقيق أي تقدم، واتهم بيان صادر عن المسيرة الولايات المتحدة بأنها “تعمل جاهدة على عدم الوصول إلى أي حلول سلمية تجنب الشعب اليمني المزيد من الاقتتال”.
هكذا ظلت أمريكا تحاول الإبقاء على ذات الحضور في التحرك والتصرف كيفما تشاء، وهي الشاكلة التي كانت عليها قبل الـ21 من سبتمبر 2014م..
يقول قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في كلمته بمناسبة العيد السادس لثورة 21 سبتمبر “أصبح السفير الأمريكي آنذاك يتدخل على المستوى الرسمي في كل المؤسسات والوزارات، فهو يتدخل في القضاء، ويلتقي بالجانب القضائي، ويتدخل بفرض سياسات وإملاءات وتوجهات، يتدخل في المؤسسة العسكرية، ويلتقي بالضباط والقادة العسكريين، ويعمل على صياغة برنامج معين- بالتأكيد- ينسجم مع السياسات الأمريكية، ويحقق الأهداف الأمريكية، ثم على مستوى الأجهزة الأمنية، ثم على مستوى المجال السياسي مع السلطة والأحزاب…”.
وأضاف قائد الثورة” وهكذا فتح السفير الأمريكي آنذاك برنامجاً في كل مجالات وشؤون هذا الشعب، من النوافذ الرسمية في كل مؤسسات الدولة ووزاراتها، ثم أكثر من ذلك: اتجه إلى الاختراق للحالة الشعبية، وبدأ بتنسيق علاقات مباشرة مع بعض الشخصيات الاجتماعية، وبعض المشائخ، وبعض الوجاهات، وحاول أن يعزز له ارتباطات مع بعض المناطق، وأصبح يتجه أيضاً إلى وجهة أخرى: هي المجتمع المدني؛ ليتغلغل من هذه النافذة، وعلى العموم لم يبق السفير الأمريكي آنذاك في صنعاء نافذة من النوافذ التي يتسلل من خلالها للتدخل في كل شؤون هذا الشعب إلا وتسلل منها ودخل منها، ويكفي مراجعة للأرشيف الإعلامي آنذاك، على مستوى القنوات الفضائية بما فيها الرسمية، والصحف آنذاك بما فيها الرسمية، وسيجد الإنسان كل الشواهد الدامغة التي تثبت هذا الكلام الذي قلناه، فأصبح يتدخل في كل شؤون هذا البلد بما يخدم السياسات الأمريكية الاستعمارية العدائية، لم يكن تدخله إيجابياً، ولا لمصلحة الشعب اليمني، ولم تكن النتائج التي تنتج عن تدخلاته وإملاءاته، والسياسات التي يفرضها، والأنشطة التي ينفذها، لم تكن نتائج إيجابية، ولم يكن لها أي ثمرة طيبة أو إيجابية في واقع هذا الشعب، وكنا نرى- بكل وضوح- كيف يتدهور الوضع في كل المجالات: على المستوى الأخلاقي والقيمي والمبدئي والثقافي والفكري، وعلى المستوى الاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري، وعلى مستوى بنية الدولة التي كان ينخر فيها كالسوس، وكانت تتخلخل أكثر فأكثر حتى أوشكت على الانهيار التام.
وبنظرة وتأمل واضح فالمسار الذي كان الأمريكي من خلال سفيره يدفع به الوضع في البلد هو مسار يتجه بهذا البلد نحو الانهيار التام وأوشك، وصل إلى حافة الهاوية، لولا هذه الثورة الشعبية التي تداركت الأمور، وفرملت عند حافة الهاوية، وأعادت الاعتبار لهذا الشعب.”
كان من نتائج التحركات التي لم تكن بريئة زيادة الانقسامات بين أطراف العمل السياسي في اليمن.. يبين السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي كيف أن السفير الأمريكي كان يلتقي بهذا الحزب ويعطيه وعوداً ويشجعه، ويلتقي الحزب الآخر ويفعل معه نفس الشيء، ويشجع هذا على القيام والتحرك ضد هذا، ويسعى إلى تفريخ كثير من الكيانات والقوى المتناقضة، ويعمل على التحرك تحت كل العناوين على قاعدة: تفريخ المزيد من الكيانات المتباينة..
ذرائع حقوقية
السفير الأمريكي أيضا كان يثير انقساماً تحت عنوان حقوق المرأة وحقوق الطفل، والتوجه نحو المكونات الاجتماعية، والسياسية، وكان المسار- كما يتضح- طويلاً، يهدفون من خلاله إلى بعثرة هذا الشعب وتفكيك كيانه تحت كل العناوين؛ حتى لا يبقى رابطٌ جامعٌ يجمع أبناء هذا البلد ويحميهم من الانقسام، ويصبح كل شخص أو كل فئة بسيطة من أبناء هذا الشعب ينظرون إلى أنفسهم كفئة مستقلة عن بقية أبناء هذا البلد، لا رابط بينهم.
الحال الذي كان عليه السفير الأمريكي وحجم تدخله في الشأن اليمني – خلافاً للأعراف الدبلوماسية- ولقاءاته بالوزراء والمسؤولين اليمنيين ومتابعة تنفيذ ما يزعم أنها ثوابت دولية ذات ارتباط بالمرأة أو حقوق الإنسان.. إلى آخره، وهو ما كانت توثقه حينها وسائل الإعلام، وكل ذلك كان بمثابة انتهاكات للسيادة الوطنية، وقد لخصها قائد الثورة أيضا بقوله ” في الوقت الذي رضخ فيه أولئك في السلطة وبعض القوى والأحزاب وتماهوا تماماً مع الوصاية الخارجية، وصولاً إلى إدخال البلد في وصاية علنية وصريحة تحت عنوان البند السابع، ووصاية الدول العشر، وأصبح السفير الأمريكي في صنعاء بشكل رسمي وصريح، وبقرار من مجلس الأمن، هو المسؤول الأول في الوصاية على هذا الشعب وهذا البلد، وسلمت له السلطة بذلك وسلَّمت له بعض القوى السياسية معها بذلك.
ويضيف القائد ” كان سفراء من تبقى من الدول العشر كأعوان للسفير الأمريكي بمنزلة الوكلاء لمحافظ محافظة مثلاً، وأصبح هو الذي يقرر أولاً ، يجتمع بسفراء الدول العشر من أعوانه ووكلائه، ويرسم لهم المهام والسياسات والتوجهات والتعليمات، ثم تقدم إلى من يسمى بالرئيس، ورئيسه السفير الأمريكي، ثم تنزل عبره إلى بقية المؤسسات، وفي بعضٍ الأحيان لا تنزل حتى عبر من يسمى بالرئيس، بل يباشر السفير الأمريكي لقاءاته بهذا الوزير أو ذاك وبهذا المسؤول أو ذاك ويوجهه بشكلٍ مباشر، وهو يتجه للتنفيذ، توجيهات مباشرة وتنفيذ مباشر، وهذا مثبت في أرشيف الصحف، والإذاعات والقنوات الفضائية”.
إن لم يكن أفضل
اطمأنت أمريكا إلى نظام الفترة الانتقالية- ما بعد ثورة فبراير 2011م- ورأت أن فيه ما يضمن لها حضورا، وهو ما عبَّر عنه صراحة لصحيفة الحياة اللندنية منتصف مارس 2012م السفير الأمريكي السابق “جيرالد فايرستاين بقوله “التعاون في مجال مكافحة الإرهاب اليوم هو بنفس ما كان في الماضي إن لم يكن أفضل”، وهو الوضع الذي خلق لأمريكا نفوذا أقوى ومكنها أكثر من التواجد والتأثير على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية، تعدت الولايات المتحدة الأمريكية مرحلة النفوذ السياسي إلى مرحلة الحضور العسكري، الأمر الذي أثار جدلا واسعا حول حقيقة التواجد العسكري الأمريكي في بعض محافظات اليمن.
أحد صحفيي حزب الإصلاح – المكون الرئيسي في السلطة آنذاك علي الجرادي- اعترف في حديثه لمجلة البيان “أن اليمن في مرحلتها الانتقالية شهدت تزايداً للنفوذ الأمريكي في المجال السياسي والعسكري والأمني”، وأضاف: “وهذا هو الفرق بين بناء المصالح المشتركة وبين التبعية الغالبة”.
في منتصف شهر سبتمبر من عام 2012م أكد السفير الأمريكي في صنعاء جيرالد فايرستاين أن “مجموعة صغيرة” من قوات المارينز الأمريكية وصلت صنعاء وفقا لمشاورات تمت مع الحكومة اليمنية.
وقال السفير الأمريكي في بيان صحفي نشرته سفارة بلاده في صنعاء “سيعمل عدد قليل من القوات الأمنية الإضافية وبشكلٍ مؤقت على المساعدة في جهود الأمن وإعادة الوضع إلى طبيعته في سفارة الولايات المتحدة بصنعاء”.
وفي 1 أبريل 2014م محمد ناصر أحمد الذي كان وزيرا للدفاع حينها يلتقي بوزير الدفاع الأمريكي “تشاك هيغل” في مقر وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” بواشنطن، الحكومة اليمنية قالت حينها إنها تأتي “لبحث العلاقات اليمنية الأمريكية ودعمها في مجال مكافحة الإرهاب”، وجميعها معطيات تشير إلى ذلك الحضور الذي كان يمثله السفير الأمريكي.
خلفية الانزعاج من الثورة
ولأن هدفها منذ البداية كان التحرر من الارتهان للقوى الخارجية لم يقبل الأمريكان ثورة 21سبتمبر2014م الوليدة لقناعتهم بأنها تصطدم مع طموحاتهم في المنطقة وفي اليمن، ولذلك استمرت محاولات واشنطن عبر سفرائها لمنع أي محاولة لمشروع نهضوي يمكِّن اليمنيين من استغلال ثروات بلادهم ومقدراتها ومكانتها الجيوسياسية، فإذا ما حدث ذلك فإن تلك القوى الخارجية على استعداد تام لمواجهة مثل هذا المشروع بمختلف الوسائل.
يؤكد الدكتور عبد الرحمن المختار أستاذ القانون في جامعة صنعاء وزير الشؤون القانونية سابقاً في ندوة عقدت في قاعة بيت الثقافة في العاصمة صنعاء، أن هذه الرغبة لاستهداف أي مشروع نهضوي حدث من قبل، مع مشروع الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي.. يقول الدكتور المختار: تكرر ذلك أيضاً مطلع التسعينيات بعد وحدة اليمن التي شكلت مصدر قلق للنظام السعودي من اندماج جيشين قويين ونظامين سياسيين وتوحيد مصادر القوة الاقتصادية؛ فعلمت على إدخال اليمن في صراعات انتهت بحرب 94.
المشروع القرآني
ولعل أشد ما أقلق قوى الهيمنة في الخارج هو المشروع الفكري المتمثل في مشروع السيد حسين بدر الدين الحوثي، وهو ما عرف بالمشروع القرآني، والذي لا يقف عند حدود النهضة الاقتصادية بل يشكل مشروعا فكريا تحررياً تنويرياً يرفض الهيمنة ويسعى للاستقلال، فأدركوا خطورته عليهم، فعمدوا إلى وأده في المهد بالحرب الشرسة التي انتهت باستشهاد المؤسس السيد حسين بدر الدين الحوثي ظناً منهم أن ذلك سيكون نهاية المشروع، ولكن بعد تولي السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي دفة القيادة خاضت السلطات معه خمس حروب لم تفلح أيضاً في القضاء على المشروع بل زاد تعداد أنصاره وتمددهم إلى أن أصبحوا جزءاً فاعلاً من ثورة 11 فبراير ثم حاملاً لمشروع التصحيح وإكمال الثورة بعد الالتفاف عليها، ليصنعوا ثورة 21 سبتمبر في العام 2014م.
يقول المعارض السياسي عبدالله سلام الحكيمي: إن حركة أَنصار الله منذ بدء انطلاقها وعلى يد مؤسسها وقائدها الأول الشهيد حسين بدرالدين الحوثي رحمه الله أرادت صياغة مشروع حضاري جديد وبديل نهضوي تجديدي يقوم على أسس أهمها:
-إزَاحَة الصورة السلبية والمشوِّهة للإسْلَام التي انتشرت في الداخل والخارج والتي حصرته وكأنه دين حرب وقتل وإرْهَاب واستباحة ما حرم الله، مثل تسويغ الزنا الجماعي وزواج “فريند” أي زواج الصداقة والمسيار… إلخ وقمع حرية الرأي والاعتقاد، وفرض احتكار الدين وتطبيقه على فئة إرْهَابية ضالة ومضلة، وذلك من خلال صياغة وتقديم نموذج إسْلَامي راق يعبِّر عن غايات الدين العليا في السلام والتعاون والتعايش الإنْسَاني والحرية والعدل والمساواة والتكافل الاجتماعي… إلخ.
-الاجتهاد في تأسيس أرضية لإنهاء تمزق المسلمين وتناحرهم وصراعاتهم، أرضية تُبنى على هدي القرآن الكريم كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه الكتاب الجامع الموحد لكل المسلمين، وتجاوز كُلّ المذهبيات المتخندقة على ذواتها والمتعصبة لغير كتاب الله والتي فرّقت الأمة قروناً من الزمن وأزهقت وسفكت أرواح ودماء ملايين المسلمين عبر التَّأريخ الإسْلَامي.
-الانطلاق- استناداً إلى ما سبق- في صياغة مشروع نهضة وطنية شاملة عبر تأسيسِ دولة يمنية حديثة وعادلة على قاعدة المواطَنة والشراكة والتوافق الوطني الذي لا يستأصل ولا يقصي ولا يهمش أي مكون اجتماعي؛ باعتبار مثل تلك الدولة المدخلَ الإلزامي والضامن الموضوعي لإحداث نهضة وطنية شاملة في كافة جوانب حياة المجتمع تقدماً وازدهاراً وعدلاً ومساواة وأمناً وأماناً وعزة وكرامة وسيادة.
ويشير الدكتور عبدالرحمن المختار إلى أن من أهم وسائل القوى الخارجية لاستهداف الثورة اليمنية، المبادرة الخليجية التي عملت على صناعة ثورة تتفق وأجندات هذه القوى، بالإضافة إلى اختلاق الحروب الداخلية المؤدية إلى التفكك والتدمير، واستخدام القوى الإرهابية لزعزعة الاستقرار الداخلي، وأخيراً مواجهة الثورة بإعلان التدخل العسكري المباشر في 26 مارس 2015م عقب إفشال المخلصين من أبناء الشعب اليمني لكل وسائل القوى الخارجية السابقة.
عدوان على القيم الإنسانية
اصطدمت سياسة الإدارة الأمريكية بإرادة الشعب اليمني بعد قيام ثورة 21 سبتمبر الشعبية التي كان من أهم أهدافها تحرير القرار السياسي اليمني من الارتهان والتوجه الجاد نحو بناء دولة وطنية حديثة كان اليمنيون ممنوعين من بنائها منذ أكثر من خمسة عقود.
شعار اليمنيين الرافض للوصاية الخارجية كأهم هدف لثورة 21 سبتمبر اعتبرته الإدارة الأمريكية انتقاصا في حقها لاسيما وهي تتعامل مع شعوب المنطقة المجاورة لليمن بتعال وبطريقة توحي للآخرين بأن هذه الشعوب وحكامها- حسب المحلل أحمد ناصر الشريف- هم عبارة عن إقطاعيات أمريكية ليس مسموحا فيها لحكامها أن يعترضوا على شيء يقطعه السيد الأمريكي، وليس عليهم إلا السمع والطاعة لتنفيذه وإلا فالعقاب سيكون إزالة هذا الحاكم أو ذاك من على كرسيه المهزوز أصلا.
حينها لم يكن أمام الإدارة الأمريكية بعد أن سدت كل السبل في وجه سفيرها للتدخل في الشأن اليمني إلا أن أوعزت إلى أدواتها في المنطقة لتشكيل تحالف شرير للقيام بشن عدوان على اليمن وشعبها العظيم بهدف القضاء على الثورة الشعبية لاعادة الأمور إلى طبيعتها السابقة وذلك بعد أن مهدت لعدوانها بشن حملة إعلامية شرسة أوحت من خلالها للبلهاء بأن إيران أصبحت هي التي تحكم اليمن وأن اليمن صار يشكل خطرا على دول المنطقة وعلى الأمن القومي العربي، ليجد هذا الخطاب آذانا مصغية حتى في أروقة الجامعة العربية بفضل شراء الذمم والضمائر بالأموال السعودية والخليجية.”
وبالتزامن مع العدوان الذي ثبت لها فشله في تحقيق أي انجاز نشطت أمريكا في تحركات أرادت من خلالها وأد هذا المشروع بأي ثمن كان، فبدأت بتعقيد الوضع أمام اليمنيين في مختلف المناحي، طالت حتى الجانب الإنساني في تجاوز لافت لكل القيم الأخلاقية والنصوص القانونية الدولية الحافظة في مضامينها لحقوق الإنسان.
المؤامرة على الريال اليمني
لم يعد هناك من شك في أن استهداف الريال بالسياسات الخاطئة لم يأت من باب الصدفة، أو كان معدوم الهدف، وإنما جاء في إطار المحاولات لإضعاف نظام ثورة 21 سبتمبر، وللتضييق على الناس من أجل خلق حالة من الاحتقان وعدم الاستقرار.
يؤكد ذلك تهديد السفير الأمريكي ماثيو تولليرز الوفد الوطني في مشاورات الكويت 2016م باتخاذ إجراءات اقتصادية لإخضاع اليمن، مشيراً إلى أنه سيجعل قيمة الريال لا تساوي الحبر الذي يكتب عليه، وفي منتصف سبتمبر من العام نفسه بدأ تنفيذ التهديد بشن حرب اقتصادية على اليمنيين من خلال نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن وتشكيل مجلس إدارة للبنك..
حينها بدأت القفزات المفجعة لأسعار العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني، فقد كان سعر صرف الدولار قبل نقل البنك يتراوح عند 240 ريالاً ليقفز بعدها إلى 300 ريال، لتتواصل بعدها مرحلة التدهور بشكل متسارع حتى اليوم خصوصا مع قيام حكومة هادي بطباعة أوراق نقدية من دون غطاء بمئات المليارات من الريالات لتصل إلى أكثر من تريليونين خلال الفترة 2017 – 2020م، وهو ما مثل طعنات في خاصرة الاقتصاد اليمني.
ويرى اقتصاديون أن الخطوات العبثية لحكومة هادي أوصلت فارق سعر الصرف بين المحافظات المحتلة والحرة إلى فارق كبير خصوصا مع إصدار البنك المركزي في صنعاء قراراً في ديسمبر من العام 2019م يقضي بعدم التداول أو حيازة الأموال من العملات الجديدة التي طبعتها حكومة “هادي” في المحافظات التي تقع تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى ووضعت مهلة للمواطنين لاستبدال ما لديهم بالنقد الالكتروني.
وكان من تداعيات ذلك أن فارق سعر الصرف تحول إلى معاناة للمواطنين ولغط بين خبراء الاقتصاد لا سيما مع وصول رسوم الحوالات المالية إلى نسبة خيالية وغير متوقعة، حيث تجاوزت 32%، وهذه النسبة تستقطع من أموال المواطنين بالذات فئة البسطاء عند التحويلات المالية بين المحافظات المحتلة والمحافظات الحرة.
مبادرة للتقسيم
نهاية العام 2018م أمريكا تقدم صراحة مبادرة حل تقوم على تقسيم البلاد تكشف عن نية الولايات المتحدة في تقسيم الیمن، وهو الهدف الذي شنت لأجله العدوان علی الیمن منذ البداية”.
مخطط الحكم الذاتي الأمريكي اعتبره مراقبون محاولة جديدة من محاولات أميركية فاشلة، وهدفه الحقيقي هو تركيع اليمن وسلب سيادته وتفتيته خاصة بعد انكسار العدوان ميدانياً في الساحة اليمنية، لكن حنكة القيادات اليمنية ستوفر لليمنيين فرصة لإجهاض كل المؤامرات.
ولم يكن بالأمر المستغرب أن تعمل أمريكا بكل إمكانياتها وثقلها على إعاقة وإفشال أي تحرك لإيقاف العدوان، وقد برز في هذا السياق الجدل الذي جرى بين ترامب والكونغرس حين طالب الأخير بإيقاف الدعم الأمريكي لقوى العدوان.. حينها في أبريل من العام 2019م حذر ترامب من أن وقف هذا الدعم سيعرِّض حياة الأمريكيين للخطر، واستخدم حق النقض الرئاسي (الفيتو) لوقف مشروع قانون أقره الكونجرس ينهي الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن.