تشجيع الاستقرار في الأرياف… ضرورة ملحة للتنمية الزراعية”2″
إعداد، أحمد يحيى الديلمي
في سياق تشجيع الاستقرار في الأرياف كضرورة ملحة للتنمية الزراعية، يواصل السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي تقديم التشخيص الدقيق لقضية الهجرة من المدن إلى الأرياف، ويُبيِّن أن كثير من الأشياء التي يعملها النَّاس تكون بشكلٍ غير مخطط، ومنظم، ومدروس، وواع، وبشكلٍ عشوائي، وأن من المشاكل البارزة هي الهجرة العشوائية، والكثيفة من الأرياف إلى المدن، وأن هذا ينتج عنه سلبيات ومشاكل كبيرة جداً؛ نتيجة الهجرة من الأرياف الى المدن، حيث يقول:
“لاحظوا، كثيرٌ من الأشياء التي يعملُها الناسُ ـ وسيعملونها على أي حال ـ إنّما هم يعملونها بشكلٍ غيرِ مخططٍ ولا منظمٍ ولا مدروسٍ ولا واعٍ وبشكلٍ عشوائي، هذه العشوائيةُ هي آفةٌ كبيرةٌ في واقعِنا العربي وفي واقعِنا اليمني.
المشكلةُ الرئيسيةُ لنا هي العشوائية، العملُ غيرُ المخططِ ولا المنظم ولا المدروس ولا المحسوب، كلٌّ يشتغلُ على ما في رأسِه، وهذه مشكلةٌ جداً، مشكلة كبيرة جداً.
لاحظوا، من المشاكلِ البارزةِ هي الهجرةُ العشوائيةُ والكثيفةُ من الأرياف إلى المدن، والتكدُسُ في داخل المدن، وهذا ينتجُ عنه مشاكلُ كبيرة جداً، ثم يصيح الناسُ في نهاية المطاف من الكثافة السكانية، عندما يتكدسون مثلاً في صنعاء ويهاجرون من الأرياف، الأرياف التي فيها الزراعة، فيها المزَارعُ وفيها المساكنُ وفيها إمكانيةٌ جيدةٌ لتربية الثروة الحيوانية، ويهاجرُ الناسُ إلى المدن.
لاحظوا، على مستوى الكثيرِ من الناس الذين يهاجرون من الأرياف إلى المدن ويستقرون في المدن، يذهبُ من الريف من منزلِه، كان في منزلٍ له ساكنٍ فيه، في منزلِه، يصلُ إلى المدينة يسكنُ بالإيجار، يحتاج إلى كُلفةٍ إضافية في حياتِه هي الإيجار، وكانت هذه الكُلفة مخففةً أو غيرَ موجودةٍ كعبءٍ عليه في الريف، في منزله أو في منزلِ والدِه في الريف، كان لا يواجهُ مشكلةَ الإيجار ودفع الإيجار، يسكنُ بكلِ راحة.ثم كلفةُ المعيشةِ في المدينة، كلُها كلفةٌ كبيرةٌ جداً، كلُ شيئٍ بثمن، تكادُ حتى الشمس أن تكونَ بثمن، تكاد، يعني كلفة المعيشةِ كبيرة جداً، يعني أن تكون ساكناً في الريف أو تكون ساكناً في صنعاء تجدُ فارقاً كبيراً في كلفة المعيشة ومتطلبات الحياة، وهذه الكلفة تُمثل عبئاَ وهمَّاَ على الانسان، كيف يُوفر هذا الفارقَ في التكاليف، يوفر حقَ الايجار، حقَ الماء، حقَ الكهرباء، حقَ التنقل، التنقلُ كلُه بفلوس، متطلباتُ الحياة تكبُرْ، متطلباتُ التغذية تكثُر، أشياءُ كثيرة، فيجدُ نفسَه مرهقاً بالتزاماتٍ مالية في معيشتِه، ويسعى إلى توفيرِها بأي طريقة.
في الريف كان بالإمكان أن يكونَ مُنتِجاً على المستوى الزراعي، لم يعُدْ منتِجاً على المستوى الزراعي في المدينة، وصلَ في شقةٍ يستأجر أو منزل، لم يعد بيدهِ مزرعة، مزرعتُه في الريف أموالُه في الريف خلاص تعطلتْ انتهتْ، يتركُها البعضُ حتى تُدمرَ وتنتهي، أضف إلى ذلك الثروة الحيوانية، الثروة الحيوانية في المدينةِ خلاص مُنتهية، في الريف كان يكون لدى البعض أبقارٌ وأغنامٌ وماعز، ثروةٌ حيوانية ذاتُ قيمةٍ مادية، البعضُ كان يذهبُ ليبيعَ “كبشاً” في آخرِ شهرِ رمضان من ثروتِه الحيوانية يوفر مصاريفَ أسرتِه بكلِ متطلباتِ العِيد بكبشٍ يبيعه.الثروةُ الحيوانية في المدينة تتعطل، المشاكلُ من الكثافة السكانية في المدن تكثُر، مشاكل معيشية، مشاكل أخلاقية، مشاكل اجتماعية، الترابطُ الاجتماعي ضعيفٌ في المدينة، سلبياتٌ تكثُر نتيجةَ هذه الهجرةِ من الأرياف الى المدن”.
إن انتقال وهجرة القوى العاملة والسكان من الريف إلى المدينة يولد طلباً اضافياً على البُنى التحتية والخدمات العامة في المدينة، إلى جانب الطلب الإضافي على السلع والخدمات الاستهلاكية، إذ إن الهجرة من الريف إلى المدينة تُضيف الكثير من الأعباء الاقتصادية على الدولة، وعلى المواطن، فمن جهةٍ تؤدي الهجرة من الريف إلى ترك الأراضي الخصبة، وعدم استغلالها، وزراعتها، ومن جهةٍ أخرى يتحمل المواطن كلفة إضافية في المعيشة، ومتطلبات الحياة في المدينة على عكس ما كان عليه في الريف.
وهناك عوامل تدفع السكان للهجرة من الريف إلى المدينة، لعَّل أبرزها عدم توفر الخدمات الأساسية من المياه، والكهرباء، والتعليم، والصحة، والطرقات، وعلى مدى عقودٍ من الزمن كانت الدولة تُهمل الأرياف، ولا تهتم بتقديم الخدمات الأساسية، والضرورية من الطرقات، والخدمات الصحية والتعليمية، وعدم مساندة سكان الأرياف بالعناية بالزراعة، يقول السيد القائد:
“لماذا يهاجرُ الكثيرُ من الناس من الريف إلى المدينة؟ طبعاً مشكلتُنا على مدى عقودٍ من الزمن أن الدولةَ كانت تُهملُ الأرياف، خدمةَ الطرق، يواجهون مشكلةً كبيرةً في الطرقات، الخدماتِ الصحية، حتى المسانَدة لهم في الأريافِ للعناية بالزراعة، مشاكل تتعلقُ بالتعليم، المشاكل الخدمية بشكلٍ عام تُمثل مشاكلَ أساسيةً في الهجرةِ نحو المدن”.
وفي هذا الصدد، وفي إطار المسؤوليات العامة على الدولة، والمجتمع، يُشير السيد القائد إلى أن الدولة تستطيع أن تغير هذه السياسة، وأن تهتم بالريف من منطلق أن هذا من واجباتها الأساسية، كما يستطيع الكثير من التجار أن يخصصوا جزءاً من استثماراتهم، لصالح مشاريع إنتاجية، تدعم الحياة، والمعيشة في الأرياف، يقول:
“تستطيعُ الدولةُ أن تغيّرَ هذه السياسة، وأن تهتمَ أكثرَ بالريف، وهذا واجبُها وبحسب ما تستطيع، ويستطيع الكثيرُ من التجار ـ لو عقلوا لو فهموا ـ أن يجعلوا جزءاً من استثماراتِهم لصالح مشاريع إنتاجية تدعمُ البقاءَ في الأرياف، وتدعم الحياةَ في الأرياف، وتدعم المعيشة في الأرياف، وأن يستفيدوا من ذلك، والمسألةُ في الوقتِ نفسِه تحتاج إلى وعي لدى الناس”.
كما يُؤكد السيد القائد بالقول:
“التنظيمُ للبناءِ والعُمرانِ يراعى فيه موضوعُ الزراعة، يُراعى فيه موضوعُ الخدمات، يراعى فيه موضوعُ الطرقات، تنشأُ مشاكلُ الآن في مسألةِ الطرقاتِ نتيجةَ البناءِ العشوائي، يجبُ أن يراعى كيف تكونُ عمليةُ العُمران مضبوطةً، لتنشأُ لك في المستقبلِ مدنٌ ومناطقُ مبنيةٌ بشكلٍ صحيح، في العالم يخططون اليومَ لما يُسمونه بالمدنِ الخضراء، وهي فكرةٌ ممتازة جداً، المدنُ التي تُبنى بشكلٍ مُنظم، فيها المزارعُ، فيها الثروةُ الحيوانية، يُحسب فيها حسابَ أن تبقى الزراعةُ جزءاً من النشاطِ البشري، وأصيلةً في النشاط البشري”.
وفي خضمِّ ذلك، يُشير الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي إلى حقيقة المشاركة التي تقوم بها المرأة في الريف، من خلال تربية الأبقار، والأغنام، والتي توفر كثيراً من الأشياء التي تحتاج إليها الأسرة، بالإضافة إلى العمل بجدٍ في المجال الزراعي، ويعتبر أن ذلك هو مشاركة حقيقية في التنمية، تجعل جميع أفراد الأُسرة يتحملون أعباء الحياة بشكلٍ جماعي، يقول:
“الآن يعملون على أن تشارك المرأة الرجل في المكاتب، في الدوائر الحكومية، ويعتبرون أن هذه هي المشاركة الحقيقية للمرأة في الحياة.
تلك المشاركة التي تقوم بها المرأة في الريف, هي من تربي الأبقار، وتربي الأغنام، هي من توفر على أسرتها كثيراً من الأشياء التي يحتاج رب الأسرة إلى دفع فلوس كثيرة في توفيرها، هي تربي الأبقار، وتربي الأغنام، هي توفر الحطب، هي توفر الماء، هي تعمل جاهدةً في المجال الزراعي .. أليست هذه هي مشاركة حقيقية في التنمية؟. مشاركة تجعل الأسرة كلها تتحمل جميعاً أعباء الحياة، تلك الأعباء التي فرضها علينا هؤلاء، هذه الحياة التي أصبحت صعبة… هذه لم يعترفوا بأنها مشاركة بل يصنفونها بأنها ظلم، وأنها امتهان للمرأة! من أين جاء هذا التقييم؟ من أين جاء؟”.
وفي خضم ذلك، يُؤكِّد الشهيد القائد على أهميَّة تشجيع المرأة في الريف بأن تعمل في مجال الزراعة، وأن تساعد أسرتها، حيث يقول:
“يقال أن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قضى على فاطمة الزهراء بأعمال منزلية، وأعمال ترتبط بالمنزل، وعلى الإمام علي بأعمال خارج المنزل.. وهكذا المرأة في اليمن تشارك الرجل في جميع مناحي الحياة. لكن هذه التي هي مشاركة حقيقية، ويلمس الجميع أن زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم يساعدنهم مساعدة كبيرة على تحمل أعباء الحياة، هذه تصنف عند أعدائنا بأنها امتهان للمرأة!. لا، المشاركة الحقيقة هي أن تكشف نفسها ووجهها، وتزاحم الرجل هذه هي التنمية أن تزاحم الرجل في المكاتب، أن تزاحم الرجل في محطات التلفزيون، أن تزاحم الرجل في كل مناحي الأعمال الأخرى… لا حاجة إلى هذه؛ لأن هذه ليست مشاركة حقيقية.
إن الذي يجب عليكم هو أن تشجعوا المرأة، هو أن تعملوا على تشجيعها، وأن تساعدوها وهي التي تعمل في مجال الزراعة، وتعمل في مجال تنمية المواشي، وهي التي تساعد رب أسرتها، تساعد زوجها، وتساعد قريبها مساعدة كبيرة، إنها تخدم الشعب أكثر منكم …أين هي مشاريع المياه؟ هل هناك مشاريع مياه؟ من الذي يوفر المياه لنا؟. أليست هي النساء توفر المياه؟ إن النساء ينفعننا أكثر من ما تنفعنا الحكومة، إن النساء يقدمن خدمات للمجتمع أكثر مما تقدمه الحكومة”.
الهوامش:
- السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، لَتَحْذُنّ حَذْوَ بني إسرائيل، 2002م.
- السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي، سلسلة المحاضرات الرمضانية، المحاضرة الثانية عشرة، 1440هـ.