رياحُ التطبيع لا تعصفُ إلا بالقش
موقع أنصار الله || مقالات || منير الشامي
حينما نتأمل في مفهوم التطبيع بشكل عام نجد أنه يعني القبول بوضع بشري منحرف وقذر والتعايش معه كأمر واقع والرضا به حتى ولو كان منافياً للأخلاق النبيلة، والقيم الإنسانية الحسنة، والمبادئ الدينية وكل ما تعارف عليه الإنسان.
الأوضاع البشرية المنحرفة والقذرة هي الأوضاع التي لا يقبلها الإنسان العاقل بفطرته ويعفها وينفر منها؛ كون قبولها يجرد الإنسان من إنسانيته وأخلاقه الحميدة وقيمه النبيلة ومبادئه الرفيعة، ويسقطه إلى ما دون الأنعام وإلى ما هو أبعد من البهيمية.
ويعتبر التطبيع السياسي نوعاً من أنواع التطبيع وهو يعني خضوعَ واستسلامَ أحد الخصمين المتعادين والمتحاربين لإرادَة وتوجيهات الخصم الآخر دون شرط أَو قيد، يتحول فيه الطرف المطبع إلى أدَاة بيد الطرف الذي فرض التطبيع يحركها كيفما يشاء ويوجهها نحو ما يشاء، ما يعني أن التطبيع هو ناتج بين قوي وضعيف وبين مسيطر وخاضع وبموجب قبول التطبيع يكون الطرف الضعيف قد تنازل عن حقوقه الشرعية وعن إرادته وحريته واستقلاله للطرف الآخر فيكون قبوله للتطبيع إقراراً منه عن تبعيته المطلقة للطرف القوي.
وهذا هو حال أنظمة العمالة والخنوع الخليجية والعربية مع إسرائيل كنظام الإمارات والبحرين والسودان وغيرها من الأنظمة التي ستتبع خطاها وترمي بنفسها وشعبها تحت قدم الماسونية الصهيوني، ما يعني أن المفهوم الحقيقي لتطبيع هذه الأنظمة مع إسرائيل هو إعلان ولائها وتبعيتها للكيان الصهيوني وإقرار منها بسيادة هذا الكيان عليها وبتبعيتها المطلقة له، وما اتّفاقية السلام التي تتغنى بها تلك الأنظمة إلا مُجَـرّد عبارة وهمية جوفاء وجلباب شفاف يحاولون به ستر خضوعهم وسوأة انبطاحهم للكيان الصهيوني المجرم.
لأن السلام لا يكون إلا بين خصمين أَو دولتين متجاورتين بينهما مواجهة عسكرية مباشرة أَو يتوقع مستقبلاً أن يدخلا في مواجهة عسكرية مباشرة، وليس بين طرفين تفصل بينهما دول وشعوب ولم تطلق بينهما طلقة مباشرة ويستحيل أن يحدث ذلك بينهما مستقبلا.
وهنا قد يتساءل الإنسان الحر عن سبب ارتماء تلك الأنظمة تحت أقدام بني صهيون ولماذا تهرول مسرعة نحو التطبيع وتتستر بعنوان السلام ولا حرب مباشرة مسبقة لها مع إسرائيل ولا حرب مباشرة متوقعة بينهما ستحدث مستقبلاً؟
الإجَابَة أن الكيان الصهيوني فرض سيطرته الكاملة على تلك الأنظمة بطريقة أَو بأُخرى وخلال العقود الماضية في مختلف مجالات الحياة، فكريًّا، واجتماعيًّا، وسياسيًّا وأخلاقيًّا، وسياسيًّا واقتصاديًّا، وأمنيًّا، وعسكريًّا… إلخ.
ونجح في صناعة تغيير أيديولوجي جذري فيهم حتى أصبحوا اليوم يعتقدون اعتقاد قاطع أن بقائهم وبقاء كراسيهم وسلطتهم بيد هذا الكيان ومن يقف وراءه وأصبحوا يعتقدون أن عبوديتهم له قوة لهم أمام العالم وأن ذلهم له عزة وهوانهم تحت أقدامه كرامة لهم ولا غرابة في ذلك؛ لأَنَّهم يرون أنفسهم قشًّا تذروها رياحٌ وهمية صهيونية لا وجود لها ولا أثر، وهذا ما جعل رياح التطبيع الصهيوني تعصف بقشهم، وهذه سنة من سنن الله فمن ابتغى العزة من دون الله ألبسه الله لباسَ المذلة وجعله عبداً لأذل وأهون ما خلق.